مضى 37 عاماً على تأسيسه، ولم تتوصل الدورة التاسعة والثلاثون لمجلس التعاون الخليجي المعقودة في الرياض عاصمة السعودية إلى إقرار أي بند يعكس رغبة دوله بالالتقاء على أكثر من الصور التذكارية والولائم والحديث عن ضرورات التكامل. لكنها لا تنسى أبداً إبداء ولائها للراعي الأميركي وعدائها لإيران.
بالمقارنة مع الاتحاد الأوروبي فان المدة الزمنية متقاربة، لكن الأوروبيين ينسقون بواسطة اتحادهم الأوروبي سياسياً واقتصادياً وثقافياً فاتحين حدودهم السياسية لحركة انتقال السلع المواطنين بكل حرية ومن دون ضوابط التأشيرات وتصاريح العبور ومعوقات الأمن العام. إنها أوروبا التي كان ينقصها جيش موحّد لم تتمكن من تأسيسه بسبب حظر فيتو أميركي جازم، يخشى من أوروبا موحّدة ساعياً إلى تفتيتها كقوة مستقلة عنها، وعاملاً على جمعها في إطار مؤسساته فقط الحلف الأطلسي .
بالنسبة إلى مجلس التعاون الخليجي فتأسس في 1981 ككيان خليجي في إطار اقليمي يفرز تلاحم منضويه ذات الروابط الثقافية والسياسية والاقتصادية والتاريخية الواحدة، سعياً إلى تحقيق «الوحدة الخليجية» والتعاون الشامل في «كافة المجالات».
للإشارة فإن سكان مجلس التعاون من حدود عمان مع اليمن الى حدود الكويت وحتى إلى داخل العراق، ينتمون إلى نحو عشر قبائل متجانسة ومتصاهرة وتقول إنها تنتمي الى نسب واحد.
إنها إذاً السياسات والولاءات الخارجية التي تفّرق بين الأهل وتزرع الفرقة بينهم. لكن الحقيقة السياسية العميقة تدفع الى الإقرار بأن هذه العائلات الحاكمة اصبحت طبقات سياسية واقتصادية لا تريد التنازل لأحد عن مصالحها ومكتسباتها.. فهل حدثت وحدة بين ولايات مختلفة في التاريخ إلا بالقوة العسكرية.. ها هي الولايات الألمانية التي جمعتها دولة «بروسيا» بالقوة، وكذلك ايطاليا من دون نسيان الولايات المتحدة الأميركية التي احتاجت إلى حربين حتى توحدت: واحدة ضد الإنجليز وثانية بين مناطقها الشمالية والجنوبية.
ما يجري في الخليج إذاً منذ 37 عاماً مجرد حفلة تكاذب قد يكون لها هدف اساسي وهو توحيد الموقف من أية مطامع عراقية صدام وهيمنة إيرانية الثورة الاسلامية او صحوة يمنية، وتلبي في الوقت نفسه حاجات أميركية بالحد الذي يريده «اليانكي».. أي منع الوحدة الفعلية وتأييد صدور موقف تنسيقي موحّد يمنع التسللات الخارجية، ويحول دون التهام السعودية ذات العشرين مليون نسمة و2 مليون كيلومتر مربع من المساحة إمارات صغيرة بحجم الكويت وقطر والبحرين والإمارات وعُمان. علماً أن كل هذه المكوّنات تستشعر بالخطر السعودي فتتعامل معه بحذر ولا تقبل بقرارات عميقة، فتقنع بالسطحي منها.
تكفي فقط قراءة ما ناقشه القادة في هذه الدورة كما زعموا حتى يُصاب المتابع بإحباط متقاطع مع سخرية عميقة. منها مثلا تعزيز الترابط والتكامل الخليجي والحفاظ على أمن المنطقة وترسيخ علاقات الشراكة مع التكتلات الدولية، وتعزيز مكانة مجلس التعاون إقليمياً ودولياً، والتعاون العسكري والاستراتيجي خليجياً وتطورات الأوضاع عربياً في اليمن وسورية وفلسطين والعراق والملف الإيراني مع مناقشة المستجدات المتعلقة بالعقوبات الأميركية على طهران على قاعدة «أن الإيرانيين يحاربون العرب في اليمن وسورية ولبنان والعراق».
ولم ينسَ مجلس التعاون قضايا الشباب والمستقبل والتحديات التي تواجه المنطقة وتعزيز مسيرة العمل الخليجي.
هذا على مستوى اللغة الأدبية التي أضافت أكثر من ذلك.. لكن الحقيقة هي في مكان آخر. فأين هي؟ لا شك في أنها كامنة في «منشار» ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يتعرض لحملة دولية قد تطيح به، وإذا نجحت فإن المستقبل السياسي لآل سعود قد يصبح على كف عفريت ومعه مصير الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يعرف بعمق أن إطاحة أبن سلمان لن تكون إلا مقدمة لعزله من رئاسة الولايات المتحدة الاميركية. أو القضاء على إمكانية نجاحه في ولاية رئاسية جديدة بعد سنتين. لأن اهتزاز الوضعية السياسية لولي العهد من شأنها منح الحزب الديموقراطي الاميركي فرصة النجاح في أي انتخابات أميركية على اساس ان ترامب ينتمي إلى منافسه الحزب الجمهوري.
علماً أن الكثير من شيوخ الكونغرس الجمهوريين يقفون أيضاً ضد حماية ترامب لإبن سلمان. ودول الخليج الاخرى على علم أن إزاحة محمد بن سلمان هي مقدمة لتدمير إماراتها.
ماذا يريد ولي العهد من الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس التعاون؟ يسعى بكل تأكيد إلى صدور موقف عام وحازم مؤيد له ولولاية أبيه الملك سلمان.. مع استعداد هذه الدول لرفض السيادة السعودية او ينتقص من حقها في محاكمة أبنائها على أراضيها، ورافضاً لأي اتهام لإبن سلمان مداورة أو بشكل صريح.
تكفي الدلالة هنا إلى أن السعودية أعربت عن استعدادها للمصالحة مع قطر وإلغاء الحصار المضروب عليها من قبل السعودية والامارات والبحرين ومصر مقابل وقف الدوحة هجماتها التلفزيونية على إبن سلمان، خصوصاً من محطة الجزيرة التي تواصل رشق الاتهامات عليه طيلة مدة بثها اليومي الكامل. هذا إلى جانب ضرورة إصدارها بياناً يؤيد براءة ولي العهد من اغتيال الإعلامي الخاشقجي.
أما الغطاء الفعلي لهذه الدورة فهم الأميركيون الذين يخصهم القادة الخليجيون بأعمق درجات الولاء مع مناصبة إيران عداء كاملاً من أجل كسب تأييد المعلم الأميركي. وهذا يتطلب مهاجمة دور حزب الله في مقاتلة الإرهاب و«حفر الأنفاق».. ولا شك في أن القادة توصلوا بشكل سري إلى تأكيد مصلحتهم السياسية بالاتفاق مع «إسرائيل»، الحليف الضروري لمجابهة إيران وحزب الله وحركة حماس.
فبالله كيف يؤيد مجلس التعاون القضية الفلسطينية ويهاجم حماس وحزب الله وإيران المستهدفين من اسرائيل واميركا لوقوفهم مع القضية الفلسطينية؟
أمام كل هذه المعطيات، يؤكد مجلس التعاون أنه منظمة تراثية ذات طابع فولكلوري، لا هدف له إلا حماية مصالح طبقاته القبلية الحاكمة على حساب شعوب وقضايا كل العرب من الخليج إلى المحيط.