لا يمكنني أن أصف عموم متصنعي السياسة العرب بغير الإنتهازيين، وراكبي ظهور شعوبهم، وكل وسيلة لتحقيق طموحاتهم الغير مشروعة في الحكم من أجل مصالحهم، ونزات أنفسهم المريضة، كيفما كان السبيل إلى ذلك، فقد نشأت بيننا طبقة بيروقراطية سياسية مخادعة، متغربة في فكرها، و(متأمركة) في سلوكها، أصبحت لا ترى طريق نجاح مضمون، بغير إتباع هؤلاء المستعمرين المستكبرين، اتباع الأعمى والأصم والأبكم، ضامنهم الوحيد، الإعتبارات المادية للغرب، وثقافته المادّية التي غرسوها في عقول المهووسين به، وتوهمهم بأنه القادر على إيصالهم إلى الحكم وتثبيتهم فيه.
وكأني برئيس الحكومة الفاشل يوسف الشاهد، قد عقد العزم على الرجوع إلى كرسيه مجددا، ليس بإرادة الشعب، وعن طريق الديمقراطية الحقيقية، وإنما عملا بمقولة كل الطرق تؤدي إلى روما، وأضمنه بالنسبة لمن ركب موجة الإستقواء بالغرب، السعي بخطوات التّطبيع، للدلالة على أنه العصفور النادر، الذي تبحث عنه أمريكا زعيمة الغرب، لتمرير صفقة التطبيع الكامل بين تونس والكيان الصهيوني، وللتذكير فإن الصحيفة الامريكية نيويورك تايمز، كانت قد ذكرت أن عمان وتونس معدودتان ضمن الدول التي ستطبّع لا حقا (1)، ولا يبدو كلام الصحيفة دقيقا ذلك أن سلطة عمان تعتبر عرّيفة في التطبيع، وزيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني ناتنياو الى مسقط على رأس وفد صهيوني كبير، دليل غير قابل للتأويل (2) الدولة المستهدفة هنا هي تونس في شخص رئيسها قيس سعيد في المقام الأول.
وبما أن دولة الأمارات العربية المتحدة المنافس الأول السعودية، في سباق التطبيع القائم بينهما، أيّهما ستحقق بواسطته العلامة الكاملة للخضوع، كان من باب أولى تنافس شريف بينهما، من أجل النهوض ببلديهما، وصيانة حقوق شعبيهما، ومساعدة أبناء جنسهما ودينهما، ولكن أقولها بكل أسف أن مسارهما كان منحرفا، منذ أن ظهرا نظامين قد ربطا مصيرهما بالوجود العسكري الغربي، مضيا في خدمة مشاريعه الإستعمارية في المنطقة، ومنذ سنوات قد دخلتا في تهيئة الدول العربية، للدخول الى بيت الطاعة الصهيوني خطوة خطوة، من فتح مكاتب اتصال، الى التبادل الثقافي والتجاري، تحت استعارات متعددة للتمويه على الشعوب، وما سيستتبعه ذلك من الإعتراف الكامل بالكيان الصهيوني، وغلق ملف فلسطين، بما يراه الكيان الغاصب، وتعتقده أمريكا الظالمة المعتدية على حقوق الشعوب، والمؤتمر المزمع عقده بتاريخ 25 من هذا الشهر بالعاصمة الإماراتية دبي، تحت عنوان : دور السلطة في عالم ما بعد الجائحة/ دبي 2021
ولا يخفى المغزى الحقيقي من هذا المؤتمر، خصوصا إذا ما عرفنا، أن الجانب الصهيوني سيشارك فيه بوفد يرأسه (سيلفيان شالوم) رئيس الحكومة الصهيونية الأسبق، وتاريخ الإمارات والسعودية في هذا المجال الحقير، أكبر من أن يدلل عليه بمؤتمر، وفضائحه مدوية بالصوت والصورة، ولم يعد من نوادر التاريخ المعاصر، المليء بالفضائع والفضائح، ولا خوف من الله، ولا من الشعوب العربية المغلوبة على أمرها.
في ردود أفعال تلقائية على هذه المشاركة الخبيثة، التي تتعارض ومبدئية الشعب التونسي، في مساندة شقيقه الشعب الفلسطيني، ووقوفه إلى جانبه من أجل استعادة حقوقه المشروعة على أرضه، فضلا على موقف رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي اعتبر أن أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، يعتبر خيانة عظمى، صرح اليوم الإربعاء الأمين العام المساعــد للإتحاد العام التونسي للشغل (سامي الطاهري) أن مشاركة رئيس الحكومة الأسبق (يوسف الشاهد)، في قمة إقتصادية عالمية، بدولة الإمارات العربية المتحدة، تطبيع مهما كان عنوانه وعالميته، والعالم بأسره اليوم أصبح يعرف الدور الإماراتي المفضوح، في جر الدول العربية إلى التطبيع، بمختلف الوسائل المادية الإغرائية.
