فيما يصادف مرور الذكرى 97 لجريمة مجزرة الحجاج اليمنيين بوادي تنومة، مخفيّة عن أعين أغلب المسلمين، استمرارا للتّعتيم عن جرائم تكفيرية، يجب أن تدان بكل المقاييس، على أنها جريمة نكراء بحق الانسانية، فضلا عن الدين الاسلامي.
أتساءل في هذا الزّمن، ومن حق كل إنسان، عرف من الاسلام قليله أو كثيره، أن يتساءل: ما هو الاسلام؟ وما هي حقوق المسلم على أخيه المسلم؟ أليس الاسلام في مفهومه العام التسليم لله في كل شيء كما قال الامام علي(1) ؟ فلماذا إذا كل هذا التسلّط على المسلمين وبقية الناس وانزال أحكامهم عليهم تفسيقا وتكفيرا ؟ مع أن الله كان دعا الى اعتماد مرجعيته النهائية في الحكم، دون الاتكال على مرجعيات الخلق في عقائدهم (ثم الي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) (2)
هل يمكن اعتبار من تفننوا في قتل المسلمين إنسا، فضلا عن كونهم أدعياء إسلام، والنصوص في حرمة سفك الدم بغير حق واضحة لا تحتاج الى بيان؟
أعتقد أن كل إنسان عاقل لا يمكنه بأي حال من الأحوال، وتحت أي ظرف من الظروف، ان يعتبر هؤلاء القتلة، مصنفين تحت هاتين النسبتين معا، بل جدير بأن ينسبوا الى عالم الشيطنة والإفساد في الأرض، فلا مكان حقيقة لمن خالف قيم وتعاليم الاسلام، بين منتسبيه، وعلى وجه أخصّ، من تلطخت أيديهم بدماء المسلمين الغافلين.
إنّ مجرّد إطلالة سريعة على تاريخنا الاسلامي منذ بدايته الى اليوم، تعطينا صورة قاتمة ومفزعة عن الاحداث التي جدّت فيه، وتسببت في مقتل الآلاف المؤلفة من المسلمين، دون وجه يستحل به القتلة دماء اخوانهم، فأغلب ما حصل في تلك الوقائع، كان بغيا وظلما وتعسّفا على حقوق الضحايا، وحقيق بدارس تلك الاحداث الدامية أن لا يمر عليها مرور المكرام، فيعطيها ما تستحق من كشف لملابساتها، حتى لا تذهب أدارج التجاهل والنسيان، فينفذ مقترفوها بجرائمهم، بألقاب لا يستحقونها أساسا.
تاريخ الارهاب التكفيري قديم قدم الاسلام، افتتحه أهله بالعدوان على قبيلة بني يربوع من تميم، وقتل زعيمها مالك بن نويرة، صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقطع راسه وجعله اثفية قِدْرٍ، ودخول خالد بزوجته من ليلته تلك،(3)ثم انفتح بابه على مصراعيه فلم يغلق الى اليوم.
وأعتقد أن من له همّة البحث والتنقيب في أمهات كتب تراثنا أن يستخرج منها أحداثا مؤسفة ومحزنة، وقع ضحيتها اخوة لنا في الاسلام، اقترفت بواسطة أدعياء قالوا بأنهم أحقّ بالإسلام من غيرهم وأوفى به عقيدة وعملا، وما دونهم بكل مذاهبهم مشركون يتوجّب قتلهم.
إنّ من عرف الوهابية، واطّلع على أفكار مبتدعها ابن عبد الوهاب النجدي، يدرك جيّدا أنني أتحدث عنهم، على أساس أنهم منذ أن وجدوا على أرض نجد، وسط شبه الجزيرة العربية، ما يزيد عن القرنين، لم يأتوا بخير أبدا، بعدما قدمت لهم بريطانيا كل الدعم المالي والعسكري.
وما نحن بصدد تذكّره اليوم، تلك المجزرة المروعة التي ارتكبتها عساكر الملك عبد العزيز آل سعود بحق الحجاج اليمنيين والتي ذهب ضحيّتها ما يناهز ثلاثة آلاف حاج يمني قتلوا بدم بارد في وادي تنومة Tanomah، ولم ينجُ منهم سوى القليل.
