الخميس , 21 نوفمبر 2024
Breaking News

من سينصر غزّة في محنتها؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

لاتزال أنظار العالم بمختلف أفكارهم وميولاتهم السياسية والعقائدية، متجهة نحو إيران، تنتظر ما سيحصل من رد إيراني عسكري، وعدت به القيادة العليا، ثأرا لاغتيال الشهيد هنية، وهؤلاء المنتظرون منقسمون بين متيقن بأن الرد سيكون هذه المرة، بحجم العدوان الذي ارتكبته القوات الصهيونية بحق ضيفها في عاصمتها، وبين متردد بشأنه يعتبره كسابقه لا أثر له، معتمدا على وكالات الأنباء العالمية المعروفة بمواقفها المناصرة للكيان الصهيوني، التي عادة من تقوم بعدم نقل تلك الآثار المترتبة على الرد.

 

القسم الثالث من المنتظرين يرون رأي أعداء إيران، وموقفهم بدا في قالب سخرية واستهزاء، مسبق من الرد، ولن ينقمع موقفهم هذا من دون أن يحصل الردّ ويكون مؤثرا، وهؤلاء يعتمدون في معلوماتهم من الجانب المعادي لإيران، سواء أكان معسكر الغرب أم معسكر التطبيع العربي، وإيران عندهم غير قادرة على مواجهة أعدائها الصهاينة وحلفائهم الغربيين وخصوصا أمريكا، التي تكفّلت بحماية الكيان الغاصب، وضمان استمراره محتلا لأرض فلسطين.

 

النظرة الحاقدة ضدّ ايران، دفعت بهؤلاء المخذولين العرب بطبعهم، في أن يتموقعوا ضمن طابور أعداء ايران ويُحْسبون من بين مكوّنه من أشتات متفرّقة من تُبّع الغرب الذين يسبّحون بحمد ثقافته الشاذّة، ويرونها مثالا لحضارة البشرية في هذا الزمن، وكل ما يأتي من جانب دوله، يُعتبر حلّا لمشاكل العالم العربي، وهذا تأكيد على ما بلغوه من يأس، من تغيّر حالهم من الأسوأ إلى الأحسن، فيما فهمت دول الغرب واستيقن الكيان الصهيوني، بأنّه ملاق نتيجة تهوره في اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، فحرّك حلفاؤه من دول الغرب من أجل أن لا يكون الردّ مؤثرا داخل مواقعه الهامة في فلسطين المحتلة.

 

وتحركت الدبلوماسية الغربية في هذا الإطار، لعلّها تجد سبيلا لضمان عدم تضرر الكيان الصهيوني، وتعددت وساطاتهم من بريطانيا وفرنسا، وغيرها من دول الغرب المتصهين، وكان الموقف الرسمي الإيراني واضحا منها، فقد رفضت إيران مناشدات من بريطانيا ودول غربية أخرى، بالامتناع عن مهاجمة إسرائيل، ردّا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية، في طهران الشهر الماضي.) (1)

 

الدبلوماسية الغربية في جهودها الأخيرة بحقّ إيران، مارست سياسة التحذير المبطّن، بخبث العالم الغربي، المعادي للنظام الإسلامي، في اقناعها بعدم الردّ على عميلة الإغتيال الجبانة، أو تخفيفه إلى المستوى الذي لا يشكل خطرا جدّيا، على قاعدتهم الصهيونية المغروسة في قلب العالم الإسلامي، واستغباء إيران بهذا الأسلوب، لا يمكن ان يمُرّ في ظل وجود نظام – ثبتت قواعده في اشدّ الابتلاءات والمحن – أخذ على عاتقه مشروع مقاومة الكيان الصهيوني وجميع حلفائه – الصهيونية والاستكبار الغربي- من أجل هدف واحد بقي على عهده به، وهو تحرير كامل فلسطين من البحر إلى النهر.

 

لكنّ إيران ونظرا للوضعية الحرجة للمدنيين الفلسطينيين المهدّدين بالإبادة في قطاع غزة، قد تقايض ردّها بصفقة وقف إطلاق نار شامل، توافق عليه حركة حماس، في إطار عملية تبادل أسرى محتملة هذه الإيام، وحماس لن تقبل بغير شروطها التي أمدّتها الوسطاء القطريين والمصريين، اختبار حماس في أن تتنازل عن شرط من شروطها، وهي تحت الضغط الميداني القاسي، لم ينته إلى ما يريده الصهاينة والغرب، وحماس تدرك جيّدا وعلى يقين تامّ، من أنّ موقف إيران المساند لها والواقف بقوّة إلى جانبها هي وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، لن يتغيّر بأيّ حال من الأحوال، ومهما كانت النتائج التي ستسفر عليها المعارك القادمة.

