تشتري الدول العربية كل عام ثلث أسلحة العالم، ونصف صادرات الأسلحة الأمريكية في السنوات الخمس الماضية ذهبت إلى الشرق الأوسط، ونصفها ذهب إلى المملكة العربية السعودية، وفي المقابل، وفي السنوات الخمس الماضية، وصلت صادرات الأسلحة الفرنسية للشرق الأوسط إلى أعلى مستوى لها منذ 1990، بحسب تقرير معهد «ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، المعني بمراقبة حركة بيع السلاح وشرائه في العالم.
وخلال العام الماضي، تضاعفت واردات مصر ثلاث مرات؛ ما يجعلها ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم بين عامي 2015 و2019، وفي الوقت نفسه، حافظت السعودية على مركزها بوصفها أكبر مستوردٍ للسلاح، بحجم إنفاق عسكري بلغ 61 مليارًا و900 مليون دولار، ولا يُعرف تحديدًا النسبة الدقيقة لحجم الإنفاق العسكري للدول العربية مجتمعةً مقارنة بإجمالي دخلها القومي؛ نتيجة غياب بيانات عددٍ من تلك الدول، أو إخفائها الأرقام الحقيقية.
في التقرير التالي نستعرض أبرز صفقات الأسلحة التي أبرمتها الدول العربية خلال 2020، ولماذا تعد غير تقليدية؟
الخليج العربي.. صفقات العتاد الأضخم في العالم
في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، قررت الأمم المتحدة رفع حظر التسليح المفروض على إيران منذ عام 2007؛ ما دفع السعودية لحشد الدعم لتمديد الحظر المفروض على طهران من واشنطن، ولكنها أخفقت بسبب معارضة روسيا والصين، الدولتين اللتين تمتلكان مقعدين دائمين في مجلس الأمن، وهو الفشل الذي قاد في النهاية إلى تحرك السعودية لشراء الأسلحة من تلك الدول التي عرقلت قرار تمديد الحظر.
وفي المقابل، سعت إيران رسميًّا لإبرام اتفاقات مع روسيا والصين تشمل تقديم خصومات كبيرة على أسعار النفط، مقابل الاستثمار في الطاقة والوصول إلى الأسلحة غير التقليدية، ومنها الدرونز المقاتلة، التي ساعدت طهران على تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، في كل من العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.
وبالرغم من أنَّ الإنفاق العالمي على التسليح شهد انخفاضًا في أغلب دول العالم نتيجة التبعات الاقتصادية لجائحة كورونا، وتخصيص تلك الأموال لشراء أطقم الوقاية ومعدات الفحص والتجهيزات الطبية، فإن الخليج العربي بدا في فورة شراء الأسلحة، كأنما يستعد لحرب ما بعد كورونا.
وفي نوفمبر 2020، وافقت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على صفقة لدولة الإمارات تشمل 50 مقاتلة من طراز «إف-35»، إلى جانب 18 طائرة مسيرة من طراز «إم كيو-98» بقيمة 23 مليار دولار، شملت أيضًا حزمة ذخائر لصواريخ «جو- جو»، «وجو- أرض»، ولم تكن صفقة الطائرات هي المكسب التسليحي الوحيد لأبوظبي في 2020، فلأول مرة تدخل شركة عربية، «إيدج»، التي تتخذ الإمارات مقرًّا لها، في قائمة أكبر مصدري السلاح في العالم، ضمن أكبر 25 مصنعًا للأسلحة في عام 2019، بحسب تقرير معهد «ستوكهولم» عن كبار صناع السلاح.
السعودية
وخلال العام الماضي، عقدت السعودية، المنخرطة في حرب اليمن منذ 2015، أكثر من صفقة سلاحٍ مع أكثر من دولة، وأبرزها الصفقة الموقعة مع واشنطن في مايو (أيار) 2020، بقيمة تزيد على ملياري دولار، لتوريد أكثر من ألف صاروخ «جو– أرض»، وصواريخ مضادة للسفن، وأعلنت واشنطن قبل شهرين أنها بصدد بيع أسلحة للسعودية بقيمة 60 مليار دولار، تشمل تعزيز نظام الدفاع الصاروخي للمملكة في ظل تنامي القوة الصاروخية لإيران.
الكويت
الكويت أيضًا لها نصيبٌ من الصفقات الضخمة، ففي نهاية 2020 وافقت الإدارة الأمريكية على صفقة أسلحة للكويت بقيمة 4 مليارات و400 مليون دولار، تشمل ترقية 16 طائرة مروحية قديمة من طراز أباتشي، وتسليم ثمانٍ جدد، مع تزويد المقاتلات بأنظمة الدفاع الجوي الصاروخي.
