محمود كامل الكومى
“ان اليأس الذى يؤجج المشاعر بالنسبه للجماهير العاديه لم يكن وليد سنه 1967 ولا وليد سنه 1948 انما هو مآل سيروره تاريخيه لايمكن أن يختصرها أى حدث أو تاريخ , أنه تاريخ شعب عرف عهدا كبيرا من المجد أعقبه سقوط طويل , فهو منذ مائتى عام يتوق الى النهوض لكنه يعود كل مره الى السقوط الى أن أنبثق جمال عبد الناصر فراح يؤمن بأنه سيتمكن من النهوض معه مجددا , أن نكسة 1967, ثم وفاة جمال عبد الناصر أدت الى ظهور مشاريع سياسيه متنوعه راحت تتنافس على أمتلاك ارثه , لكنها جميعا لم تنجح بسبب غياب مفهوم الشرعيه (تلك الشرعيه العفويه )التى تكاد تكون لحم ودم , التى تمتع بها جمال عبد الناصر حتى موته “.بدت كلمات الكاتب اللبنانى (أمين معلوف )هذه -من سطور كتابه اختلال العالم , تحوم فى مخيلتى وتستثير همتى الى التفكير والتعالى وتجاوز روح اليأس – فكلمات جمال عبد الناصر تعالت ” ان النكسه لابد أن تدفعنا الى نظرة فاحصة وأمينة على جوانب عملنا ” أن النكسة لابد أن تضيف الى تجربتنا عمقاً جديداً”, ولقد كانت- فقد حول الزعيم ناصر الهزيمة الحربية الى نكسة مؤقته ,ففى عز الانكسار , قاد الفريق عبد المنعم رياض يوم 9 يونيو مجموعة صاعقة تصدت للعدو الصهيونى فى رأس العش ودمرته , وتتابع الأحداث والعمل ليل نهار , حتى صارت المعجزه, بداية من تجميع القوات , الى التدريب العسكرى الشاق , ووضع الخطط وتحديث أسلحة الجيش المصرى وتعويض ماتم تدميره , وتعبئة القوات ,الى أن وصل الجيش المصرى الى جهوزية عالية أعظم مما كان فى وقت قياسى هو فى عرف الجيوش معجزة بكل المقاييس , وشهد بذلك الأعداء مقررين أن ماحدث يمثل طفره فى العسكريه , حيث مامن جيش هزم وعاد الى أحدث مما كان فى وقت قياسى اِلا ذلك الذى فعلته القياده العسكرية المصرية , وتوالت الأنتصارات بأغراق المدمرة ايلات , وتدمير ميناء ايلات الصهيونى , والعمليات الفدائيه التى شنتها منظمة تحرير سيناء فقتلت واصابة المئات من جنود العدو واسرت الأفراد ,و أنطلقت القوات المصرية نحو تدمير اول عائق لتنفيذ خطتها الأستراتيجية لتدمير خط بارليف خلال حرب الأستنزاف , التى أستمرت 578 يوما , لكن مع بدايه شهر مارس 1969 شهدت منطقة القناه بطول 162 ك وعرض 50ك ساحه قتال ,أشتعلت فيها النيران وهدرت المدافع تدك حصون الأعداء , و مع بزوغ فجر يوم 8 مارس , صارت حرب الأستنزاف فى مرحلتها الأخيرة والهامة وهى المرحله الهجوميه التى عرفت ب(الردع) , وأنطلقت قذائف المدفعية وشهب الصواريخ على طول الجبهه لتكبد العدو الصهيونى أكبر قدر من الخسائر , وتدمر 80%من مواقع خط بارليف وتسكت الكثير من مواقع مدفعيته فى أعنف وأشرس أشتباكات شهدتها الجبهه, وبأقامة حائط الصواريخ المصرية غرب قناة السويس , حُيدت الطائرت الاسرائيليه بعد توالى سقوطها , وتم تأمين العمق المصرى , وصارت قواتنا البرية فى مأمن حال عبورها القناه من اجل تحرير سيناء , وهو ما تحقق لها فى 6 أكتوبر 1973 , ذلك النصر الذى اجهضته اتفاقية السادات مع اسرائيل , لكن مايهمنا الآن , أن الشعب المصرى والعربى الذى تمسك بقيادة جمال عبد الناصر, قد رفض الهزيمة العسكرية , وتجاوز النكسة بالأمل والكفاح والتمسك بالقيادة الوطنية والقومية لزعيمه جمال عبد الناصر حتى صعدت روحه الى عنان السماء فى 28سبتمبر 1970 .
