بقلم: محمد الرصافي المقداد |
” يجب على المسلمين، دولاً وشعوباً، أن يضعوا أيديهم في أيدي بعضهم البعض، فإنّ الذين يهاجمون الإسلام كالصّهيونية، التي هي أشدّ عداوة للإسلام، بصدد الاستيلاء على بلاد المسلمين الواحدة تلو الأخرى ” (1)
من ضمن مقاصد القرآن الكريم، آيات أكّدت على وجوب الوحدة بين المسلمين، ودعت في مضمونها، الى التماس آلياتها، والعمل من أجل تحقيقها، والحفاظ عليها، فقال: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا.”(2) ورغّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعمل من أجل تحقيقها، بما كان يقدّمه لأتباعه من نصائح وتطبيقات، كان لها أثر عميق، في تأسيس مجتمع موحّد في الفكرة والتّوجّه، مثل إجرائه المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار حال وصوله في أوّل هجرته الى المدينة، وتعبيره على هذا الرباط المقدّس، هو امتثال لأمر الله في اعتبار العلاقة بين المسلم أيّا كان عرقه ولونه ومكانته وجنسه إخوة، فقال: ” إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم لعلكم ترحمون” (3) وجاء توصيفه تلك العلاقة بالدّقّة التي تعطيها القيمة المعنوية العالية: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.” (4)
لكننا مع هذه الآيات القرآنية والنّصائح النبويّة الملزمة، نجد أمّتنا الإسلامية بعيدة كل البعد عنها، وعن أحكام أخرى ملزمة بالتطبيق، رغم ظهور المصلحين فيها، ومحاولاتهم الإصلاحية الجادّة، على مدى القرون الخوالي، وخصوصا هذا القرن الخامس عشر هجري، الذي تزامن مُفتتحه، مع انتصار ثورة اسلامية عظيمة، فاجأت الشرق والغرب، قادها عالم جليل فذّ، حقق بها خلاص شعبه، من تبعيّة القوى الغربية المعادية للإسلام.
الإمام الخميني عالم وفقيه ربّاني، وقف في وجه المؤامرات التي حاكتها القوى المعادية للإسلام، من أجل الهيمنة على شعبه وبقية الشعوب الاسلامية، كاشفا زيف ما يدّعيه أدعياء السياسة من حكامنا، في قربهم وتوددهم من قوى الاستكبار العالمي، واستجابتهم للشروط المجحفة، في معاملاتنا السياسية والاقتصادية والمالية معهم، والتي وصلت الى حدّ التنكّر لقيم الاسلام، والخروج عليها بأحكام بديلة، بدعوى المدنيّة وضرورة اعتمادها بديلا عنها.
التفات هذا المصلح الكبير، إلى ضرورة العمل من أجل تحقيق وحدة إسلامية، بإمكانها أن تحصّن الأمّة الإسلامية، من حملات التغريب التي تتعرض لها بقوّة، وتروّج لها شريحة من أبنائها، اصطبغت بأفكار الغرب بشدّة، بحيث أصبحت أدواته المتغلغلة بين أوساطنا، وجاءت معارضته لانتصاب الكيان الصهيوني، محتلا لأرض فلسطين – قلب الأمة الإسلامية – واعتراف نظام الشاه بهلوي به كدولة، وإقامة علاقات دبلوماسية مبكّرة جدّا معه سنة 1948، وتحذير الشعوب الاسلامية من خطر وجوده، ليس على فلسطين فقط، وإنما على المنطقة كلها.
تحذير أثبت لنا اليوم، أن هذا الرجل العارف المصلح، كان يرى الكيان الصهيوني ببصيرته غدّة سرطانية، غرست في قلب الأمة الاسلامية، لغرض منعها من الوحدة من جهة، ولتكون بذرة فتن متقدّمة في كياننا الإسلامي، فهي عقبة خبيثة وضعتها بريطانيا، ومن ورائها اللوبي الصهيوني المعادي للإسلام والمسلمين، لعرقلة أي مشروع من شأنه أن ينهض بالأمة، وقد اكتشف بصمات مؤامرات هذا الكيان، على الشعب الايراني في دعم نظام الشاه، لقمع حركته الثورية التي بدأت سنة 1963.
ويمكننا قراءة إعلانه التاريخي، لآخر يوم جمعة من شهر رمضان، يوما عالميا للقدس، كمشروع وحدة وجهة إسلامية، يهدف إلى قلع هذه البذرة السيئة من أرض فلسطين، كمقدّمة حقيقية وعمليّة للبدء في بناء وحدة إسلامية، تعتمد التحرّر تماما، من تأثير وهيمنة القوى الغربية المتصهينة على دولنا وشعوبنا الاسلامية، وإن كان الأمر يبدو صعبا، بما وضعته القوى المعادية من عقبات، في طريق تحقيق ذلك الأمل في إطاره الشّعبي العام، إلا أنه بدا ممكنا في إطاره الخاص، بتشكّل قوى مقاومة مشروع تدجين الأمّة، وإخضاعها للإرادة الغربية الصهيونية، بثقافة التغريب الماسخة لهويّتنا، وأعمال التطبيع الهادفة لمحق حقوق الشعب الفلسطيني.
لقد أحيا الأمام الخميني في الطلائع الإسلامية، روح مقاومة تلك المشاريع الخطيرة، وبذل مزيد من الجهود من أجل كشف مخططاتها، وفضح أهدافها المعادية للدين، والماسخة للهويّة الإسلامية، وقد تطوّر مشروعه المبارك على مدى 41 عاما، ليصبح قوة اقليمية معتبرة في المنطقة الاسلامية، بتخصصاتها المتعددة العسكرية والثقافية والإقتصادية، تستقطب كل يوم جماهير الأمة الاسلامية، إلى الالتحاق بمشروع تحرير القدس، حيث لا يستهان بجهد مبذول، كل بحسب اختصاصه ورغبته.
مشروع خلاص فلسطين وبقية البلاد الاسلامية أرضا وشعوبا، بدأ من الإعلان الحكيم ليوم القدس العالمي، مشروعا تلتفّ حوله قوى الإصلاح الدّاعية للرجوع إلى الهويّة الإسلامية، كمرجعية يستمد منها حل جميع المشاكل العالقة وتزيح العقبات أمام امساك الشعوب بحقوقها، وقطع الأيدي العميلة للغرب، المحرَفة لمسارها الصحيح نحو أهدافها، في التحرر الحقيقي من تبعات هيمنته.
فرحمته تعالى على هذا العالم الجليل، الذي أعاد لنا نبض الاسلام المحمدي اسلام، في مقاومة الظلم والاستكبار والصهيونية، ثلاثي الفساد في الأرض، الى الأمام يا طلائع أمّتنا، فمشروع القدس تحرّري في ظاهره ولكنه يختزل في جوهره بعدا آخر أكثر عزّا وقوّة، مفتاح الوحدة الإسلامية التي سوف تبنى عند المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي.
المراجع
1 – كلمة الإمام الخميني بتاريخ 14/1/1982م
2 – سورة آل عمران الآية 103
3 – سورة الحجرات الآية 10
4 – صحيح مسلم كتاب البر والصلة باب تراحم المؤمنين ج8ص 20ح2586/مسند أحمد بن حنبل اول مسند الكوفيين حديث النعمان بن بشير ج30ص 323ح18373وح18374 وص330ح18380