بدأ ينكشف ستر العلاقات التونسية الصهيونية المتخفّي منذ أن أقام نظام بن علي علاقاته معه سنة 1994 (1)، فما كان مجهولا حينها، ويصعب على الشعب التونسي الاطلاع عليه، أصبح ممكنا اليوم، بوجود مواقع اعلامية، لا تتحرج من تعرية تلك العلاقات في أشكالها المتنوعة، السياسية والإقتصادية والثقافية، وفيما طلائع ونخب أحرار الشعب التونسي الأوفياء للقضية المركزية للأمة الاسلامية، القضية الفلسطينية، يتطلعون منذ ما بعد سنة 2011 فيما عرّفه الغرب بثورات الربيع العربي، لسنّ قانون تجريم أي شكل من أشكال التطبيع مع العدوّ الصهيوني، ظهرت تسريبات اعلامية صادقة، كشفت مدى حجم التطبيع المسكوت عنه حكوميا، والذي بلغ ذروته هاتين السنتين، فقد نشر موقع “نواة” التونسي تحقيقا مطولا كشف من خلاله عن تطبيع اقتصادي تونسي مع إسرائيل، مشيرا إلى أن المبادلات بلغت ذروتها في سنة انتشار وباء كورونا.
وقال كاتب المقال :
شهد هذا العام أعلى نسبة مبادلات تجارية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ فتح مكتب الاتصال والعلاقات الدبلوماسية الإسرائيلي في تونس سنة 1996 وصلت لــ94%”.
وأضاف “بحسب موقع رصد السفن العالمي vesselfinder فإن آخر دخول لسفينة تجارية قادمة من إسرائيل، كان بتاريخ 05 مايو 2021، لتغادر في 22 من الشهر نفسه، وهو ما يعني أن السفينة قضت 17 يوما في ميناء رادس، ما بين انتظار وتفريغ وترصيف.
وكانت السفينة تحمل اسم “إيكاترينا” Ekaterina وترفع العلم المالطي للتمويه، وهي ليست المرة الأولى التي تدخل فيها لميناء رادس، محملة ببضائع إسرائيلية، وتغادره مشحونة ببضائع تونسية، فقد سبق وأن دخلت لتونس في 31 مارس 2021.
وكشف موقع “الكتيبة” التونسي بتاريخ 20 مارس 2021، عن عبور العديد من الحاويات من ميناء رادس في تونس، وصولا إلى ميناء أسدود، التابع لدولة الاحتلال الإسرائيلي، محملة بالكسكسي الذي يصنع من قبل شركة (رندة) التونسية.
وأفاد الموقع بأن ذلك يأتي في سياق تنكر فيه الدولة التونسية من خلال وزارة خارجيتها، إنشاء أية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مشيرا إلى أن وزير التجارة وتنمية الصادرات التونسي محمد بو سعيد، أنكر في جلسة مساءلة أمام البرلمان، علم وزارته قيام بعض الشركات التونسية في مجال صناعة الأغذية، بتصدير منتجاتها إلى إسرائيل، وكأنّ إدارة الموانئ والديوانة وأجهزة الرقابة التجارية، تتبع دولة أخرى، أو أنها مؤسسات تعمل لحسابها الخاص.(2)
كشفت بيانات منظّمة التجارة الدوليّة والأمم المتحّدة أنّ العلاقة بين تونس والكيان الصهيوني تتجاوز البروتوكولات الديبلوماسيّة التّي فرضتها التحوّلات الدوليّة بعد انهيار الكتلة الشرقيّة ورضوخ منظّمة التحرير الفلسطينيّة للحلّ الأمريكيّ-الاسرائيلي بتوقيع اتفاق أوسلو سنة 1993. فمكتبي رعاية المصالح، اللذين تمّ افتتاحهما في تونس وتلّ أبيب تباعا في أفريل وماي 1996، تحوّلا إلى جسر لتنسيق تعاون أوثق، تجلّى في علاقات تجاريّة متكاملة، فَتحت أسواق تونس أمام السلع الاسرائيلية، تحت إشراف ومباركة النظام الحاكم آنذاك، وكلّ الحكومات التّي تلته حتّى هذه اللحظة.