 

ومع تصلّب الموقف المقاوم الفلسطيني الإيراني، لم تجد تهديدات الكيان الصهيوني بالردّ النووي مكانا في حسابات إيران راعية جبهة المقاومة، على الإنتقام العسكري الإيراني في حال حصوله، كما دعا إلى ذلك وزير الدفاع الصهيوني السابق (أفيغدور ليبرمان Avigdor Lieberman)، إلى شن هجوم نووي على إيران. (2)، كما لم تُوقع تحشيدات البوارج العسكرية الأمريكية الغربية، قبالة السواحل الفلسطينية اللبنانية أيّة حالة من تراجع، صادرة من محور المقاومة، بل لقد زادتهم إصرارا على مواصلة طريق المقاومة، ايمانا منهم بأنّه السبيل الوحيد الموصل إلى تحرير فلسطين، وتخليصها من كيان لقيط، أُسّس خصيصا من أجل تفريق الأمة، فحزب الله المستهدف بدوره مستمر في قصف مستوطنات ومواقع عسكرية صهيونية، وقد ادّى ذلك الى اجلاء سكان مستوطنات شمال فلسطين، بحيث أصبحت خالية من الصهاينة، الفارّين منها إلى مدن في الداخل، يعتبرونها آمنة مؤقتا في الوقت الراهن.

 

في صورة مقايضة محتملة برضا حماس ونزول العدوّ الصهيوني عند شروطها، فإنّ إيران ستؤجل الردّ امّا في صورة فشل مفاوضات الفرصة الأخيرة فإنّ الردّ الإيراني قادم لا محالة، وسيكون في مستوى حادثة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، بقطع النظر عما ستؤدي إليه عملية الرّد الانتقامي، من احتمال توسّع دائرة الحرب لتشمل مناطق أوسع في لبنان وسوريا والعراق واليمن، حيث لن تكون غزّة لقمة في فم جشع العدوان الصهيوني، وإن كانت لقمة الآن، فهي بمقاومتها عسيرة الهضم.

 

من شكك في مصداقية إيران في هذه الحال، فهو واهم بالتأكيد، لأنّ إيران حاملة مشروع يهدف إلى زوال الكيان الصهيوني، ولن تتخلف عنه أبدا، مهما كانت النتائج التي ستسفر عليها المواجهات القادمة، حيث لم تعوّدنا إيران على اخلاف وعد قطعته، أو تراجع أمام تعنّت اعدائها الغربيين الصهاينة عند ايّ تهديد يلوّحون به، ومن تعتقد أن ايران غير قادرة على تحديّ أعدائها ومواجهتهم فلينتظر قليلا فموعده أصبح قريبا ليقف عن كثب ويرى حقيقة الوعد الإلهي الذي وُعِدت به من الله سبحانه وتعالى، حينها على هؤلاء المشككين والمثبطين، والواقفين في صف أعداء ايران – وهم يحسبون أنهم على خير – أن ينتظروا ما ستظهر عليه كقوّة عالمية كبرى، فارضة نفسها بالحق والعدل، نصيرة غزّة والقدس وفلسطين، فإذا لم تكن إيران موجودة، فمن من الدول سينصر غزّة في محنتها؟

 

المراجع

 

1 – إيران ترفض مناشدات غربية بالإمتناع عن مهاجمة إسرائيل

 

https://www.bbc.com/arabic/articles/cgl2ywgpjw8o

 

2 – هل تلجأ إسرائيل لخيار شمشون ضد إيران وكيف سترد طهران.. خبراء مصريون يعلقون

 

https://arabic.rt.com/middle_east/1582465-

 

Check Also

ألمانيا تدفع ثمن أخطائها الإستراتيجية من غزة إلى أوكرانيا…بقلم م. ميشال كلاغاصي

لطالما دعيت بالمحرك الأوروبي بفضل صناعاتها التي ضمنت لها مكانةً إقتصادية هامة, وقوةً عسكرية لا يستهان بها, استطاعت من خلالها رسم حكايتها مع التاريخ القديم والحديث, هي ألمانيا التي خاضت حروبها العالمية وكادت...

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024