أخبار عاجلة

هل يمكن أن تتدارك دول الغرب ووسائل إعلامها أخطاءها؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم تكتفي دول الغرب الاستعمارية بالهيمنة على دول العالم المستضعف اقتصاديا وماليا، زيادة على ارهابها عسكريا، فذهبت إلى السيطرة عليها إعلاميا، لمزيد اخضاعها لمشيئتها، بتقديم ثقافتها الغربية على أنّها تمثّل الأسلوب الأمثل للحياة، ومن شأنها أن تسمح – في صورة تبنّيها – بمواكبة نمط عيش المجتمعات الغربية، وتمكنها من اللحاق بركب تقدّمها المدنيّ، شعارات الدول الغربية ودعاياتها تركّزت في جانب حقوق الإنسان، وهي الحقوق التي تنتهك في مستعمراتها وفي ظل صمتها، وتواطئها في أغلب الأحيان.

 

ونظرا لما يمتلكه الإعلام الغربي من قدرة على التأثير الكبير في مجتمعاته ومجتمعات دول العالم، على التأثير على قناعات أفرادها، وتحويلها من النقيض إلى النقيض، فإنّ إيلاء هذا الجانب الأهمّية التي يستحق، أصبح ضرورة وأولويّة تجب مراعاتها، خصوصا وأنّ مجتمعاتنا دخلت في معترك مصيري يجب أن تكسبه، حتى تتمكن من تحقيق أهدافها التي تصبو إليها، وفي مقدّمتها قضايا التحرر من تبعيّة هذا الغرب، الذي يدّعي أنّه يريد لنا الخير، بينما هو في حقيقته عدوّ لدود، يخفي مشاعره الحاقدة تجاهنا، ويبذل قصارى جهوده، ليستمر في استغلالنا، وتكبيل دولنا بالتزامات لا تفي بشيء من استحقاقاتنا المصيرية.

 

مجال الدعاية الغربية واعلامها الممنهج، في ضرب قناعات الشعوب المستهدفة، قد تركّزت على الدول والشعوب الإسلامية، نظرا لأهميّتها الاستراتيجية، وما تحتويه أراضيها من مخزونات طاقية هامّة، يجب أن تبقى تحت يد المنظومة الغربية وفي متناولها، ولا سبيل لبقائها تحت التأثير والسيطرة، دون ضخّ وابل من الدعايات والأفكار الغربيّة، محفّزة إيّاها على تبنّي الفكر الصهيو غربي المعادي لأفكار وعقائد الشعوب والدول الإسلامية، لذلك يجب الإحتراز من المنظومة الغربية أفكارا ومخططات.

 

ما يجب أن لا ينساه الغرب بمنظماته الدعائية الواسعة النطاق، وأنظمته السياسية المعادية، أنّ ما بلغه من قوّة عسكرية وتقنية، لم تكن لتحصل عليها دوله الإستعمارية، من دون نهب ثروات البلدان الإسلامية المُسْتَعمَرة، بعدما قدّموا لنا زعماء وهميين – فيما عُرِف فترة بالاستقلال – أخذوا بزمام قيادة شعوبهم، وتبيّن فيما بعد أنّهم صناعة صهيونية غربية، أسهمت في تأسيس عقلية من التبعيّة للثقافة الغربية الصهيونية، المعادية للثوابت والقيم الإسلامية، تجرّأت بوقاحة لا مثيل لها، على طرح بدائل لائكية، لا ترى للإسلام مكانا في مجال القيادة والسياسة، وبلا دور في صناعة غد واعد بالأمن والحريّة لشعوبنا الاسلامية.

