بقلم: محمد الرصافي المقداد |
عادت العمليات الإرهابية إلى الساحة التونسية، لتفتح من جديد ملف الإرهاب، وتهديداته على أمن البلاد والعباد.. مدفوعة بعملية نفذتها خلافا للعادة هذه المرة إمرأة، ومن ألطاف الله تعالى انها لم تحقق شيئا مما كان يطمح له المنفذون – أيّا كانت انتماءاتهم وأهدافهم – باعتبار بدائية العبوة الناسفة التي أعدّت للعملية، وحملتها المنتحرة لتفجرها، في مكان يعج بالمواطنين ورجال الامن.
دخول العنصر النسائي في تنفيذ العمليات الارهابية، يدفعنا الى التساؤل: متى يُتّخذ قرار منع إرتداء النقاب، باعتباره أصبح وسيلة تخفّ يستغله عناصر الارهاب ويساعدهم على نقل أدواتهم الإجرامية، وتنفيذ عملياتهم؟
الارهاب الذي ركب مطيته صناّعه، ضرب أكثر من بلد، في مقدمتهم إيران الإسلامية – بل لقد كان مخصوصا لها بعد انتصار ثورتها الاسلامية – يراد به إرباك دوله المستهدفة، وفرض حالة من انعدام الامن والاستقرار فيها، واعاقة نموها، وضرب إقتصادها، وإخضاعها لسياساتهم الإستكبارية، الممتهنة للشعوب الضعيفة، فقاومته ايران بحزم، وتمكنت من تقزيمه، وفرض إرادتها عليه.
لقد أصبحنا اليوم على علم، بأن الإرهاب مؤسّس ومموّل من دول بعينها، وقد أقرّت الجهة التي أسسته ومولته، على لسان أقطاب ساستها بوقاحة، كما هي شان أمريكا، التي لم تستنكف وزيرة خارجيتها السابقة عن التصريح به، وله حواضن في الخارج مؤتمرة ومذعنة للسياسة الامريكية، وأخرى في الداخل تريد ان تحقق أهدافها بالقوة، وهي أهداف يسعى مؤسسو الارهاب للوصول اليها، باستدامة بقاء التهديد الارهابي مسلطا على بلدان بعينها، تكبيلا لنموّها، ودفعا بها الى حالة من عدم الاستقرار، بتحطيم معنويّاتها، والفلّ في عزائم شعوبها، وجعلها عاجزة عن تحقيق شيء من طموحاتها، وغاية أخرى يريد الارهاب بلوغها، بفرض منطقه الأرعن، المخالف تماما لما جاء به الإسلام، الذين يدّعون الانتماء إليه، والدفاع عنه بالأساليب التي اباحوها لأنفسهم، والغاية عندهم من أجل تحقيق ذلك، تبرر الوسيلة التي اعتمدوها.
ويبدو بعد طول متابعة وتقصّ، أن سيف الارهاب سيبقى مسلّطا علينا، ومهددا بين الفينة والاخرى أمننا، وحياة مواطنينا في ظل التستر على مصادره، وطالما اننا لم نتخذ موقفا صريحا وواضحا من مؤسسيه ودعاته، فإننا سوف نبقى نعاني من بقاء فكره، مقبولا عند من يرى فيه منهجا اسلاميا صالحا للتطبيق، وفي شيوخه علماء الاسلام يعتدّ بأقوالهم، وقد آن الأوان لكي نقوم بهذه الخطوة الضرورية، حماية للبلاد والعباد.
ومن دون ربط بيننا وبين ما تعرضت له ولا تزال الشقيقة الجزائر، منذ التسعينات من القرن الماضي الى اليوم، لا يمكننا ان ننجح في مشروعنا المقاوم للإرهاب، ومخطئ من يرى تونس غير مستهدفة بالإرهاب مباشرة تماما كالجزائر، بل تبيّن لنا ان تونس تعتبر بالنسبة للإرهاب بوابة الاضرار بالجزائر، في صورة نجاحه في تحقيق مكسب على الاراضي التونسية، خصوصا الغربية منها، والمتاخمة لأشقائنا الجزائريين.