يعتبر اليمن من اقرب الدول الى مكة المكرمة وشعائر حجها، ومسير الحجاج اليمنيين اليها لا يكلفهم عناء ما كان يكلف غيرهم، لبعد الشقّة وطول المسافة، خصوصا وعندما كان اليمن الكبير بمساحته الأصليّة، مشتملا على ثلاثة محافظات هي: نجران وعسيران وجيزان كان قد استولى عليها النظام السعودي سنة 1934 بتواطؤ بريطاني.
وتنومه بلدة في عسير، وكان الحجاج اليماني زهاء ثلاثة آلاف عزّل من السلاح، كلهم مهللون بالإحرام للحج، فصدف أن ألتقت سرية جنود من جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد «ابن أخ الملك عبدالعزيز»، بالحجاج اليمنيين وهم في طريقهم إلى مكة، فسايرهم الجنود بعد أن أعطوهم الأمان، ولما وصل الفريقان إلى وادي تنومه، وجنود السرية في الجهة العليا بينما اليمنيون في الجهة الدنيا، انقض الجنود على الحجاج بأسلحتهم فأبادوهم فلم ينج منهم إلا عدد قليل .
تقول المصادر التاريخية ان الحجاج اليمنيين، بينما كانوا يجتازون وادي تنومة، كانت قد ترصّدتهم مجموعات تكفيرية من جيش عبدالعزيز آل سعود، في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، بقيادة الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي، فانقضُّوا عليهم بوحشية منقطعة النظير، وهم عزل من السلاح، فتقرّبوا إلى الله بزعمهم بقتل هؤلاء الحجاج اليمنيين جميعا رجالا ونساء، لأنهم بحسب عقيدتهم، كفار مباحو الدماء والأعراض، بلغ بأولئك أن هنَّأ بعضُهم البعضَ الآخر بكثرة من قُتِل من الحجاج، فمن قتل حاجًّا واحدا بشّروه بقصرٍ في الجنة، ومن قتل اثنين بشَّروه بقصرين، وهكذا، وبعد ذلك سطوا على دوابهم وقافلتهم التي كانت تحمل الحبوب والدقيق والسمن واحتياجاتهم التموينية التي كانت أيضا سببا في سيلان لعاب هؤلاء الوهابيين التكفيريين.(4)
لم يبعث الله سبحانه نبيه الا رحمة للعالمين، فمن اين جاء هؤلاء التكفيريين بكل هذا الحقد والاجرام بحق الاسلام وانسانيته المتسامحة؟ لا اعتقد أن لهم من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وآله مستمسكا أو معذرة تبيح لهم اقتراف ما اقترفوه بحق الأبرياء الآمينين،
وتاريخهم منذ أن تأسس كيانهم المتوحش غير مشرف،رضوا بأن يكونوا بيادق تحركهم قوى الغرب، بعدما تفننوا في دعم ومساعدة عناصره، ليس حبا في التكفير وأهله،فقد عرفوه من أقذر الأدوات اطلاقا، وانما تنفيذا لمخططاتهم الخبيثة، ودأب بريطانيا ومعها أمريكا استنزاف قدرات الامة الاسلامية، بمختلف الطرق والاساليب، التي من شأنها أن تضعفها، وتضعها تحت إرادة أدواتها ووكلاءها في المنطقة الاسلامية.
المصادر
1 – لأنْسُبَنَّ اَلْإِسْلاَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي: اَلْإِسْلاَمُ هُوَ اَلتَّسْلِيمُ وَالتَّسْلِيمُ هُوَ اَلْيَقِينُ وَاَلْيَقِينُ هُوَ اَلتَّصْدِيقُ وَاَلتَّصْدِيقُ هُوَ اَلْإِقْرَارُ وَاَلْإِقْرَارُ هُوَ اَلْأَدَاءُ وَ َلْأَدَاءُ هُوَ اَلْعَمَلُ. شرح نهج البلاغة الإمام علي بن أبي طالب شرح الشيخ محمد عبده المصري ج4 ص459 رقم:440
2 – سورة ال عمران الآية 65
3 – تاريخ الطبري محمد بن جرير الطبري ج2ص504 وقعة البطاح
4 – مجزرة الحجاج الكبرى ابراهيم محمد الأكوع
/https://www.alwahdahnews.net/48310
ذكرى مجزرة “تنومة” المروعة التي ارتكبها جيش آل سعود بحق الحجيج اليمنيين/ https://almanar.com.lb/704482