بات يوم الأرض أحد أهمّ أشكال إعادة تلاحم الشّعب الفلسطينيّ في كلّ أماكن وجوده، الذي يؤكّد من خلاله تمسّكه بأرضه، وتضحيته في سبيلها، وثباته من أجلها، واعتزازه بهويّتها، وعدم تفريطه بها، أيًّا كانت التّحديات والصّعاب، وبالتّالي فإنّ يوم الأرض هو ليس ذكرى فحسب، وليس مناسبة لنستذكر الشهداء ونترحّم عليهم، بل هو يوم كفاح ونضال، يؤكّد تمسّك الفلسطينيّين في الدّاخل والشّتات بأرضهم.
لكنّ هذا العام ليس كسابقه من الأعوام، وإن كان الفلسطينيون يحيونه سنويًّا بقوّةٍ ومشاركةٍ واسعةٍ، ففي ظلّ تزايد الاستيطان والخوف من خطوات الضّمّ الإسرائيليّة لأجزاء كبيرة من الضّفة الغربيّة، واستمرار الاحتلال للقدس، جاء تفشّي فيروس كورونا، وانتشاره عالميًّا، ليحدّ من فعاليّات إحياء هذا اليوم، بعد أن وصل إلى فلسطين المحتلّة، وأصاب 84 فلسطينيًّا، وقد يكون هذا العدد قابلاً للزّيادة، الأمر الذي سيشكّل خطرًا على الفلسطينيّ الثّابت على أرضه والمتمسّك بها، كما كان الاحتلال وما زال خطرًا على الأرض نفسها وهويّتها.
كما فرض انتشار الفيروس الحجر ومنع التّجوال في الدّول كافة، الّتي اتّخذت إجراءاتٍ قاسية واحتياطاتٍ شديدة لتفادي معدّلات الإصابة به، ولعلّ الفلسطينيّين من أكثر الشعوب التي التزمت الحيطة والحذر، وأخذت بسبل الوقاية، لذلك سيحرم الفلسطينيّون من إحياء هذا اليوم من خلال المسيرات والفعاليّات، التي يثبتون من خلالها تمسكّهم بأرضهم، ويؤكّدون هويّتهم الوطنيّة، وسيكتفون هذا العام بإحيائها رقميًّا عبر المنصّات الإعلاميّة والإلكترونيّة، أو من على سطوح المنازل وعبر النّوافذ والشّرفات.
يرجع أصل المناسبة إلى العام 1976، حين صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيليّ نحو 21 ألف دونم (21 مليون متر مربع) من الأراضي الفلسطينيّة ذات الملكيّة الخاصّة أو المشاع، التي كانت تتميّز بأغلبيّة وكثافة سكّانيّة فلسطينيّة عالية، لإسكان المستوطنين اليهود مكانهم في المنطقة نفسها، ضمن مشروع أطلقت عليه مشروع “تطوير الجليل”.
حينذاك ثار الشّعب الفلسطينيّ في الأرض المحتلّة العام 1948 وفي عموم فلسطين كلّها، ونزل إلى الشّوارع وأعلن الإضراب العام، وأيضًا خرجت مسيرات من الجليل شمالاً إلى النّقب جنوبًا، واندلعت مواجهات استشهد خلالها ستّة فلسطينيّين برصاص الاحتلال، أسفرت عن يوم الأرض الذي حدّد لاحقًا، وعرف بهذا الاسم واشتهر به، ليشكّل في ضمير الشّعب الفلسطينيّ حدثاً محوريًّا في الصّراع على الأرض، وما زال هذا اليوم يتمتّع برمزيّة كبيرة في ضمير الشّعب الفلسطينيّ وكلّه، ولولاه لتمادى العدوّ أكثر في الاستيلاء على المزيد من الأراضي وقضمها، ولكنّ إرادة الشّعب الفلسطينيّ وضعت له حدًّا، وتصدّت له بقوّةٍ وعزمٍ واقتدارٍ.
يوم الأرض يوم مميّز في حياة الشّعب الفلسطينيّ، فهو يؤسّس لمرحلة نضالٍ حيّة في تاريخ الكفاح الوطنيّ لأهلنا الفلسطينيّين في الأراضي المحتلّة العام 48، وفي كلّ ما يتعلّق ببقائهم وصمودهم على أرضهم، وحفاظهم على هويّتهم، وإصرارهم على حقّهم، شأنهم شأن كلّ الفلسطينيّين في الشّتات واللّجوء وفي كلّ أماكن وجودهم، حيث يصرّون جميعًا مَهما تقادم الزّمن وتغيّرت الظّروف وتبدّلت الأوضاع، على التّمسّك الوطنيّ المقدّس بحقّ العودة.
Bahaniwafaa@gmail.com