عقدان من العلاقات التجاريّة الكاملة
مثّل لقاء وزير الخارجية التونسي الأسبق الحبيب بن يحيى، بوزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك، في برشلونة سنة 1995 النقلة النوعيّة في مسار العلاقات بين الطرفين، فبعد سنوات من التعامل عبر قنوات الاتصال السريّة، في السفارات البلجيكية في كلّ من تونس وتل أبيب، افتتح هذا الاجتماع الثنائيّ المباشر، مرحلة التطبيع الاقتصاديّ، وتشير إحصائيّات منظّمة التجارة الدوليّة وقاعدة بيانات الأمم المتحّدة للتجارة، أنّ أولى الشحنات التجاريّة قد انطلقت منذ سنة 1995، أي قبيل افتتاح مكتبي رعاية المصالح بسنة، ليكون الكيان الصهيوني سبّاقا إلى اختراق السوق التونسيّة، مقابل تأخّر تونسي نسبيّ، حيث لم تبدأ تونس في توجيه صادراتها نحو الموانئ الإسرائيليّة سوى سنة 1997.
ورغم تواضع حجم هذه المبادلات الثنائيّة، بالنسبة لإجماليّ العلاقات التجاريّة للطرفيّن، بقيمة جمليّة بلغت 3.3 مليون دولار سنة 2015، حيث لم يتجاوز نصيب السوق التونسيّة من الصادرات الإسرائيليّة خلال تلك السنة 810 ألف دولار، محتلّة المرتبة 136 على قائمة الشركاء التجاريين للكيان الصهيوني، إلاّ أنّ تونس تحتلّ المرتبة 86 على صعيد أهمّ الموردّين للسوق الإسرائيليّة، بحجم مبادلات بلغ خلال سنة 2017، قرابة 5.5 مليون دولار.
هذا وتكشف الأرقام استفادة الكيان الصهيوني من الحصيلة الإيجابيّة، للمبادلات التجاريّة مع تونس، بين سنوات 1995 و2009، حيث ظلّت الصادرات التونسيّة محتشمة وثابتة تقريبا، عند معدّل نصف مليون دولار سنويا، مقابل تنامي الواردات الإسرائيليّة إلى الأسواق التونسيّة لتناهز 2.2 مليون دولار سنة 2007، لتراكم تونس عجزا سنويا طيلة تلك الفترة، تراوح بين 0.5 مليون دولار، وقرابة مليوني دولار، خلال السنوات الأربع بين 2004 و2008، وضعيّة تغيّرت بشكل جذريّ منذ سنة 2009، لتأخذ منحى متذبذبا إلى حدود سنة 2012، أين ارتفعت الصادرات الإسرائيليّة إلى مستوى قياسيّ بلغ 15 مليون دولار، قبل أن يتراجع بحدّة طيلة السنوات اللاحقة، مقابل تصاعد مطّرد للصادرات التونسيّة نحو إسرائيل، بلغ ذروته سنة 2017 بقيمة 5.5 مليون دولار.(3)
وفيما يواصل الفساد في تونس تمدده ما بعد سنة 2011، وكان مأمولا ايقافه بقوّة استكمال المسار الثوري للشعب، ومحاسبة المتورّطين في أدواته، يمضي التطبيع مع الكيان الصهيوني قدما نحو الاعتراف الكامل به كدولة مغتصبة لفلسطين، تأسّيا بمن سبق ولحق من أنظمة العمالة العربية، تحت أنظار من يدّعون الثورية والوفاء للقضية الفلسطينية من شخصيات وأحزاب عُرِفت بالنضال ضد الدكتاتورية، وإذا بها اليوم تمارس الخداع السياسي، والتلوّن بألوان دبلوماسية الأمر الواقع، المفروض من القوى الغربية الكبرى.
إن الاعتقاد بأن سكوت الشعب عن عمليات التطبيع بأشكاله مع الكيان الصهيوني في تونس، والذي أخذ منعرجا خطيرا اليوم، سيتواصل كأنّه تعبير عن رضاه بما يجري في الخفاء، وإن بدأت ملامحه تظهر يوما بعد يوم، هو تقييم خاطئ للمسؤولين والمتورطين فيه، ويوم الحساب قادم لا محالة، ومن تقذّر بأوساخ التطبيع لن تزيلها عنه أي طريقة تنظيف، وفوقها العار والشِنار له ولرهطه الفاسد.
المصادر
1 – العلاقات الاسرائيلية التونسية https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – بلغ ذروته في 2020.. موقع تونسي يكشف عن “تطبيع اقتصادي” بين تونس وإسرائيل – RT Arabic
3 – التطبيع الاقتصادي بين تونس واسرائيل : خيانة دولة
https://nawaat.org/2018/06/05/