والآن بعد 51 عاما على ماحدث فى 5 يونيو 1967 – تثور الأسئلة
ماهو الهدف من العدوان ؟ وكيف بيتت النية لقيام أسرائيل بالعدوان ودور الرجعية العربية؟ثم نلقى الضوء على أفعال قد ترقى الى مستوى الخيانه من بعض القواد سواء فى مصر او سوريا ودور الملك حسين ملك الاردن السابق ؟
كان الهدف من العدوان – وقد ترآى لكل ذى عينين- هو القضاء على جمال عبد الناصر , و أجهاض دوره فى اذكاء الشعور بالقومية العربية لدى الشعب العربى , وايضا مساندته لكل حركات التحرر فى العالم , وأيمانه بأن الصراع مع اسرائيل هو صراع وجود وليس صراع .
عملية “الديك الرومى ” ضد جمال عبد الناصر نَسجت خيوطها المخابرات الأمريكية والموساد واللوبى الصهيونى بأمريكا وشركات البترول والسلاح بها ودشنتها منذ العام 1964 وصار التخطيط لها يتتابع ,الى أن استعجله الملك فيصل ملك السعودية الأسبق فى رسالته الى الرئيس الأمريكى “جونسون ” يستحثه أن تعجل اسرائيل عدوانها على مصر وسوريا ليسقط جمال عبد الناصر -الذى يساند الشعب اليمنى وثورته وهو مايؤرق الحكم السعودى- ولينهى العدوان فكرة القومية العربية والوحده التى تروق لزعماء مصر وسوريا وقد كان العدوان فى 5 يونيو 1967.
حين وقع عدوان يونيو (حزيران)1967 عين عبد المنعم رياض قائداً للجبهة الأردنية , ومن أعلى نقطة على جبل المكبر , اثناء ممارسته اليوميه للأستطلاع بنفسه صبيحه الخامس من حزيران , شاهد طيران العدو الصهيونى متوجها لضرب الأراضى المصريه, فأستبق الأحداث,وأبلغ القياده العسكريه هناك والتى كان يترأسها فى هذا الأوان عبد الحكيم عامر القائد الأعلى وشمس بدران وزير الحربية , وفيما يثور السؤال الى الآن عن سر تقاعسهما عن تدراك الضربه الجويه الصهيونيه على كافه المطارات العسكرية فى مصر , وفى نفس الوقت طلب رياض والح من القياده العسكريه السوريه – آنذاك- أن تقوم الطائرات السوريه بضرب مطارات العدو , وقد فرغت من كل الطائرات لحظة توجهها الى مصر لتنفيذ ضربتها الجوية هناك , وحيث الفرصة سانحة فلاتجد من يعوق مهمتها من طيران , ولو تحققت تلك الضربه من جانب الطيران السورى للمطارات الصهيونيه وتم تدميرها لعادت الطائرات المغيره على مصر , دون أن تجد مهبطها فتحترق فى الجو لنفاذ وقودها , ولفقدت القوات الجويه الصهيونيه نصف طائراتها دون عناء.
وعلى بساط البحث يطرح السؤال نفسه لماذا تمسك الملك حسين بالفريق عبد المنعم رياض وعينه قائدا للجبهه الأردنيه , وقد تم تكبيله من القرار؟ وما الذى جعل القياده العسكرية فى مصر ممثله فى عبد الحكيم عامر وشمس بدران تتوائم مع مايرمى اليه الملك الأردنى ؟, وقد باع جده فلسطين فى العام 1948 , ثم عدم اللامبالاه بما ابلغه( الفريق رياض) بأن طيران العدو فى طريقه الى الأغارة على المواقع المصريه من جانب عبد الحكيم عامر وشمس بدران ؟وكذلك عدم الأستجابه لطلبه والحاحه على القوات الجويه السوريه ,بأن تقوم بضرب المطارات العسكريه الصهيونيه ,خاصه وقد أفرغت من الطائرات التى قد تعترض الطيران السورى وهو فى سبيله لتدمير هذه المطارات!!.
وقد ثبت أن جمال عبد الناصر قد أكد على القاده فى حضور عبد الحكيم عامر وشمس بدران أن معلوماته تؤكد وقوع العدوان صبيحة 5 يونيو .
