بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالنزول عن شجرة التصعيد ضد إيران، فإعلان مسؤول أمريكي أن قادة أمريكا في انتظار اتصال هاتفي من سلطات إيران لتخفيف التوتر الحالي، يوحي بأن الإدارة الأمريكية اقتنعت أخيراً بأن دبلوماسية حاملة الطائرات لم تجدِ نفعاً مع طهران وبأن الأخيرة لا يمكن أن تتفاوض على عناصر قوتها الثلاثة والتي تريد واشنطن من طهران تقديم تنازلات فيها وهي ملفها النووي ومنظومة صواريخها وأخيراً دعمها لحركات المقاومة في المنطقة.
القناعة الأمريكية بعدم جدوى إشعال الخليج لم تأتِ من تحكيم العقل -هي أبعد ما تكون عنه- بل من وقائع منها أن رسائل الاستعداد الإيرانية لأي حرب وعدم تنازلها عن أي مكسب لها في الاتفاق النووي سكب الماء البارد على الرؤوس الساخنة في الإدارة الأمريكية، غير المستعدة لتكاليف الحرب أقلها الاقتصادية عدا عن الخسائر البشرية -فأمريكا لا تحتمل عودة صور التوابيت المحملة بالجنود القتلى من ساحات القتال- وأهم الخسائر التي تتفاداها أمريكا من أي حرب هي نتائجها السياسية والتي قد تكسر شوكتها وتضعضع وضعها الجيو- سياسي في العالم.
الرئيس الأمريكي ليس من أنصار خوض الحروب العسكرية التي لا جدوى اقتصادية منها، وبخاصة أنه يحصل على ما يريده فقط من توتير الأجواء في العالم والتي يتقنها عبر «تويتر» وهو يجيد ممارسة المضاربة بالبورصة، ويعلم أن اقتصاد بلاده التي هي أكبر المستهلكين للنفط سيتأثر سلباً من ارتفاع أسعاره في حال الحرب، وسيكون من أكبر الخاسرين مع أتباعه في أوروبا، بينما سيكون من اكبر المستفيدين من ارتفاع النفط عدو أمريكا اللدود في العقيدة الأمريكية أي روسيا، لكن وفي الجهة المقابلة يكون الخاسر من عدم قيام الحرب هو الكيان الإسرائيلي وحليفه الرأس الساخن في الإدارة الأمريكية مستشار الأمن القومي جون بولتون، والذي يبدو أن ترامب لن يستطيع تحمله أكثر لجر إدارته إلى حروب سيكون ترامب أول الخاسرين فيها على أبواب الانتخابات الرئاسية القادمة.
حرب لا تريدها أمريكا ولا إيران ولا تتوفر عناصر إشعالها، إلا إذا تدخل طرف ثالث كما كل الحروب العالمية الماضية يطفئ نور العقل، لكنه لا يخفى على طرفي التوتر أن من يدفع باتجاه الحرب هما بولتون و«إسرائيل» فقط.