الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

يوم القدس العالمي هو يوم الإسلام…بقلم محمد الرصافي المقداد

  ” يوم القدس هو يوم الإسلام، يوم يجب فيه احياء الإسلام، وتطبيق قوانينه في الدول الإسلامية، يوم القدس، يجب ان تُحَذّر فيه كل القوى المعادية، من أنّ الإسلام لن يقع بعد الآن تحت سيطرتهم وبواسطة عملائهم الخبثاء.” (1)

لقد أراد الامام الخميني من إعلانه ليوم القدس العالمي، في مفتتح قيام النظام الإسلامي في إيران، توعية المسلمين، وتنبيههم إلى فقدانهم لأداة مهمّة في حياتهم، يجب عليهم استعادتها، لتشكّل عاملا أساسيا في مواجهة أعدائهم، من مستكبرين وصهاينة وعملاء، وتحقيق النصر عليهم، فقد أثبت الصراع بين العرب والكيان الصهيوني فيما مضى، فقدان هذه الأداة الفعالة، في إحداث التّفوق الذي لا يتحقّق إلا بها.

ومن سوء قراءتنا نحن العرب والمسلمين، لأسباب وحقيقة وجود هذا الكيان على أرضنا الفلسطينية، ابتعدت آمالنا عن بلوغ حلّ للخلاص منه، وفوق ذلك فقد ووجد بيننا، من بلغت به جرأته، ودفعت بهم شقوتهم إلى نشر ثقافة التّغريب في أوساط مجتمعاتنا، مما تسبب في ابتعاد أغلب أفرادها، عن مفاهيم الإسلام وحقوقه عليهم، فحصلت من جرّاء ذلك شبه قطيعة معه، وعاش بينهم المستمسكون به غرباء في ديارهم، كالقابضين على الجمر، بين بعيد عن الدين وجاهل به، ومعاد له ولأهله.

وبسبب تبعية أنظمتنا الحاكمة للقوى الغربية وعمالتها لها، انخرطت بتشجيع وتحفيز منها، في عمليات تطبيع بدأتّ سرّية، ثم تدرّجت إلى العلن، بمرور الوقت وتطوّر العلاقات، ووصل الأمر إلى والتّجاهر بها، بالتنصّل من مسؤوليتهم تجاه القضية الفلسطينية، استدراجا للجهلة والغافلين وعبّاد الهوى، وتشجيعهم  للنسج على منوالهم، مع أنهم يعتبرون أنفسهم مسلمين، والحال أنّ الإسلام يعتبر هذه التوجّهات مخالفة لأحكامه، بما في مضمونها من رضا بالظلم، وقبول بالذّل، وتسليم بضياع الحقوق.

وعدم الإهتمام بشؤون المسلمين، وأخذ مشاغلهم مشاكلهم بعين الاعتبار، وإن تباعدت بينهم الشقّة، تصرّف نبذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم)(2) وإن حاول من حاول تضعيف هذا الحديث، تنصلا من ثقل تَبِعتِه، فإن ذلك لا يمكنه أن يلغي واجب الإهتمام بأمور المسلمين، وجعله أولوية في حياة الأمّة الإسلامية.

ولم يكن الإسلام في أساسه، سوى مدافعا عن المستضعفين، ومحاربا لكافة أشكال الظلم والقهر والاستكبار، وحاثا على نصرة المستضعفين، بقطع النظر عن هويّاتهم وانتماءاتهم، “أُذِنَ للذين يُقَاتَلُونَ بأنهم ظُلِمُوا وأنّ الله على نصرهم لقدير* الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربّنا الله.. ولينصُرَنّ الله من ينصُرُه إنّ الله لقويّ عزيز (3)

من هذا المنطلق الإسلامي، جاء اهتمام الامام الخميني بفلسطين وقضيّة شعبها، بالإعتبار الديني والعقائدي، منذ أن كان طالب علوم دينية، فكان مناصرا قويّا لها، ومعارضا لسياسات النظام البهلوي، بشأن الإعتراف بالكيان الغاصب، مندّدا في كل خطبه وإرشاداته إلى الشعب الإيراني، بضرورة إدانة تلك السياسات ومعارضتها، ومن بين ما كان توجّه به إلى أوساط شعبه، قبل اعتقاله من طرف أجهزة مخابرات الشاه  في سنة 1963 قوله: 

” لقد اخبروني اليوم، أنه تم استدعاء عدد من الخطباء إلى مديرية الأمن (السافاك) (4)، وطلبوا منهم أن لا يتدخلوا في ثلاثة أمور، وليقولوا بعدها ما يشاؤون، الأول: لا شأن لهم بالشاه، والثاني: لا شأن لهم بإسرائيل، والثالث: هو أن لا يقولوا إن الدّين في خطر، حسناً، لو تركنا هذه الأمور الثلاثة، ماذا يبقى لدينا لنقوله؟ إن كل مصائبنا نابعة من هذه الأمور الثلاثة.”(5)

يرى الإمام الخميني أن الصراع مع الكيان الصهيوني، هو صراع دينيّ وعقائدي ومصيري فقط، لا يجب أن يخالطه شيء آخر، يخرجه عن إطاره الواقعي، قائم بين جبهتين، تسعى كل واحدة إلى فرض كلمتها وتحقيق إرادتها، بين القوى الإستكبارية الغربية، بأنظمتها الرأسمالية الديمقراطية، التي تعمل جاهدة على إبقاء هيمنتها، على ثروات ومقدّرات الدول العربية والإسلامية، وغرس الكيان الصهيوني في قلبها، كان من أجل تكريس تلك الهيمنة والحفاظ عليها، والحيلولة دون نجاح أي مشروع يكون في صالح شعوب المنطقة، وبين جبهة مقاومتها، المؤلفة من إيران والقوى الحليفة معها، في معالجة القضية الفلسطينية، بأسلوب المقاومة بكافة أشكالها، كطريق وحيد لاستعادة الحقوق المغصوبة.