 

لقد سقطت ورقة توت القيم الغربية، وكشفت عن عورة ثقافتها المزيّفة، فبانت سوأة هذا الفكر الضال البعيد عن الفطرة الإنسانية، ليست معتقلات غوانتنامو في الجانب الكوبي المحتلّ(1) والعراق وأفغانستان، كشف وحشيّته جنوده، بما ارتكبه من جرائم بحق شعوب المناطق المستهدفة، حيث لم يخجلوا من التباهي بتلك الاعمال البشعة عديمة الإنسانية، يكفي هنا أن نُبْرِز كيف أمر قبطان المدمّرة الأمريكية (ويل روجرز) بإسقاط الطائرة الإيرانية المدنية، أثناء قيامها برحلتها رقم 655 من بندر عباس إلى دبي ( الامارات )/ والتي اسفرت عن مقتل 290 مسافرا أغلبهم ايرانيين (2)

 

وجاء عدوان الكيان الصهيوني على غزّة، ليزيد من تعرّي وافتضاح المنظومة الغربية بأسرها، بعدما انخرطت بسياسييها واعلامها العنصري اللاإنساني، مبرّرين أعماله الفظيعة بالدفاع عن كيانه، في وجه دفاع الشعب الفلسطيني المشروع عن حقوقه وأرضه وتاريخه، واصفين ذلك بأنّه إرهاب، يسعى للقضاء على دولتهم التي غرسوها على أرض فلسطين.

 

دول واعلام اتخذوا من حقوق الإنسان ذريعة، لمهاجمة كل من وضعوه في خانة العدوّ، وحقوق الإنسان عندهم، لم تكن سوى شعار رفعوه كذبا من أجل التمويه فقط، بينما تلك الحقوق التي أعلنوها في مبادئهم وكتبوها في شعاراتهم، هي خاصة بالإنسان الغربي الأبيض فقط، حتى الانسان الملوّن عندهم، مُعتبَرا عندهم مواطن من الدرجة الثانية، لهذا لم يتردّد المرشد السيد الخامنئي من وصف هؤلاء الغربيين بمغول العصر ولكن بهيئة مختلفة، مؤكدًا أنهم أعداء حقوق الإنسان أساسًا وأن ادعاءاتهم بحماية حقوق الإنسان ادعاءات كاذبة.

 

ودعا إلى مواجهة هذه العقلية بالكتابة عنها وفضح ممارساتها، معبّرا عن أمله في تعريتها تماما لشعوب العالم، حتى تعرف دول الغرب على حقيقتها من دون تزييف: (إنّ معرفة جوانب الحرب الناعمة للعدوّ ضروريّة للجميع، لكنّها أوجب على الناشطين على المستويين الثقافي والفنّي من الجميع لكيلا يرتبكوا هم أنفسهم، وكذلك لكي يلفِتوا الآخرين أيضًا إلى هجوم العدوّ) (3)

 

وها نحن اليوم تشاهد مجازر مروّعة بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة، ودول الغرب عموما ووسائل اعلامها في صمت مطبق كأنّ لسان حالها مبرّرا تلك الجرائم على أنّها دفاع مشروع عن الكيان الصهيوني هذه القاعدة الاستيطانية السيئة السّمعة للغرب، فأغلب مستوطنيها قادمون من الغرب، وفهم أصحاب جنسيات غربية متنوّعة، ومرجعهم سيكون من حيث جاؤوا لأنّ مسألة بقائهم على أرض فلسطين أصبحت اليوم أمنية تحت قدرات المقاومة وستعصف بها آجلا أم عاجلا، وعلى دول الغرب أن تغيّر من سياستها تجاه القضية الفلسطينية، قبل أن يتهاوى هذا الكيان العنصري الغريب عن المنطقة بأسرها، ويكون قد فات الغرب اصلاح ما أفسدوه من خلال دعمهم لبقاء محتل وجوده غير شرعي، الوقت يضيق على دول الغرب، وإصلاح الخطأ الفادح الذي ارتكبوه، خير من ترك حبل جنايتهم على الغارب.

 

المراجع

 

1 – خليج غوانتنامو

https://artsandculture.google.com/entity/m0btt37?hl=ar

2 – بعد مضي 35 عاما وصمة عار لن تزول

https://www.alalam.ir/news/3652356/

3 – الإمام الخامنئي: الغربيون مغول العصر ولكن بهيئة مختلفة

https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=52604&cid=116

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

الحروب اللا أخلاقية .. بايدن شرطي العالم ونتنياهو وكيله المعتمد…بقلم م. ميشال كلاغاصي 

من جديد تُثبت يوميات الحرب والعدوان والصراعات والتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط حجم العار الأخلاقي …