كما سبق ان اشرت فيما مضى من مقالاتي، ان القضاء على الارهاب لا يمكن ان يتم، الا في صورة مواجهته فكريا من جهة، بإماطة اللثام عن اصوله وشيوخه ومنشئه وتاريخه، وتفنيد مزاعمه، وكشف علاقاته الوثيقة باستخبارات الدول المؤسسة والراعية، وبيان مدى انحرافه عن مبادئ وآداب واخلاق الاسلام، ونزوعه الى التطرف بتكفير المسلمين وغيرهم.
ومن المؤسف حقا – في هذا الاطار – ان نرى سياسة بلادنا، غاضة الطرف عن مصدر الارهاب الاول، بدافع الطمع في نيل شيء من أموال رعاته، وهو سلوك سياسي خاسر بميزان الوطنية والوعي، بما ينجر عنه فسح المجال لفئات من شبابنا، لسلوك نهج الارهاب الوهابي، باعتباره يمثل الاسلام ويدعو اليه، وهم غير مدركين لحقيقته.
لم يعد بالإمكان – بعد الذي حصل – ان نواصل التجاهل والصّمت، فقد آن الأوان للإصداع بحقيقة أن الوهابية أصلا ونشأة وموطنا، خطر محدق يهدد التعايش السلمي بين الطوائف الاسلامية، ويتجاوزه الى بقية العالم.
والوهابية كما يعلمه الجميع منهج رسمي لنظام آل سعود، حاكم برموزه وهيئاته في الحجاز، قد وضعوا ايديهم على مقدساتنا في مكة والمدينة، وعملوا فيهما بين المسلمين بآرائهم المتطرفة، فلحق أذاهم جميع من خالفهم الرأي، ولم يسلم منهم سوى القليل
ومن قرأ تاريخ بني الشيخ وبني سعود، وجدهما جناحي الارهاب في القرن الماضي، وفي عشرينية هذا القرن، جاء تأسيسهما بريطاني خبيث، استلمته أمريكا راعية للإرهاب بشقيه الصهيوني والوهابي، لتستكمل به مخطط ضرب الاسلام الوسطي، وتشويه صورته أمام العالم، كدين يعتمد على العنف والتطرّف، في حين يرى الاسلام الذي تنادي اليه ايران، مخالفا لكلّ ذلك، داعيا الى العلم والمعرفة، وناشرا المدنية التي تراعي حقوق الله وحقوق مخلوقاته، باختلاف مشاربهم الفكرية والعقائدية.
قبضتي التطرف أحكمت الخناق على شعب الحجاز خصوصا في المنطقة الشرقية، ناشرة الرعب بين سكانها، كاتمة انفاس كل رأي ارتفع مناديا، ليطالب بحق ما ولو كان صغيرا، حتى لم يسلم الذين أسدوا خدمات جليلة للحكم السعودي من أمثال خاشقجي، فقتل في سفارة بلاده، وفي ظروف أقل ما يقال عنها أنها في منتهى الوحشية، ولم يفصح عن تفاصيلها حتى الآن.
لذلك أقول أنه لا مجال لترك الحبل على الغارب، بملازمة الصمت أمام هذا الخطر الداهم علينا من باب المملكة، وصدّه عن الدخول الى مجتمعاتنا، كما فعل ذلك من قبل علماء الزيتونة، بالرد على دعوة ابن عبد الوهاب، وإفحامه فيما زعمه، فوقوا تونس بذلك شر تطرفه، ونحتاج اليوم الى عقول واعية، واصوات مؤثرة، تكشف للتونسيين والجزائريين زغيرهم من العرب، ما خفي من شذوذ الوهابية، وبطلان دعاويها بعلاقتها بالسنة النبوية، وهي الهادمة لآدابها وأحكامها، وهي التي نزلت من رحم الاستكبار في بكر سفاحه.