كان وعد بلفور، الوعد الذي منحه آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا في 2 نوفمبر 1917 للمليونير اليهودي روتشيلد بمنح اليهود دولة في فلسطين، المحطة الثانية لتأسيس المشروع الصهيوني بعد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا يوم التاسع والعشرين من أغسطس 1897 والذي حدد هدف الحركة الصهيونية أنه إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
كان نص الوعد: “تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.”.
لن نخوض هنا في ملابسات صدور هذا الوعد وشرعيته وأطرافه وحقيقة صدوره في خضم الحرب العالمية الأولى حيث كانت بريطانيا بحاجة للدعم المالي لليهود وخبراتهم العلمية في مجهودات الحرب بالإضافة الى التخلص من اليهود في أوروبا والذين كانوا يغير مقبولين الخ، و سأركز في مقالتي على تفكيك الوعد من حيث حدود الدولة التي منحها الوعد لليهود، وفي هذا السياق نبدي الملاحظات التالية:
الأولى: إن الوعد لم يقل إن فلسطين هي الوطن القومي لليهود بل كان النص واضحا عندما قال بإقامة وطن قومي لليهود (في فلسطين) وهذا يعني أن فلسطين يمكن أن تستوعب أوطانا لشعوب أخرى، وهذا ما تأكد بعد خمسين عاماً على المؤتمر الصهيوني الأول وأربعين عاماً على وعد بلفور حيث قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947 تقسيم فلسطين إلى دولتين تقوم إسرائيل على مساحة 55% والبقية تقام عليها دولة عربية للسكان الأصليين.
الثانية: بالرغم من إن الوعد تنكر لوجود الشعب الفلسطيني الأصلي حيث تحدث عن مجرد وجود أقليات لها حقوق مدنية ودينية إلا أن موافقة بريطانيا نفسها على قرار التقسيم واعترف الأمم المتحدة بالتقسيم يعني أن في فلسطين شعبا آخر غير اليهود لهم حقوق سياسية وليس مجرد حقوق مدنية ودينية، وبهذا يكون نص وعد بلفور بإلزام إسرائيل بحماية الحقوق المدنية والدينية يخص الفلسطينيين داخل دولة إسرائيل التي أقرها قرار التقسيم، بينما حقوق الشعب الفلسطيني ببقية الأراضي الفلسطينية فتخضع لقرارات الشرعية الدولية التي تتحدث بوضوح عن حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره السياسي وحقه بدولة مستقلة.
ثالثا: لو لم يكن وعد بلفور الذي فرضته بريطانيا على عصبة الأمم وجعلته جزءاً من صك الانتداب البريطاني على فلسطين، ولو لم يتواصل الدعم الغربي وخصوصاً البريطاني والأمريكي للمشروع الصهيوني، فإن هذا الكيان الصهيوني العنصري ما كان ليكون وما كان له أن يستمر إلى اليوم وأن يكون بهذه القوة البادية عليه.
رابعا: بالرغم من احتلال فلسطين كاملة من طرف الصهاينة إلا أن من اعتبرهم آرثر بلفور أقلية -الفلسطينيون السكان الأصليون-يمثلون اليوم أكثر من نصف ساكنة فلسطين المتواجدين على أرض فلسطين حسب الإحصاءات الإسرائيلية نفسها، بالإضافة إلى مثل عددهم في الخارج يحملون اسم فلسطين ويعترف العالم بأنهم فلسطينيون وينتظرون عودتهم إلى أرضهم.
خامسا: أرض فلسطين التي يُفترض أن تكون دولة خالصة لليهود كما فسر الصهاينة وعد بلفور تتقاسمها معهم الدولة الفلسطينية حيث صوتت الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة في 29/11/2012 لصالح منح فلسطين – الضفة وغزة-صفة دولة مراقب غير عضو (أيد القرار 138 دولة، وعارضه 9 دول، وامتنعت 41 دولة عن التصويت) وأن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
وفي الختام فإن وجود دولة إسرائيل غير شرعي حتى على شبر واحد من أرض فلسطين العربية، كما أن وعد بلفور فشل في تحقيق أهداف الحركة الصهيونية التي كانت تسعى من خلال الوعد لشطب الشعب الفلسطيني وحسم الصراع في فلسطين لصالحها، الفلسطينيون اليوم أحفاد من كان يعتبرهم وعد بلفور مجرد أقليات لهم حقوق مدنية فقط يناضلون من أجل تقرير مصيرهم السياسي وإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة .