الأحد , 24 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

بين فلسفة الفن و ايروتيكا القاع

نبيل العرفاوي |
في أكثر البلدان عريا في أروبا الاسكندنافية يعاقب أصحاب متاجر الملابس الجاهزة حين يتركون المجسدات الادمية Mannequins دون ملابس خشية أن يراها الأطفال على حالها، راقصات و راقصو الباليه يضعون على أجسادهم ما يشبه ألوان جلدتهم في سياق ابداعي يفصل بين صفاء الذهن من جهة و شفافية الجسد من جهة أخرى. قبائل الدنكا و الهيمبا و الهيريرو العارية في افريقيا تحيط أحزمتها بالورود و أوراق الأشجار و الجلود… هناك دائما المنطقة اللاعمومية في أجساد كل هؤلاء إلى أن ظهر أخيرا جيل جديد من النساء العاريات إلى العاريات تماما بدعوى التعبير عن الأفكار. علياء المهدي، نادية بوستة، حنان زمالي، هالة الفيصل، أمينة السبوعي، أسماء لنساء عربيات تعرّين وحمّلن فعلهنّ رسائل اجتماعية تراوح ما بين الحرص على الحرية الفردية في التصرّف بالجسد وفي استخدامه كوسيلة للتعبير وبين تصوير عريّهنّ كفعل ثوري قادر على تغيير المجتمعات. في الحقيقة لكلّ من هذه النساء “خطاب” يميّزها وسيرة ذاتية خاصة تساعدنا على فهم أفضل لدوافع توسّلها العريّ كأسلوب للاحتجاج على وضع اجتماعي ترفضه أو لربّما… إدّعاء لذلك. الرسامة السورية هالة الفيصل تعرّت في نيويورك عام 2005 احتجاجاً على احتلال العراق وفلسطين. كتبت على جسدها “اوقفوا الحرب” ووقفت عارية في ساحة سكوير بارك باشنطن .وهي ترى أن “الشخص العاري هو الشخص الحقيقي ولا يمكن أن يقوم بالحرب وهو ضعيف لا يحمل أسلحة”
قد يكون هذا جزءا من تمثلاتها للواقع بما فيه الكثير من الحقيقة فالمسيح صلب وهو عار و لكن الإنسان العاري هو من خاض الحروب أيضا، الرومان و الوندال و من قبلهم خاضوا حروبهم و هم عراة الفيتناميون نكلوا بالجنود الأمريكيين من فوق رؤوس الأشجار في الغابات الاسيوية و هم أيضا عراة. و في سلوكاتنا الشعبية التونسسية عادة ما يواجه الأمنيون أجسادا عارية لمنحرفين ملاحقين تعلقت بهم قضايا عنف أو ترويج مخدر أو بيع الخمر خلسة.
حنان زمالي شابة مغربية ولدت في تونس. و في عام 2008، حين كان عمرها 26 شنة، نشرت صورها عارية على شبكة الإنترنت لتضع تعرّيها ضمن إطار مقاومة الاضطهاد الذي تتعرض له النساء في الوطن العربي. ولكنها، قبل ستة أشهر من ظهورها عارية، كانت قد أصبحت في إيطاليا بعد أن تزوجت عجوزا ايطاليا قالت بإنه قد أسلم. تقول حنان : فقط أنا أطالب بمساواة المرأة والرجل في الحقوق وأطالب بتمتع المرأة بحرية التعبير. إذا كانت هذه الأمور متوفرة لدينا تكون الأرض أفضل”
عادت علياء المصرية البالغة من العمر 23 عاماً لتثير جدلاً واسعاً بعد بعد أن انتشرت صورة لها وهي تجلس فوق علم داعش وتنزف دماً بالقرب من امرأة تدير ظهرها وتتبرز. لاقت الصورة، لطبيعتها المبتذلة، انتقاداً واسعاً في الإعلام، وقامت وسائل التواصل الاجتماعي بحذف الصورة لاحتوائها على “مادة مسيئة”.
رغم حداثة سنها، اشتهرت علياء في نوفمبر من العام 2011، عندما أنشأت مدونة إلكترونية عنوانها “ذكريات ثائرة” ونشرت عليها صوراً لها وهي عارية. علياء هي شابة مصرية كانت تدرس الإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة قبل أن تنقطع عن الدراسة بسبب عدم تسديد والدها أقساط جامعتها. أما سبب توقف والدها عن دفع الأقساط فهو مغادرتها المنزل في صيف 2011 . لم تلبث أن نزلت إلى ميدان التحرير و لكن حركة 6 أفريل أصدرت بيانا تبرأت فيه من تهمة انتساب علياء إليها. الحركة الليبرالية أرادت وضع حد لإشاعة انتماء الشابة إليها وذلك لتلافي التأثيرات السلبية عليها. بعض التحليلات ذهب إلى حد اعتبار أن تعرّيها خدم الإسلاميين كثيراً في الانتخابات المصرية لأنه سمح لهم بتخيير المصريين بين الإسلام وبين الأفكار التي تنتج العريّ في المجتمع. في السويد أكملت علياء حركاتها الاحتجاجية. وأيضاً توسلت جسدها العاري أسلوباً للتعبير. أمام السفارة المصرية تعرّت في نهاية العام 2012 رفضاً لنشوء دولة دينية في مصر. على جسدها كتبت: “الشريعة ليست دستوراً”. في تحركها لم تكن وحيدة. إلى جانبها وقفت ناشطتان من حركة “فيمين” النسوية. إحداهما خطت على جسدها العاري عبارة ”لا للإسلاميين نعم للعلمانية”.
العري النسوي من أجل الاحتجاج على أوضاع انسانية أو سياسية عامة كما فعلت علياء و من قبلها أو من أجل الاحتجاج على أوضاع خاصة في سياقات اجتماعية شعبية تونسية ثائرة كما فعلت إحداهن في جانفي 2012 بمقر إحدى المعتمديات حين مزقت ثيابها للتعبير عن غضبها في حضور المعتمد الذي خرج و لم يعد… هذا النوع من العري مازال يثير الغرابة و ردود الأفعال المستنكرة في أكثر الأحيان. 
المرأة و العري موضوع كدنا نألفه، قراءاته و مقارباته مختلفة بحسب الاختصاصات و الحضارات و الاتجاهات. أما الرجل العاري عراء ابن اوى فلم يظهر بعد إلى غاية عرض المسرحية الحدث. فالأنتروبولوجيون لم يعثروا الى الان عن الكائن البشري الناشط وسط الفضاء العام المجرد من كل ما يمكن أن يخفي شيئا من أعضائه…فحتى ” الطبيعيون ” يختارون جيدا مجالات خرجاتهم و لا يتعرون في الفضاءات العامة.
بعيدا عن المقاربات الأخلاقوية فإن عري الرجال مستهجن و مرفوض في كل الحضارات و في جميع أصقاع العالم.
المبدع العاري؟ مجال جديد للبحث، تراوح فرضياته مستويات متعددة بين فلسفة الابداع و ايروتيكا القاع.

شاهد أيضاً

حين تمد الثقافة جسورا من التواصل والتلاقي: عروض فرجوية إيرانية في مهرجانات تونسية..

حَفل هذا الشهر بمشاركات إيرانية ثقافية متعددة في تونس، أولها مشاركة القسم الثقافي لسفارة الجمهورية …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024