قطر
وفي فبراير (شباط) الماضي، كشفت مجلة «فوربس» الأمريكية عن مفاجأة عسكرية هي الأولى من نوعها في الخليج، بامتلاك قطر لأول سفينة حربية قطرية، بصفقة قيمتها 6 مليارات و120 مليون دولار، مع شركة الدفاع الإيطالية «فينكانتيري»، لبناء سفن حربية وغواصات متطورة، وإنشاء قاعدة بحرية خارجية، لتصبح بذلك أول دولة خليجية تشغل غواصات وحاملة طائرات.
وعلى وقع اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعتها كل من الدوحة وأنقرة قبل ثلاث سنوات، حصلت قطر في 2020 على سفينة حربية صنعتها شركة الأناضول التركية، مع صفقة أخرى لشراء سلاح مضاد للطائرات المسيرة من طراز «IHAMAX»، ويتميز السلاح التركي الذي لم يُعلن عنه من قبل بأنه فعال حتى مسافة كيلومترين، ووزنه بين ثلاثة وأربعة كيلوجرامات؛ ولذا يسهل حمله والتنقل به.
مصر وإسرائيل.. جنون التسليح مقابل سباق التصدير
ازدادت حصة مصر من الديون الخارجية التي بلغت 111 مليارًا و300 مليون دولار، لتقتطع 14.67% من إجمالي الناتج المحلي عام 2012، لتصل إلى 31.7% في الربع الأول من عام 2020، وفي المقابل شهدت صفقات السلاح زيادةً جنونية منذ 2014 لتحتل مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة عالميًّا بين عامَي 2015 و2019، بنسبة زيادة بلغت 206%، بحسب تقرير لمعهد «ستوكهولم».
وبينما يقول البنك الدولي إن حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء وإما عرضة للفقر، لا يبدو أن هناك مؤشرات على انحسار موجة شراء الأسلحة، ففي يونيو (حزيران) 2020، أبرمت مصر أضخم صفقة عسكرية لها مع إيطاليا بقيمة تتجاوز 9 مليارات دولار، تشمل ست فرقاطات، و20 قاذفة صواريخ، و24 قاذفة مقاتلة من طراز «إم-346»، وقمر صناعي عسكري.
ولم تقتصر الصفقات على الأسلحة التقليدية، بل اشترت مصر من شركة «سيمنز» الألمانية، معدات مراقبة بهدف التجسس على النشطاء والمعارضين والصحافيين، ودخلت تلك المعدات في حيازة «إدارة البحوث التقنية»، التي توصف بأنها جهاز الاستخبارات الخاص بالرئيس، واللافت أنَّ الصفقة مرت بموافقة الاتحاد الأوروبي، ولكنها لا تُدرج في الأرقام الرسمية لموازنة وزارة الدفاع المصرية.
وثمة دلائلٌ تشير إلى أنَّ مصر تحصل على تلك الأسلحة بالقروض، وسبق للرئيس المصري أن قال في مقابلة تليفزيونية إنَّ الحكومة الفرنسية أقرضت مصر 3 مليارات و200 مليون يورو (3 مليارات و910 ملايين دولار)، لتمويل عملية شراء ملياريَّة لمعدات عسكرية فرنسية.
وتستعد مصر حاليًا للحصول على الدفعات الأولى من الطائرات الروسية «سوخي 35» ضمن صفقة شملت 24 طائرة، رغم التهديدات الأمريكية لوقف الصفقة التي وقعها النظام المصري عام 2018، ولكنها دخلت حيز التنفيذ في العام الحالي.
وفي الوقت الذي دخلت فيه مصر سباق التسليح، كانت إسرائيل تشهد هي الأخرى سباق أسلحة من نوعٍ آخر، باتجاه التصدير لا الشراء، وبحسب تقرير صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية، بلغت صادرات إسرائيل العسكرية 7 مليارات و200 مليون دولار عن مبيعات 2019.
بقاء إسرائيل حتى الآن ضمن أكبر 10 مصدرين أمنيين في العالم لم يمنعها من دخول أسواق جديدة مثل الصواريخ، وتعد دولة الاحتلال رائدة في صناعة الطائرات بدون طيار، والرادارات وأنظمة الحرب الإلكترونية، وأنظمة الدفاع الجوي، وأجهزة المراقبة، ونُظم الاستخبارات والمعلومات الإلكترونية، ومركبات ناقلات الجنود المدرعة.
وتسعى إسرائيل حاليًا لتعزيز أسطولها من مقاتلات «إف-35» الأمريكية قبل رحيل دونالد ترامب عن السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) 2021، واشترت إسرائيل أربع سفن ألمانية، من أكثر القطع تطورًا في البحرية الإسرائيلية، عقب التهديدات التي تشهدها خطوط أنابيب الغاز إثر الصراع في شرق المتوسط، أواخر العام الماضي.