وقال سامي الطاهري: إن المبادرة التي قامت بها الإمارات وشركائها، وتهدف إلى جر البلدان الأخرى لمستنقع التطبيع، ونحن نعتبر المشاركة في مثل هذه المنتديات نوع من التطبيع. واعتبر الطاهري في تصريح ل(شمس أف أم) أن مشاركة يوسف الشاهد في هذا المؤتمر ستنهيه سياسيا، بإعتبارها خرقا للإجماع التونسي.(3)
جدير بالذكر أن هذه القمة على مستوى رؤساء وفود، سيشارك فيها كبار الساسة والمسؤولين السياسيين، من دول العالم المطبع مع الكيان الصهيوني أو من الذين لا يرون مانعا يحول بينهم وبين المشاركة في ملتقيات أو مؤتمرات، يكون الكيان الصهيوني طرفا فيها، وتحت ذريعة البحث عن مشكلات العالم الإقتصادية والعمل على حلها، ينعقد المؤتمر ليضيف لبنة أخرى إماراتية، إلى جِدارية التطبيع مع الكيان الصهيوني المخزية والمذلّة، وتذويب جليد العلاقات بينه وبين الدول التي توقفت عن التطبيع، خوفا من غضبة شعوبها، المتمسكة بمبدئية معاداة الكيان الصهيوني، باعتباره عنصريا وظالما ومجرما، وإن أي توجه نحوه مهما اعتبره البعض هيّنا سيستغله لصالحه، فيزداد توطينا على أرض قد اغتصبها من أهلها، ومن سخريات الزمن الدعاية المُطلَقةُ على هذا المؤتمر، من أنه سيبحث سبل حلّ المشكلات الاقتصادية والسياسية التي تواجه دول العالم بحثا عما أسمته الورقة التقديمية للمؤتمر بالحلول الديبلوماسية الذكية.(4) ولا سبيل لحل تلك المشكلات من وجهة نظر الغرب بغير التطبيع، وجبهة التصدي للتطبيع وفضح عناصره، مستمرة في أداء واجبها الوطني، وأحرارها يدركون أن لا غفلة تأخذهم عن فضح كل مطبع، إلى أن يأتي يوم المحاسبة، وسيكون على المطبعين يوما ثقيلا.
حلبة التطبيع دخلها من قبل السادات فمات عبدا، ودخله الملك الاردني فأرانا الله فيه آية من آيات عقابه، وأعتقد جازما أن كل من يدخل هذا الباب الوضيع، سيلعنه شعبه، وسيلعنه التاريخ، ولن يكون مصيره أقل ممن سبقوه في مضمار العار وحلبة الشنار، وفي تونس نقول للشاهد إن لم تستحي، فليس بإمكانك أن تفعل ما تشاء، فما قمت به سرا، وما ستقوم به جهرا لا يشرف تونس، وشعبها الذي اختلطت دماؤه بدماء شقيقه الشعب الفلسطيني، ما نريده منك فقط، أن تنزع عنك الجنسية التونسية، فهي لا تناسب الإنتهازيين أمثالك، فيكفيها تشويها، وكن بعدها من تكون، فرنسيا أو أمريكيا أو حتى صهيونيا لا فرق، وان مكرت مكرك، فالمكر السيء لا يحيق إلا بأهله، وقد عاش من عرف قدره.
المراجع
1 – نيويورك تايمز: تونس وسلطنة عمان مرشحتان محتملتان للتطبيع مع اسرائيل
https://www.ifm.tn/ar/article/31120
2 – نتنياهو يزور سلطنة عمان لأول مرة ويلتقي السلطان قابوس
https://www.emaratalyoum.com/politics/news/2018-10-26-1.1147948
3 – يوسف الشاهد يشارك في قمّة عالميّة بحضور وفد اسرائيلي: سامي الطاهري يعلّق
https://www.mosaiquefm.net/ar/
4- يوسف الشاهد يشارك في ندوة اقتصادية بحضور الإسرائيلي سيلفان شالوم
https://ar.webmanagercenter.com/2021/03/17/312120/