تأكيد الإمام الخميني على خيار المقاومة، كحل وحيد لإنهاء الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، جاء من خلال مواقفه ودعواته المتكررة، إلى قادة وزعماء الدّول الإسلامية إلى اعتماد هذا الخيار، دون غيره، فقد عبّر عن ذلك بقوله:

”  لو كفّ قادة الدول الإسلامية عن إثارة الخلافات الداخلية، وتعرّفوا على الأهداف العليا للإسلام، وآمنوا بأحكامه، لما أصبحوا أسرى وأذلاء للاستعمار بهذه الصورة، إنَّ اختلافات قادة الدول الإسلامية، هي التي كانت وراء بروز المشكلة الفلسطينية، وهي التي تحول دول حلها، فلو امتلك المسلمون – مع ما هي عليه بلدانهم الغنية الواسعة – الوعي السياسي، وكانوا متّحدين مع بعضهم، ومنظّمين في صفّ واحد، لما تمكنت الدول الإستعمارية الكبرى من اختراق بلادهم، ناهيك عن حفنة من اليهود، هم من عملاء الاستعمار.” (6)

مفتاح تحرير فلسطين والقدس، يكمن في الالتزام الحقيقي والصحيح بالإسلام المحمّدي، فكلما رجع المسلمون الى دينهم، وأعطوه اعتباره القِيَمِيّ، الذي جاء من أجله، وأحلّوه محل القيادة في مجتمعاتهم، كلما اقتربوا من الحلّ، ويبدو أن المقدّسات الإسلامية لا تتحرر إلا على أيدي عرفاء هذه الأمة وصفوة أهلها، لا ينقصنا العدد ولا العدّة، فتلك ارقام وامكانات لها قيمتها المادّية، وتعتبر عوامل مهمّة في القدرة على مواجهة العدو، لكن الذي ينقصنا بحق، هو الالتزام بالدين والصدق فيه، فإذا تحقق ذلك، تصبح أيام الكيان الصهيوني معدودة على أرض فلسطين، فهل سيعي المغيّبون عن الاسلام أحكاما وآدابا، والمبعدون بسببه عن محور المقاومة، أن ابتعادهم يخدم أعداء الأمّة، ولا يفيدهم في شيء؟ بل ستلقى عليهم جرّاء ذلك تبعات ومخالفات أمام الله سبحانه، وقد آن الأوان اليوم لتصحيح المسار، إلى موقف إسلامي موحّد، ينهي مرحلة الإستغلال والإذلال، التي وقعت فيها شعوبها، بسبب سياسات الغرب الخاطئة، لقد آن الأوان للإلتحاق بمحور عتيد، اثبت أنه يتطور وينمو باستمرار، ويقترب شيئا فشيئا من تحقيق أهدافه المرسومة، وأصبح مصدر إزعاج شديد للكيان الصهيوني وأوليائه وعملائه، هذا التحاق يمليه الواجب الإسلامي في نصرة الحقّ، فإنه ليس بعد الحقّ إلا الضلال.

ايران الاسلام دفعت ولا تزال تدفع الي اليوم ضريبة مواقفها الثابتة والمحقة بخصوص القضية الفلسطينية، متحمّلة بكامل مسؤوليتها تبعات خيارها الإسلامي، ومقبلة على مشروعها ومتقدّمة نحو هدفها، لا يهمّها نصب المعادين ولا خذلان المتخاذلين، بيقين وعزم نادرين الى صبح اشراقة القدس، أليس صبح القدس بقريب؟   

     

المراجع

1 – من خطاب الإمام الخميني عند إعلانه ليوم القدس العالمي الشهر الثامن سنة 1979

2 – تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة الشيخ الطاهر بن عاشور ص108 

3 – سورة الحجّ الآية 39و40 

4 – منظمة المخابرات والأمن الوطني المعروفة باسم “السافاك” تم تأسيسها رسميا بأمر من الشاه محمد رضا عام 1957م، وكانت مهمتها تتلخص بالقضاء على معارضي الشاه ومواجهة التحرك الإسلامي، السافاك كان يتعاون مع الاستخبارات الأمريكية (CIA) والموساد الإسرائيلي، وكانت أساليب التعذيب التي تمارس بحق السياسيين، الى درجة دفعت الأمين العام لمنظمة العفو الدولية للقول عام 1957 “ليس في العالم ملف أسوأ من ملف إيران الشّاه في مجال حقوق الإنسان”.

5 – من حديث للإمام بتاريخ 3/6/1963 صحيفة النور ج 1 ص 56

6 – من بيان الإمام بتاريخ 9/2/1970 صحيفة النور ج 1 ص 157

 

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024