وأما المملكة الأردنية، الجار المُطل على إسرائيل، فلا تتوفر معلومات عن أي صفقات تسليح جديدة لها في عام 2020، على عكس الأعوام السابقة التي نشطت فيها الأردن عسكريًّا، ونالت دعمًا واسعًا لدورها البارز في التحالف الدولي لمحاربة «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)». إلا أن اسم الأردن ظهر في وثائق مسربة من الجيش المينماري، تُفصل صفقة بين الأردن والدولة المحظور بيع السلاح لها، يقدم فيها سلاح الجو الأردني طائرة من طراز «إيرباص C295»، مهيئة للاستعمال العسكري.
المغرب العربي.. سباق في الخفاء
الجزائر
بحسب تصنيف موقع «جلوبال فاير»، والذي لا يعدُّ دقيقًا بما فيه الكفاية، يأتي ترتيب الجزائر في المركز الثاني عربيًّا في الإنفاق العسكري، والمغرب في المركز السابع، بينما جاءت تونس في المرتبة 11 على المستوى العربي.
وتحتل الجزائر المرتبة الأولى أفريقيًّا في الإنفاق العسكري، بحوالي 6 مليارات دولار، بحسب البيانات الرسمية، ولكنَّ معهد «ستوكهولم» الذي وضع تصنيف الجزائر شكك في صحة الأرقام، خاصةً إذا ما قورنت بمصر التي تعد، على الورق ورسميًّا، أقل إنفاقًا على التسليح في أفريقيا بواقع 3 مليارات و800 مليون دولار، ما يكشف تناقضًا بين حجم الإنفاق العسكري المصري المُعلن في البيانات الرسمية، وبين مشتريات الدولة الفعلية من الأسلحة وميزانيتها العسكرية.
وبعيدًا عن الاختلاف في البيانات الرسمية المتوفرة، فإن سباق التسلح في شمال أفريقيا واضح؛ إذ اشترت الجزائر 14 مقاتلة روسية من طراز «سوخوي-35» الجيل الخامس بقيمة ملياري دولار.
وتستعد الجزائر لتسلم ثلاثة طرادات روسية الصنع بحلول 2021، من نوع «ستيريغوتشي بروجكت 20380»، ولهذه القطع البحرية تكنولوجيا متطورة تشمل أنظمة صواريخ مضادة للسفن، ونظام دفاع جوي من نوع «بانتسير آم»، وصواريخ بحرية من طراز «سام ريدوت».
المغرب
وتنافس الجزائر في التسليح خصمها الكلاسيكي، مملكة المغرب، التي تجمعها خلافات مع جارتها الشرقية في ملفات عدة، منها دعم الجزائر لجبهة البوليساريو الانفصالية، وفي ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي نقلت وكالة رويترز عن مصادر أمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وافقت على بيع طائرات بدون طيار وأسلحة للمغرب بقيمة مليار دولار، وأرسلت إخطارًا للكونجرس بشأن الصفقات المحتملة.
وسبق للمغرب أن أبرم صفقة أخرى مع واشنطن بقيمة 239 مليون دولار، لتزويدها بعتاد حربي، تشمل 25 مركبة مدرعة للدعم اللوجستي والميكانيكي الميداني، ذات قدرات عالية في تنفيذ عمليات سحب وإخلاء المعدات القتالية الثقيلة، إلى جانب معدات عسكرية أخرى.
تونس
وفي خضم سباق التسلُّح المغربي الجزائري، تذهب تونس في اتجاه آخر، وإن كانت لم تنقطع عن عمليات الشراء خلال العام الماضي.
إذ وقعت وزارة الدفاع التونسية عقدًا بقيمة 80 مليون دولار مع الشركة التركية لصناعات الفضاء، لشراء ثلاث طائرات مسيرة من نوع «تي إيه أي العنقاء – TAI ANKA»، وثلاث محطات تحكُّم وتدريب 52 جنديًّا من سلاح الجو التونسي، ما قد يمهِّد لبدء تعاون عسكري بين أنقرة وتونس التي تتماسَّ مع الحدود الغربية الليبية التي تسيطر عليها حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا والمدعومة من تركيا.
وطلبت تونس أيضًا شراء أسلحة ومعدات عسكرية وجوية من الولايات المتحدة بقيمة 325 مليون دولار، تتضمن أربع طائرات هجومية خفيفة ومعداتها، بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية، وحماية حدودها ضد الأخطار الإقليمية التي تواجهها.
ولا تُعرف تحديدًا الكلفة النهائية لمجموع هذه الصفقات وحجم نسبتها إلى الناتج القومي للدول العربية، أو تبعات التسليح على الاقتصاد المتأزم الذي تشهده المنطقة.
(ساسة بوست)