بقلم #الناشط_السياسي محمد البراهمي |
“الفساد أصبح ظاهرة في تونس و أعتقد ان منظومة الفساد أصبحت أقوى من الدولة نفسها، حيث أن الفساد هو الذي يكافح الدولة اليوم وليست الدولة من تكافح الفساد و هذا ما نخشاه”.
بعد عشر سنوات من الثورة التونسية و 12 حكومة ، ﺗﺄﺗﻲ ﺣﻜﻮﻣﺔ، ﻭﺗﺬﻫﺐ أخرى ، ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ الوجوه ﻓﻘﻂ، ﻻ أكثر .. ﻣﺎ الذي ﻳﻤﻨﻊ الحكومات المتعاقبة ﻣﻦ ان تنجز، او ﺗﺤﻘﻖ واحدا ﻓﻲ المئة ﻣﻦ وعودها ﻟﻠﺸﻌﺐ الغارق ﻓﻲ اليأس ﺣﺘﻰ أذنيه ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ ﺳﻤﻊ ﻣﻦ وعود ، و دغدغة المشاعر و إستغفال العقول.. حتى أصبح قانون الغابة الذي يقوم على الإبتزاز و الإستقواء على الدولة و مؤسساتها سيّد الموقف..
ما يحدث في تطاوين (الكامور) لعبة خطيرة وعلى الدولة أن ترفع صوتها عاليا و تستعيد هيبتها بتطبيق القانون.. لا يخفى على عاقل بأن ما يحدث في الكامور تجاوز الحد المسموح به و الأخطر من ذلك ان بعض الأطراف السياسية تقف وراء تأجيج الأوضاع واستثمارها وتترقب أي شيء من شأنه أن يغذي حالات الاحتقان ويخرج الأمور عن السيطرة ومن مصلحتهم أن تحترق البلاد و الزج بها في زوبعة كبرى وحرب أهلية.. لا بد من فهم اللعبة التي تستمر بعض الأطراف في حبكها لإرباك الدولة، و لا يخفى على أحد ان المطالب المرفوعة في الإعتصام تجاوز المطالب الاجتماعية المنادية بالتشغيل و يستحيل تطبيقها او تلبيتها و الحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولية القرارات المرتجلة و المفاوضات الوهمية و الضحك على الذقون.. مما أدى إلى إستفحال الوضع و انعدام الثقة بين المعتصمين و الطبقة السياسية ،.. و الأخطر من ذلك ان بعض الأطراف السياسية غير واعية بفداحة وخطورة ما تعيش على وقعه البلاد مقابل سكوت الدولة، وهذا خطير جدا فاليوم يجب على الكل أن يتحلى بالوعي الكامل وعلى المجتمع المدني والأحزاب وكل المواطنين ان يدركوا ان ما يحدث اليوم هو لعبة خطيرة لا يمكن ان تتواصل وسط سكوت الدولة دون التدخل لحلحلة الإشكال العالق في الكامور بالردع او بالمفاوضة.. نساند التحركات السلمية و لكن علينا ان نرفض كل ما من شأنه ان يزج بالبلاد في فوضى عارمة غير محمودة العواقب ، و نرفض التحركات المُسيِّسة و تركيع الدولة المفلسة اصلاً، و على الدولة التحرك لوضع حلول رادعة و جذرية كفيلة بتفكيك الأزمة الراهنة.. نريد قوة القانون وليس قانون القوة..
ولتجنب مثل هذا المنزلق الخطير ، لا بد من أن تتحلى الحكومة بالشجاعة والصدق، وتواجه المحتجين بالحقائق، بأن مطالب المناطق المهمشة و خصوصا مطالب المحتجين في الكامور ، لا يمكن الاستجابة لها بعصا سحرية، و بالتأكيد لا يمكن الاستجابة لها ومواقع الإنتاج مغلقة، فلا يمكن أن يغلق أبناء تطاوين (الكامور) “الفانة” لأشهر ، فيحرمون الدولة من أحد أهم مواردها، ثم يطالبون الدولة بتحقيق التنمية ، فهذه الأعمال الابتزازية غير مقبولة لا قانونيا و لا أخلاقيا ، و كذلك فإن عمليات تعطيل الإنتاج، والاحتجاجات الأبدية، لا يمكن أن تشجع المستثمرين على مساعدة تونس في النهوض و تغطية العجز في ميزانية الدولة، او قد تغادر الشركات الأجنبية البلاد و يا “خيبة المسعى”..
وبالتالي لا بد من أن تصارح الحكومة التونسيين بالواقع، وأن ترفض مناقشة المطالب تحت التهديد، لأن الاستجابة للابتزاز، سيكون تشجيعا لمزيد من مثل هذه العمليات الابتزازية، وهذا سيدمر الاقتصاد والعملية السياسية بِرُمّتها ، لأن المكاسب ستصل فقط إلى من هم أعلى صوتا وأقدر على الإبتزاز، ولو تمت مكافأة عصابات الابتزاز ومعاقبة المنتجين، فقل على تونس وديمقراطيتها واقتصادها السلام.. وإذا عجزت الحكومة عن إقناع المواطنين او المحتجين بسياساتها، فمن واجبها أن تستقيل، و ان يثور الشعب على الساسة و القيادات التي جاءت بهم الصدف و النظام الانتخابي الأعرج و المخادع ، ففي العملية الديمقراطية، من حق المنظمات السياسية والمدنية الضغط من أجل تحقيق مطالبها، و مطالب الشعب ، فلا بد أن يكون هذا الضغط سلميا وإن تجاوز ذلك، فهو تعد على سلطات الدولة يستحق المساءلة و الردع بقوة القانون ، يجب ان نحذر من انتهازية بعض الأحزاب السياسية التي تدفع إلى استثمار الاحتقان، لتحقيق ما تريد من مكاسب سياسية من غير أبوابها..، و في الديمقراطية، يحق لمن شاء التظاهر و الإحتجاج السلمي، وعلى الحكومة أيضا أن تتحمل مسؤوليتها في تنفيذ سياستها والدفاع عنها باستخدام كامل سلطة القانون ضد من يمنعها من أداء مهامها، ثم يطالبها بتحقيق مطالب تعجيزية ، و بالتالي تحتاج الحكومة إلى كثير من الشجاعة والصدق مع نفسها و شعبها لمواجهة الشارع بحقائق الوضع بصراحة ووضوح، وبخلاف ذلك، سيصبح الجميع، ومعهم الشعب، من النادمين في ظل الخراب و الإفلاس ، معادلة صعبة و الحكومة بين مطرقة الأزمة الإقتصادية و السياسية و سندان المطالب الشعبية و يبدو أن هذا اختبار حقيقي و صعب للحكومة بأن تضع حل جذري لإستعادة هيبة الدولة و الحفاظ على مكتسبات الشعب و الوطن و ردع المخالفين، دون ذلك، لا يبقى خيار للحكومة إلا الرحيل..
عاشت تونس و شعبها