أنتحر عبد الحكيم عامر أوقتل سيان , فبلا جدال فقد تسبب على أقل تقدير هوو شمس بدران وزير الحربية آنذاك بأهمالهما فى هزيمة عسكرية , لكن مانتمنى بحثة يتعالى على الأهمال الى الخيانة ودورهما فى التواطؤ مع الملك حسين فى أستبعاد قيادات عسكرية وطنية ومشهود لها بالكفائة عن مسرح عمليات الجيش المصرى ( عبد المنعم رياض –مثال), وكذلك فى سوريا كان السؤال المحير عن سر تقاعس القوات الجوية السوريه وأنتهاز فرصة خلو القواعد الجوية الاسرائيلية من الطائرات لحظة هجومهاعلى مصربتدميرها , وقد كانت حركة الرئيس حافظ الأسد تصحيحا لما بدى انها خيانات أو سوء افعال حدثت فى حرب حزيران .
عِبر التاريخ تحدثنا عن أن أى عدوان على أمتنا العربية لايتم اِلا بالخيانات , والأستعمار على طول تاريخه يحاول شراء الذمم خاصة الحكام ,جاء -جمال عبد الناصر بثورتة ليقود مصر والعالم العربى بعد أن رأى خيانات الحكام لفلسطين فى حرب 1948 , ورغم ذلك حاولت المخابرات الأمريكية معه وتجلى ذلك بمحاولة رشوته بشيك بملايين الدولارات , ففضحهم عبد الناصر وأقام بهذه الملايين برج القاهره , ليكون شاهداً على خيبة أمل المخابرات الأمريكية ونقاء عبد الناصر وتمسكه بالنضال ضد الاستعمار والصهيونية فداء لأمته العربية, وبذلك فشلت المخابرات الأمريكية فشلا ذريعاً فأستدارت حول جمال عبد الناصر, لقتله أو التآمر على حكمه والأنقلاب عليه ,ويبدو أنها نفذت الى أشخاص فى حكمه , لتحقيق أهدافها ففشلت بسبب التفاف الشعب العربى كله حول جمال عبدالناصر , فكان التحضير للعدوان , ومن ابجديات مخابرات الاستعمار , أستدعاء الخونه أو صناعتهم , ليحقق العدوان أهدافه بأقل الخسائر , ويبدو مما سبق من وقائع وشبهات حامت حول شخص المشير عامر وشمس بدران وأسلوب الملك حسين فى التآمر أنهما صارا ً على الطريق المرسوم من جانب المخابرات الأمريكيه , لتعطى الضوء الأخضر لأسرائيل لشن العدوان فى 5 يونيو 1967 .
حكايات أخرى عن السادات . وكمال آدهم رجل المخابرات السعودى المكلف بمنطقة الشرق الأوسط من جانب المخابرات الأمريكية , ودور السادات آبان حرب اليمن ومدى تأثيرها على القوات المصرية على جبهة القناة فى حرب 1967, ثم وضوح الرؤية من خلال أتفاقية السلام بين السادات وأسرائيل , لتتضح حقيقه مؤداها أن ماسمى بالسلام مع أسرائيل والذى صاغه عملاء الاستعمار من العرب مع أمريكا بشروط الكيان الصهيونى , قد تطورت نتائجه الكارثيه وتصاعدت كل يوم عن ماقبله لتصل الى أن ماقتل من شعبنا العربى آبان ( السلام المُدعى مع أسرائيل والذى صاغه حكام الخيانه ) هو أكبر بكثير جدا ممن أستشهدوا فى جميع الحروب التى خاضها ضد العدو الصهيونى .
أذن فى ظل القيادة الوطنية والقومية التى تمتعت بالشرعية العفوية التى تكون لحم ودم للزعيم جمال عبد الناصر ’ استطاع شعبنا العربى أَلا يستسلم للهزيمة وأعتبرها نكسة عارضة فى تاريخه وتاريخ أمتنا العربية دفعتنا الى نظرة شاملة وفاحصة على جوانب عملنا , سرعان ما تحولت الى نصر على العدو خلال حرب الأستنزاف توج بنصر عربى لمصر وسوريا فى حرب أكتوبر 1973.
وفى ظل قيادات العمالة والخيانة وأدعاء السلام مع الصهاينة والخنوع للأمريكان والتى غابت عنها أى شرعية , صار الدم العربى مستباح والشعب العربى مثخن بالجراح وقتل من جماهير شعبنا أضعاف من استشهد خلال حرب 1967وكافة الحروب التى نضال وخاضها شعبنا العربى ضد أسرائيل .
وهو مايؤكد أن الصراع مع العدو االصهيونى هو صراع وجود وليس صراع حدود ,وأن كشف العملاء ومحاكمتهم بداية طريق النصر على أسرائيل وتحقيق حلم العودة لشعبنا الفلسطينى لتتحق وحدة أمتنا العربية .
كاتب ومحامى – مصرى