تبدو أن إدارة بايدن مصرة على المضي في مخططها، الرامي إلى انهاء حركات المقاومة وتصفيتها جميعها تباعا، من أجل تمهيد الطريق أمام الكيان الصهيوني، لكي يستقر فيه مهيمنا على فلسطين والمنطقة، لا يعوقه شيء من معارضة مسلّحة، بدت خلال السنوات الأخيرة أكثر تطورا على مستوى الإعداد العسكري، برهنت على نجاعة في تعاطيها الميداني، وشكّلت خطرا مُحدِقا بالمشروع الصهيو أمريكي الغربي، من شأنه إذا استمر في تطوّره أن يسقط الكيان الصهيوني وينهي هيمنته على فلسطين، ويقطع حلمه الرامي إلى السيطرة على المنطقة بأسرها، بما فيها من مدّخرات نفطية وغازية وخاصيات منجميّة أخرى، هذا من جهة التقديرات المادّية.
أمّا من جهة التقديرات المعنوية، فإنّ ما يشغل الغرب بزعامة أمريكا، هي عقيدة الشرق التي وضعتها دولهم في سُلّم أولوياتها، وأعطوها من اهتماماتهم ما جعلهم يخططون سرّا، من أجل افشال أي محاولة لإيقاظ الوازع الديني في وجدان شعوب المنطقة، لذلك جاؤوا بنظريّات كاذبة في الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعدما نصّبوا انفسهم أمناء ورعاة لهما، بأيديهم الحل والعقد في جميع المسائل والملفات، فلا موقف يعلو على قرارهم، بذلك جعلوا دول وشعوب العالم أسرى لدى منظماتهم الدولية المسيطرين عليها جملة وتفصيلا.
ومن أقبح وسائل هدم إرادة دول وشعوب العالم، هذا الفيتو الذي اخترعوه منذ أن أنشأت منظمة الأمم المتحدة، ليكون في خدمة قهر الشعوب صاحبة الحقوق فلا تنال منها شيئا، ولو اجتمعت الدول كلّها، لم ينفعها ذلك، طالما بقي هذا الفيتو يرتفع معارضا، فيسقط الإجماع الدولي، من أجل مصالح الغرب والكيان الصهيوني، وأشير هنا أن إدارة بايدن وحتى الذي سيأتي بعده، سوف لن يحيد على المنهج الاستكباري الأمريكي قيد أنملة، فقد استعملت أمريكا حق الفيتو ( النقض) لمشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في العدوان على غزّة، ففيتو أمريكا ألغى 13 صوتا في مجلس الأمن، المؤلف من 15 عضوا قارّين ووقتيين، وهذه المرّة 46 التي استعملت فيها الفيتو لمنع أي قرار ادانة للكيان الصهيوني من مجلس الأمن، وهو المجلس الملزم بتنفيذ أيّ قرار مجمع عليه.
وفيما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو جوتيريش) من وجود تهديد عالمي، جراء الحرب المستمرّة منذ شهرين على غزّة(1)، ولم تكتفي أمريكا بتعدد استعمالاتها للفيتو معارضة غالبية الدول العضوة في مجلس الأمن الدولي، مسقطة بذلك أربعة مشاريع وقف فوري ودائم لإطلاق النار، متجاهلة الأوضاع الإنسانية التي يعيشها سكان غزة، بعد الحصار الذي سُلّط على القطاع تدريجيا ابتداء من سنة 2007 (2)
وقوف أمريكا بكل قواها الدبلوماسية والعسكرية ليس جديدا، ذلك أنّ الكيان الغاصب في نظرها قاعدة متقدّمة وسط العالم الإسلام يجب الحفاظ عليها وحمايتها، وهي مستعدة للدخول في حرب شاملة في صورة ما اذا شعرت بالخطر يتهدده، من ذلك أنها لحد اليوم مساهمة عمليا في العدوان بالإمداد بالأسلحة والذخائر، وآخر ما قدمته من أموال إليه مبلغ 14 مليار دولار لو قسّمناها على تعداد الشعب الأمريكي، لوجدنا أنّ كل فرد فيه مساهم ب87 دولارا في هذا المبلغ(2)
