يُخطئ من يعتقد أن الولايات المتحدة لا تضع في حساباتها– عندما تبيع الأسلحة والذخائر لعدد من الدول العربية الصديقة أو الحليفة لها– مصلحتها المشتركة والدائمة مع «إسرائيل» واستمرار العمل باتجاه ضمان (تفوقها) العسكري والتكنولوجي الحربي على دول المنطقة، ويلاحظ الجميع منذ عقود كثيرة أن جميع الأسلحة والذخائر التي كانت واشنطن تبيعها لهذه الدول لم يُستخدم أي جزء منها ضد الكيان الصهيوني، بل إن إمكانية استخدامها لا يمكن أن تتحقق عملياً لأن واشنطن ستتدخل في أداء هذا السلاح ومنع تصدير قطع تبديله وذخائره.
وبموجب عمق الشراكة بين «إسرائيل» والولايات المتحدة سيكون من الطبيعي أن ترسل وزارة الدفاع الأمريكية نسخة مُفصّلة من بيانات ما تبيعه لهذه الدول من أنواع الطائرات والذخائر والدبابات ومنظومات الصواريخ والرادارات إلى «إسرائيل».. ومادام سيجري استخدام هذه الأسلحة في حروب بعض العرب ضد أشقائهم– مثلما جرى ضد سورية وضد اليمن وليبيا – فلن تعترض «إسرائيل» أو واشنطن على نقل أنواع من هذه الأسلحة إلى التنظيمات الإرهابية.
وهكذا يصبح استخدام هذه الأسلحة مُسَيطراً عليه من «إسرائيل» والولايات المتحدة اللتين تحاولان- من خلال هذه السياسة- إدارة قاعدة التحكم بسياسة الحرب والسلام في المنطقة لأهدافهما ومصلحتهما.
وتوسيعاً لقواعد هذه اللعبة نشرت المجلة الإلكترونية الصهيونية «جويش نيوز سينديكيت» الصادرة بالإنكليزية – 12حزيران الجاري – مقالاً تحت عنوان «لا أسلحة أمريكية للحكومات المعادية للسامية» أعده ستيفين فلاتو – وهو من الشخصيات السياسية الصهيونية الأمريكية في نيوجيرسي.. وجاء في مقاله أنه «على الإدارة الأمريكية عدم تزويد الحكام الذين يشجعون على معاداة السامية بالسلاح» ويذكر أن الولايات المتحدة ومؤسساتها التشريعية والرئيس ترامب يعدون أن «معاداة السامية» هي (كل معاداة ومناهضة لليهود وللصهيونية ولـ«إسرائيل») ويضيف فلاتو أن مجلسي الكونغرس صدّقا على القانون رقم /26/ الذي ينص على حظر توريد الأسلحة لأي دولة تشجع على (معاداة السامية)، ويطالب فلاتو بتطبيق هذا القانون على الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة التي تزودها بالسلاح ومنعها من نشر كل ما يوحي (بمعاداة السامية) وكل ما يشجع على مناهضة «إسرائيل».. وهذا يعني أن واشنطن ستستخدم هذا القانون لزيادة الضغوط على الدول العربية الصديقة أو الحليفة لها بهدف دفعها إلى تغيير خطابها الإعلامي والتربوي بل الديني الذي يجد الكيان الصهيوني فيه مظاهر العداء للسامية، بل ستطالبها واشنطن بالاسراع في تطبيع علاقاتها مع هذا الكيان والاعتراف العلني بكل ما ضمه من الأراضي الفلسطينية التي احتلها بعد عدوان 1967 بما في ذلك القدس وكذلك الجولان العربي السوري، بذريعة أن عدم الاعتراف ستعده واشنطن وتل أبيب «مناهضة لحقوق اليهود بفلسطين» وتنفيذاً «لأخطر أنواع معاداة السامية والتشجيع على العنف ضد اليهود.. أي على الإرهاب»!.
وقد يرى البعض أن اتخاذ واشنطن مثل هذه السياسة قد يجبر حكام بعض الدول الصديقة لها على تنويع مصادر أسلحتها، والتفكير في شراء أسلحة روسية أو صينية وهو تفكير منطقي، لأن شراء أسلحة فرنسية أو بريطانية يبقى ضمن دائرة التحكم الأمريكي– الصهيوني نفسها.. لكن المشكلة تكمن في أن معظم هؤلاء الحكام لم يقدم على اتخاذ إجراء كهذا خوفاً من أن تهدده واشنطن بإزاحته عن الحكم – إذا خرج عن قواعد نظامها الذي فرضته عليه منذ أكثر من 70 عاماً – واستبداله بحاكم آخر وبشكل خاص فيما يتعلق بمعظم إمارات وممالك الخليج.
ومن الطبيعي أن يعمل الكيان الصهيوني على استغلال الولايات المتحدة في فرض سياسته على هذه الدول في هذه الظروف، وفي مطالبة ترامب لها بتطبيع علاقاتها بشكل علني مع الكيان الصهيوني حتى لو كان ذلك على حساب ثقافتها القومية أو الإسلامية، فاعتراف ترامب بضم القدس إلى الكيان الصهيوني بمقدساتها الإسلامية والمسيحية وتهويدها يُعدّ من أخطر المواقف على الثقافتين العربية والإسلامية في كل تاريخ هذه الأمة.