رضا الزعايبي
ملتقى السبت 15 ديسمبر مع الأستاذ مصطفى بعزاوي ودكتورة ليليا بوقيرة حول هيئة الحقيقة والكرامة بمقر مؤسسة التميمي.
كثر هذه الأيام الحديث واللغط المتقاطع حول هيئة الحقيقة والكرامة ومجلس نواب الشعب ومختلف الصحف فضلا عن القنوات التلفزية والتي أثارت هذا الملف إلى درجة التشنج المفرط بين أعضاء مجلس النواب، والحقيقة هناك عدة أيام تفصلنا على الذكرى الثامنة ل 17 ديسمبر 2010 حين انتفض الشعب التونسي ضد التهميش والفقر مطالبا بالتشغيل والكرامة ورافضا للفساد والاستبداد. وفعلا سقط رأس النظام يوم 14 جانفي 2011 لتدخل تونس مرحلة الحلم بنظام سياسي ديمقراطي يحقق أهداف الشعب الذي إستشهد من أجلها شباب الثورة وكذلك ناضل من اجلها عشرات الأجيال على مر تاريخ الدولة الحديثة.
وقد توج حلمه في الاختيار الحر لنواب مجلس الشعب في إنتخابات 2011 حيث إلتزمت الأحزاب امام الشعب بصياغة دستور جديد يحقق الحرية والكرامة و يضمن العدالة الاجتماعية التي كانت السبب المباشر والأصلي لحركة 17 ديسمبر 14 جانفي.
وفي يوم 26 جانفي 2014 صوت المجلس التأسيسي على دستور الجمهورية الثانية الذي أفرز قواعد النظام السياسي الجديد القائم على إحترام الحريات العامة والفصل بين السلطات وأضاف إليها سلطة جديدة رابعة هي السلطة المحلية كما تميز بولادة الهيئات الدستورية المستقلة لأول مرة في تاريخ النظام القانوني التونسي.
وقد شكلت هذه الهيئات المستقلة الإضافة النوعية في الدستور الجديد تماهيا مع الأنظمة الديمقراطية في العالم وتجسيدا للممارسة الديمقراطية الحرة التي تضمن عدم الرجوع للإستبداد والتفرد بالسلطة من طرف الجهاز التنفيذي.
ولدفع عملية الإنتقال من منظومة الإستبداد إلى النظام الديمقراطي التعددي صوت المجلس التأسيسي على قانون العدالة الإنتقالية عدد 53 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 قبل التصويت على الدستور وحصنها بالنقطة التاسعة في فصله 149 الذي ألزم الدولة بإتمام المسار الديمقراطي وفقا للقانون المذكور واحترام كل متطلباته في المهام والمدة والآليات.
وتعتبر هيئة الحقيقة والكرامة أولى الهيئات المستقلة التي عهد إليها مرافقة الإنتقال الديمقراطي وإنجاحه من خلال المهام والصلاحيات والإمكانيات القانونية الواسعة التي منحت لها.
لكن بعد 8 سنوات من هذا المشروع- الحلم يجمع كل المتابعين للشأن التونسي على الكم الهائل من العوائق والحواجز والتراجع في تحقيق الإنتقال الديمقراطي. وعلاوة على الأزمة الإقتصادية والإجتماعية التي تمر بها البلاد والتي يؤكدها التدهور المخيف لكل المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية هناك أيضا أزمة سياسية حادة وإخفاق واضح في إستكمال بناء الهيئات الدستورية المستقلة من جراء مرض المحاصصة السياسية والتوافق على إقتسام السلطة بين الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان.
وكأعضاءفي هيئة مستقلة شكل مرور بعض الأعضاء الملتزمين بالعمل داخل هيئة الحقيقة والكرامة تجربة اكدت قبل بقية الهيئات, إنسياق الأحزاب السياسية للسيطرة على هذه الهيئة وإصرارا على توظيفها لخدمة مصالح أحزاب معينة وهذا يمثل انحرافا عن اهدافها الأصلية والمقاصد النبيلة والعليا ولتي وجدت من أجلها وخاصة تحقيق المصالحة الوطنية وتصالح المواطن بعد الثورة مع اجهزة الدولة والمساهمة في الإنتقال الديمقراطي بكل ما يعنيه النظام الديمقراطي من تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات واحترام مبدأ علوية القانون وسيادة المؤسسات لتحقيق العدل والمساواة بين أبناء الشعب الواحد وخاصة إحترام الذاكرة الجمعية للشعب التونسي دون السعي إلى قراءة إنتقائية لتاريخ الدولة الوطنية ودون تبخيس لمساهمة أجيال من التونسيين في بناء دولة ما بعد الإستقلال.