وفيما يستمر العدوان الصهيوني على غزّة، بالتوازي مع أعمال التدمير الممنهج للبنى للقطاع، وإيقاف إمداد أكثر من مليونين ونصف من أهالي غزة بالأغذية الضرورية، بما سيسفر إذا استمرّ على النّحو الذي نراه اليوم، من ظهور مجاعة وتفشيّ أوبئة بين السكان، المحاصرين من الكيان الصهيوني جنوبا وشرقا وشمالا، ومن النظام المصري غربا، هذا النظام الذي كبّله الخائن السادات باتفاقية كامب دافيد، وأخرجه من جبهة الصمود والتصدّي، باعترافه بالكيان الصهيوني، فهو اليوم أقرب الى العبد، الذي فقد كل حيلة ووسيلة للتحرّر عبوديته، وكان ذلك فاتحة عهد التطبيع الذي بدأه، وترعاه أمريكا بدبلوماسية خبيثة، لا ترى للعرب والمسلمين حقّا في شيء، بينما تُعْطي الكيان الصهيوني جميع ما يثبّت به وجوده، ومن حلّ الدولتين وصفقة القرن، يتّضح هدف أمريكا من تعويم القضية الفلسطينية، لتنتهي عند مشروع إسرائيل الكبرى، فلا يبقى لحقوقها جميعا أثر يذكر، في ظلّ تواطؤ دول عربيّة ( الأردن/ الإمارات/ المغرب/ السودان/البحرين) وإسلامية (تركيا)، كشفت عن أوجه صهيونية لا تمتّ إلى العرب والمسلمين بشيء، قد باعت القضية الفلسطينية بوعود لا أعتقد أنها ستتحقق، ودون مقابل تقريبا.
من الغبن أن تتوسّم دولنا العربية والإسلامية خيرا في أمريكا، بعد كل الذي قامت به، فهي دولة استكبارية شيطانية، لا تقيم وزنا للقيم الإنسانية، ولا للعهود والمواثيق الدولية، التي أمضى عليها قادتها، وهي مستعدّة للذهاب أبعد ما يمكن من أجل حماية كيانها اللقيط الذي ورثته عن بريطانيا، فأمريكا لا تؤمن بقضايا تحرر الشعوب ومنها قضية الشعب الفلسطيني، وتعتبرها من منظورها أعمالا إرهابية يجب التصدّي لها بقوّة، وفيما تُصِرّ على هذا الموقف المغالي، يرى قسم كبير من شعبها، أن سياساتها الخارجية تسير في طريق خاطئ، وبذلك نرى أنّ الذي يسطّر السياسة الخارجية الأمريكية، هو اللوبي الصهيوني، المتحكم فعليا في قراراتها التي تصدر من الكونغرس والبيت الأبيض.
السؤال المطروح والمتداول هذه الأيام: هل هي الحرب الفاصلة بين المقاومة بكافة عناصرها، وبين الكيان الصهيوني وأنصاره الغربيين؟ يبدو أنّ الصراع اليوم قد وصل إلى نقطة اللاعودة، من المرجح أن تتسع رقعته، وإذا كانت الإدارة الأمريكية باشرت باكرا في تنفيذ مخططاتها الاستعمارية، فهي اليوم تمنّي نفسها بمحو اسم فلسطين من على الخارطة، وتشريد أهالي غزة في بلدان الجوار، واحلال إسرائيل محلّها بهذه الطريقة التصفوية البشعة، فإنّ محور المقاومة برعاية إيران والمؤلّف من اليمن ولبنان والعراق وسوريا، وعناصر من شعوب إسلامية أخرى، على أهبة الإستعداد لخوض المعركة الفاصلة مع الكيان الصهيوني الغاصب ومحوره الغربي، لقد آن للعبث الصهيو أمريكي الغربي أن ينتهي من استهتاره بأرواح الأبرياء، وآن لمحور المقاومة أن ينخرط في الدفاع عن عناصره وحركاته التحرّرية، وشعوبه من الإبادة، الحرب سوف تتوسع بالتأكيد، إذا لم يرعوي المعتدون على غزّة، وسيكون النصر حليف محور المقاومة المبارك، نصر موعود من ظهر الغيب ستلوح أعلامه قريبا.
المراجع
1 – أمريكا ترفض مشروع قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة
https://www.swissinfo.ch/ara /49041350
2 – حصار غزة: كيف بدأ وكيف يستمر (تسلسل زمني)
https://euromedmonitor.org/ar/article/5703/
3 – الفيتو الأمريكي الرابع لمنع وقف المجازر… ماذا بعد؟
https://www.alquds.co.uk