إنّ أخطر الأسلحة التي يستعملها أعداء الإسلام منذ أن ملكوا تقنية الاتصالات، هي الاعلام وما حقّقه لهم من تفوّق، فسح لهم المجال لينشروا أفكارهم، ومشاريعهم الهدّامة لثوابت وقناعات بسطاء المسلمين، في شكل موجات ثقافية تعاونت دولهم الاستعمارية على تركيزها بواسطة عملاء لهم من داخل مجتمعاتنا، تبنّوها وعملوا على بثّها اعتقادا منهم بأنّ فيها الخير والتقدّم.
مسألة الدّعاية والاعلام هي من المسائل التي مازالت أمّتنا تعاني من نقص فادح من وسائلها، بعدما أمسك الغرب المعادي لديننا بآلياتها ومجاميعها الإعلامية، من كبريات مؤسساتها، إلى ركائز خبرائها، فليس الذي يكتب مقالا مثلا في وسائل اعلام عالمية، كالذي يكتب مقالا في صحيفة محلية لا أثر لها على مستوى الانتشار، وبوق الداعية إذا ما وجد آذانا صاغية، فإنّه سريع الانتشار والتأثير، كما جاء في قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) سورة آل عمران الآية 173
وفي تفسير الآية: (الناس هو الأفراد من الإنسان من حيث عدم أخذ ما يتميز به بعضهم من بعض، والناس الأول غير الثاني، فإن الثاني هو العدو الذي كان يجمع الجموع، وأما الأول فهم الخاذلون المثبّطون، الذين كانوا يقولون ما يقولون، ليخذِلوا المؤمنين عن الخروج إلى قتال المشركين، والناس الثاني أُريد به المشركون، والناس الأول أيديهم على المؤمنين وعيونهم فيهم، وظاهر الآية كونهم عدة وجماعة لا واحداً… ويمكن أن يكون زيادة إيمانهم لتأييد أمثال هذه الأخبار، ما عندهم من خبر الوحي، أنهم سيؤذون في جنب الله، حتى يتم أمرهم بإذن الله، وقد وعدهم النصر، ولا يكون نصر إلا في نزال وقتال. وقوله: (وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، أي كافينا الله، وأصل الحسب من الحساب لأن الكفاية بحساب الحاجة، وهذا اكتفاء بالله بحسب الإيمان، دون الأسباب الخارجية الجارية في السنة الإلهية، والوكيل: هو الذي يدبر الأمر عن الإنسان، فمضمون الآية يرجع إلى معنى قوله: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره) سورة الطلاق الآية 3، ولذلك عقب قوله: (وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، بقوله: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء).(1)
سبب نزول هذه الآية الدعاية الخبيثة دبّرها أبو سفيان، من أجل تثبيط المسلمين، وزعزعة عزمهم على مواجهة قريش، وقد أحدثت تصدّعا داخل صفوفهم، أدّى إلى انسحاب عدد كبير منهم وعودتهم إلى المدينة مع عبد الله بن أبي سلول، هذه الحادثة وما ترتّب عليها من أثر سيء، كان سببا في خذلان كاد يؤدّي إلى هزيمة لولا ثلّة من المؤمنين، تاجروا مع الله تجارة لن تبور، فجازاهم بفضل منه لم يمسسهم السوء الذي أراده أبو سفيان ومن معه من قريش.
عندما يتناول قائد وعالم دين مسألة الاعلام، على أساس نشر الفضائل الإسلامية، ومنع تسرّب الرذائل الشيطانية، التي عادة ما يَنشرها أعداء الإسلام في مجتمعاتنا، من أجل الإضرار بها، والإساءة إلى الاسلام تشويها واسقاطا، بما يعطي انطباعا عاما، ببقاء هذه المجتمعات بعيدة عن مواكبة الحضارة، وبقاء هذا الدين متخلّفا عن مواكبة احتياجات الشعوب، وعاجزا عن إيجاد الحلول لمشكلاتهم الحياتية المعاصرة، ولو نُظِر الى ثقافة الإسلام التي أحيتها الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الامام الخميني، بعقل واع مدْرِكٍ، لتبيّن مدى أهمّية احياء ثقافة الآداب الإسلامية، في مواجهة موجة التغريب والمسخ الفكري الذي أصاب شعوبنا من جرّاء برامج دول الغرب الإستعمارية في جرّنا إلى ما آلت إليه حياتهم من انحراف كبير عن الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، ودعا أنبياءه ورسله وصالحيه إلى التقيّد بها، وفي هذا الإطار تحدّث الامام الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في ايران فقال:
(لو تحكم الدين والأخلاق والفضيلة بالإدارة الإعلامية، وأخذ بنظر الاعتبار في إعداد البرامج، فإن أوضاع البشرية ستكون أفضل مما هي عليه الآن حتماً، وعند ذلك ستقوم وسائل الإعلام بدور رئيسي في مجال إسعاد البشرية.. إن وسائل الإعلام بإمكانها من جهة تحسين الحياة البشرية، ونشر السلام والأمن في العالم، ومن جهة أخرى قد تتحول إلى عنصر لإثارة الحروب المدمرة، ونشر الفساد وتفريغ الشعوب من هويتها.. كما أن بإمكان وسائل الإعلام تمهيد الأرضية للحوار الحر الثنائي والمتعدد الأطراف، والتحول إلي وسيلة للتبادل الثقافي والأخلاقي والقيم الإنسانية السامية.)(2)
وما يجب فلعله اليوم إزاء مخططات أمريكا وحلفائها من دول الغرب، هو ما كان النظام الإسلامي في إيران قد دعا إليه شعبه وبقوّة، من أجل تحريره من ثقافة الغرب المعادية للدين وقيمه العالية، ثقافة طالما نشرها الغرب بين شعوب المنطقة من اجل السيطرة عليها، فلا يجب أن نأمن لأيّ دعوة قادمة من الغرب أو وراءها سائق، مهما كانت القيمة المسوّقة إعلاميا ودعائيا لذلك السائق، ولقد كان لنا في سيرة الامام عليّ عند محاربته أصحاب الجمل موعظة حينها بعدما ساور بعض الناس شكّ فيما أتاه بحربه فقال: (إن الحق والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحق باتباع من اتبعه، والباطل
باجتناب من اجتنبه) (3) وفي هذا القول حكمة بالغة، لمن ابتع سبيل الرشاد، ولم تلتبس عليه السّبل،
فمن عرف الحقّ عرف أهله، وأهله اليوم في جلاء تام وعلى صراط مستقيم، لا يضرّهم من ضلّ بعدما اهتدوا.
المراجع
1 – تفسير الميزان سورة آل عمران الآية 173 ج4ص43
2 – القائد يستعرض أهمية ودور وسائل الإعلام على صعيد القضايا الداخلية والدولية
https://www.leader.ir/ar/content/3271/
3 – ميزان الحكمة محمد الري شهري ج1 ص657