الزوبعة التي أثيرت في الولايات المتحدة حول طلب البيت الأبيض برفع سقف الدين الحكومي إن دلت على شيء فإنما تدل وبشكل لا لبس فيه ان الد أعداء الولايات المتحدة ليس الصين او روسيا كما يدعي جهابذة الحزب الجمهوري او الحزب الديمقراطي ( وهما وجهان لعملة واحدة) بل السلام والاستقرار على الساحة الدولية. وكل ما تدعيه مراكز الأبحاث الاستراتيجية الغربية القريبة من صنع القرار ووسائل إعلامها من التهويل وتأليب الرأي العالمي الغربي لنصرة السياسة العدوانية التي ينتهجها الغرب وعلى راسها الولايات المتحدة إنما يصب في الدرجة الأولى في مصلحة المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وكل الصناعات المرتبطة بالتصنيع العسكري وشريحة النخبة التي تتجاوز ثروتها تريليونات الدولارات التي تتحكم بالاقتصاد وبمفاصل القرارات السياسية.
نظرة بسيطة الى الأرقام الخيالية للدين الحكومي الأمريكي تشير الى هذا الاستنتاج من ان الد اعداء الولايات المتحدة هو ان يسود السلام في العالم وأن يتخذ منحى احترام الدول وسيادتها كمبدأ لحل النزاعات بين الدول وعدم اللجوء الى التدخل في شؤون البلاد ومحاولة تغيير أنظمتها.
في عام 2000 ، كان الدين الحكومي الأمريكي 3.5 تريليون دولار ، أي ما يعادل 35 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي بالأرقام الرسمية. وبحلول عام 2022 ، كان الدين 24 تريليون دولار ، أي ما يعادل 95 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي. والجزء الأكبر من تراكم هذه الديون يعود الى الحروب الخارجية التي شنتها الولايات المتحدة بعد عام 2000 في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا والان أوكرانيا. وجميع هذه الحروب الكارثية كانت تقاد من قبل مجمع الصناعات العسكرية الامريكية ولمصلحته بالدرجة الأولى لان الحروب ببساطة تعني بيع الأسلحة التي تحقق أرباح بمليارات الدولارات. وللإبقاء على حالة الحروب الخارجية المستمرة وبيع الأسلحة لا بد إقناع الناخب الأمريكي والراي العام وتحشيده لتأييد هذه الحروب وهذه هي وظيفة وسائل الاعلام التي هي في مجملها البوق الإعلامي لدعاة الحروب. ولقد قامت وسائل الاعلام هذه بشيطنة كل من يخالف السياسة الامريكية وبغض النظر عن الأسباب من طالبان أفغانستان الى الرئيس صدام حسين الى العقيد معمر القذافي الى الرئيس الدكتور بشار الأسد الى الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا، ومؤخرا الرئيس الصيني شي جين بينغ. والضخ الإعلامي يتوج بالقول ان الحروب التي تقودها أمريكا ضرورية “لبقاء” أمريكا وكأن كل هؤلاء يشكلون خطرا وجوديا على الولايات الامريكية.
يبلغ الإنفاق العسكري السنوي لأمريكا الآن حوالي 900 مليار دولار، أي ما يقرب من 40 ٪ من الإجمالي العالمي، وهذا المبلغ أكبر مما تنفقه الدول الـ 10 التالية مجتمعة. وهنالك ما يقرب من 800 قاعدة عسكرية أمريكية منتشرة في ارجاء هذا الكون. والجيش الأمريكي والاساطيل الأمريكي تذهب الى مناطق تبعد عشرات الالاف من الاميال تحت ذريعة الحفاظ على الامن القومي الأمريكي.
وبالرغم من الحجم الهائل لمديونية الخزينة الامريكية فقد صوت نواب كلا الحزبين على إبقاء الدعم الأمريكي للحرب في أوكرانيا لا بل وزيادة الدعم العسكري للجيش الاوكراني. هذه الحرب هي حرب أمريكية بامتياز وقد تمكنت أمريكا زج كل دول حلف الناتو في هذه الحرب ووقفت ضد كل المبادرات التي قدمت من قبل الصين واندونيسيا وحتى من بعض حلفاؤها لإيقاف الحرب. فالسلام هو العدو الأكبر للولايات المتحدة ومجمع الصناعات العسكرية الذي ومن خلال ارتباطه الوثيق بمراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية يغذي نزعة الحروب والعدوانية من خلال تقارير وأبحاث تقدم الى صانعي القرار في الكونغرس والبنتاغون ويثير مخاوف كاذبة في الشارع الأمريكي وتضليله لضمان تأييده للحروب الهمجية التي تخوضها الولايات المتحدة مباشرة أو من خلال أدواتها في العديد من المناطق في العالم كما هو الحال في أوكرانيا حاليا.
هذا الإدمان الأمريكي على الحروب وزعزعة الاستقرار أصبح يهدد ويمهد الى حرب نووية لا يحمد عقباها.
كاتب واكاديمي فلسطيني