حجم المأساة التي تعرضت لها كل من سوريا وتركيا في اليومين الماضيين نتيجة الزلزال لم تتضح بصورتها الكاملة بعد. هول الكارثة الانسانية لم يشفع للسوريين. بعد الحدث، تسارعت التصريحات الغربية والأميركية خاصة حول إرسال المساعدات إلى تركيا، ولكن لدى صنّاع قيصر، ما زال قانون الحصار الجائر على سوريا ساري المفعول حتى في أوج الأزمة الإنسانية.
صحيح أنها ليست المرة الأولى، التي تتعرض فيها مناطق للزلازل في العالم، ولكنها المرة الأولى التي يتصرف فيها دعاة الإنسانية في العالم الغربي بهذه الوقاحة. فمستشار الأمن الأميركي جيك سوليفان قال إن بلاده تشعر بقلق عميق إزاء التقارير المتعلقة بالزلزال المدمر، وأضاف “نحن على اتصال مع المسؤولين الأتراك لتقديم أي مساعدة” وأنهم يتابعون الوضع عن كثب مع أنقرة. الغالبية الساحقة للتصريحات الأميركية كانت بشأن المساعدات لتركيا، وهي تغافلت بشكل عام عن المساعدات لسوريا أو لضحايا الزلزال فيها.
في الساعات القليلة الماضية، صرح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن المنظمة تستكشف جميع السبل إلى الطريق المؤدي إلى شمال غربي سوريا، خاصة وأن الطريق المؤدي إلى شمال سوريا قد تضرر مما عطل إيصال المساعدات إلى الشمال الغربي، وبالتأكيد فإن دوجاريك يقصد مدينة إدلب وريفها وريف حلب اللذين ما زال يسيطر عليهما “المعارضة المسلحة”، بحسب تعبير المسؤول الأممي. تصريحات غير مسؤولة ومضللة وتعكس المواقف الملتزمة مع المسلحين الإرهابيين في شمال غرب سوريا.
دوجاريك لم يجد حرجًا في الاعلان صراحة عن تقسيم المتضررين من الزلزال بين مناطق معارضة ومناطق أخرى، وبالتالي فإن الاهتمام لديه يتركز فقط على مناطق المعارضة التي قال ان الطريق اليها مُعطَّلة.
وفي وقت تعود فيه المساعدات الأميركية للمسلحين في إدلب وريفي حلب وإدلب المحتلين، ماذا عن المتضررين في حلب واللاذقية وحماة وحمص وباقي المدن السورية؟ هل قطعت الأمم المتحدة يدها عنهم وباتت غير قادرة على جمع المساعدات وإرسالها إلى جميع المتضررين على طول وعرض الأراضي السورية؟ هل المتضررون والمصابون في الأراضي المحررة يعاقبون لأنهم باتوا يعيشون في كنف الدولة بدلاً من الرزوح تحت سيطرة الإرهاب؟ إنها معايير مزدوجة في الإنسانية.
هذا العقاب الجماعي الذي تتعرض له سوريا، جائر وغير مقبول ويدل على معايير مزدوجة ويفضح المزايدات الغربية حول حقوق الإنسان، وكيف أن تنفيذها وتوزيعها بات يتم بحسب المثل اللبناني “ناس بسمنة وناس بزيت”. وبحسب تعبير رئيس أمريكا السابق جورج بوش الابن، مدمّر العراق، ستطال المساعدات من هم مع الأميركيين ويمثلون مصالحهم لأن “من ليس معنا، فهو ضدنا”. فهل ضحايا اللاذقية أو حلب الشهباء من الأطفال والمصابين من الرجال والنساء المدنيين هم من حاربوا الولايات المتحدة؟ هل هم الذين حملوا السلاح واستقدموا شذاذ الآفاق من كل العالم للقتال؟ هل أطفال حلب هم من يحتلون منابع النفط والغاز السوريين ويمنعون الدفء والمواصلات والكهرباء عن سوريا؟
هناك منطق لا يمكن أن يقبله عاقل في التعامل مع القضايا الإنسانية وبخاصة في سوريا، فقط لأنها مثلت قمة المقاومة للمشاريع والهيمنة الأميركية والصهيونية في منطقتنا العربية. وهي تدفع اليوم ثمن قطع اليد الأميركية في السيطرة الكاملة على المنطقة من الحدود العراقية – الإيرانية وحتى حدود فلسطين المحتلة. ولهذا السبب فقط ولأن أمن الاحتلال الصهيوني يحتل المرتبة الأولى بالنسبة للأميركي، من أجل هذا تمنع المساعدات الإنسانية عن سوريا. العداء السياسي حولته أمريكا والغرب إلى عداء ضد الإنسانية وبكل وقاحة وبشكل فاضح على الشاشات التلفزيونية. وضمن هذا الإطار يستغل العدو الصهيوني المأساة التي خلفها الزلزال ليختلق قصة إرسال مساعدات من أجل إضعاف ثقة المواطن السوري بدولته، وهذا ما لن يحدث أبداً!
وهنا تبرز بارقة من الأمل بالمبادرات من الدول الحليفة العربية والاسلامية وغيرها، والتي جاءت من الجزائر والعراق والإمارات ولبنان والجمهورية الاسلامية الايرانية وروسيا والصين. هذه المساعدات يمكن أن تتطور أكثر لتصبح مفتاحاً لكسر الحصار على سوريا، وهذا فعلياً ما تحتاجه البلد اليوم. وقد أعلن البارحة مدير الطيران المدني باسم منصور أن سوريا تلقت طلبات لإرسال المساعدات من دول مصر والأردن وروسيا والإمارات وإيران والهند.. فهل في المأساة تلوح تباشير كسر الحصار؟
العهد الاخباري