الدكتور بهيج سكاكيني |
الذي يبدو ان وحدات حماية الشعب الكردية السورية اصبحت مثل الطفل اليتيم بعد إعلان ترامب عن قراره بسحب القوات الامريكية من سوريا وهي القوات التي وفرت لها الدعم بالتدريب والتسليح ورعاية هذه القوات وحمايتها الى حد كبير من التهديدات التركية على وجه التحديد. وكان من الواضح ومنذ البداية ان الهدف الامريكي هو استخدام هذه الوحدات كمطية لتنفيذ استراتيجيتها في سورية وقامت بإنشاء قوات سورية الديمقراطية لاخفاء الهوية الكردية لهذه الوحدات. واتضح هدف انشاء هذه القوات عندما اعلنت الحكم الذاتي في الشمال السوري في المناطق التي وقعت تحت سيطرتها وانها تسعى الى فيدرالية سورية وذلك بهدف الى تمزيق وحدة الاراضي السورية تماشيا مع سياسة الولايات المتحدة. وتمددت هذه القوات لتسيطر على اراضي جديدة غنية بمصادر الطاقة الى جانب مصادر المياه بدعم امريكي واضح كما حصل في الرقة ودير الزور على سبيل المثال. واليوم بدأت هذه الوحدات تفتش على أب جديد يرعاها متوجهة الى فرنسا مطالبة بمساعدة فرنسية في فرض منطقة حظر جوي في الشمال السوري.
لسنا بصدد تناول الموضوع هنا بالتحليل والتمحيص ولكن ما نود ان نشير له انه من الملفت للنظر ان هذه القوات الكردية لم تتعظ من العبر والاحداث السابقة وخاصة فيما يخص تعامل الولايات المتحدة مع أكراد العراق وكذلك التعامل معهم على الاراضي السورية.
السيد مسعود البرازاني الذي قاد حملة الاستفتاء العام الفاشلة في كردستان العراق على استقلال الاقليم وإنفصاله عن الدولة العراقية صرح ولو بشكل ملتوي وغير مباشر انه طعن بالظهر من قبل الولايات المتحدة وان هذا كانت احد الاسباب في فشل الاستفتاء.
أما في سوريا فقد ترك اهالي عين العرب ذات الاغلبية الكردية عام 2014 ولأشهر عديدة تحت حصار مشدد من قبل ارهابيي داعش الذين قدموا من الاراضي العراقية قاطعين مسافة اكثر من 400 كم من الاراضي الصحراوية المكشوفة تحت اعين طائرات تجسس قوات التحالف” لمحاربة الارهاب” الامريكية دون التعرض لارهابي داعش ولو بطلقة واحدة وسمحوا لهم بالوصول الى عين العرب ومحاصرتها وتجويع اهلها والتنكيل بهم الى ان شارفت المدينة على السقوط بالكامل نتيجة النقص في السلاح والغذاء وسيطرت داعش تقريبا على نصف المدينة. ورفضت تركيا آنذاك إمداد المدينة باي دعم ولو دعما إنسانيا. وعندها اعلن وزير الدفاع الامريكي ان عين العرب لا تدخل ضمن الاستراتيجية الامريكية وبالتالي تركت المدينة وأهلها لمصيرهم الاسود.و لم تتدخل أمريكا الا عندما كانت كل التقديرات الامنية والاستخباراتية تؤشر ان المدينة على وشك السقوط وبعد إجتماع تم بين المخابرات المركزية الامريكية وقائد قوات التحالف الامريكي ورئيس “الحزب الديمقراطي” الكردي في سوريا صالح مسلم في دولة اروبية ولم يكشف عما دار في الاجتماع. ولكن ما رشح على الارض من القصف المكثف لارهابيي داعش من قبل قوات التحالف الامريكي في محيط المدينة المحاصرة وإنقاذ المدينة وما تلاها من تشكيل قوات سوريا الديمقراطية وإقامة نظام الحكم الذاتي للاكراد في الشمال السوري والتوجه للاستيلاء على الرقة كانت تدلل على الابتزاز الامريكي لوحدات حماية الشعب الكردية وإنخراطها ضمن المخطط الامريكي. ولكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة بان تقف متفرجا بإستيلاء الجيش التركي على عفرين السورية بعد قتال مع وحدات حماية الشعب الكردية التي كانت ان سيطرت على البلدة وكذلك تعهد الولايات المتحدة لتركيا ببعض الاجراءات في مدينة منبج التي كانت تحت سيطرة الوحدات بإبعاد مقاتليها عن البلدة مما إعتبرته وحدات حماية الشعب الكردية انه طعن في الظهر.
اليوم تقف قوات سورية الديمقراطية او بالحري وحدات حماية الشعب الكردية على مفترق طرق وعليها ان تختار بين الرجوع الى حضن الدولة السورية والتنسيق مع الجيش العربي السوري ومحاربة الارهاب والتدخل التركي تحت مظلة الدولة السورية والتخلي عن افكار الانفصال عن الدولة او إقامة حكما ذاتيا في المناطق التي تسيطر عليها أو ان تدخل في مواجهة مع الجيش العربي السوري الى ان تتخلى عن المناطق التي تسيطر عليها لصالح الدولة السورية. ويبقى احتمال تدخل الجيش التركي التي تراه مهددا من قبل وحدات حماية الشعب الكردية بإعتبارها جزء من حزب العمال الكردستاني في تركيا.
قوات سوريا الديمقراطية رفضت دخول الجيش العربي السوري الى عفرين السورية ورفع العلم السوري في البلدة سابقا للدفاع عنها من جحافل الجيش التركي المهاجمة. سقطت عفرين بيد الجيش التركي وأضطرت قسد من الانسحاب من البلدة, والسؤال الان هل ستعيد قسد نفس هذا الخطأ الاستراتيجي؟ هنالك اصوات في قسد صرحت اليوم انه لا مانع لديها في رفع العلم السوري في منبج وأنهم ليسوا دعاة إنفصال عن سوريا وذلك على ما يبدو لتفادي هجوما من الجيش التركي, والسؤال هنا الى اي مدى جدية هذا التصريح وهل سيطبق على بقية المناطق التي تسيطر عليها قسد؟ وهل ستقوم الولايات المتحدة بتنسيق انسحاب جنودها أن تم مع تركيا حليف الناتو ام مع روسيا وبشكل غير مباشر مع الدولة السورية؟
بغض النظر عما ستؤول اليه الامور كان على وحدات حماية الشعب الكردية ان تدرك انه في حال أن وقفت الولايات المتحدة او فرضت عليها الظروف خيارا استراتيجيا فإنها ستختار تركيا حليف الناتو لان ما يمكن ان تقدمه تركيا كدولة وجيش أكبر بكثير مما يمكن ان تقدمه دويلة كردية سواء في الشمال السوري او في الشمال العراقي. وأن الولايات المتحدة تسعى لفك الارتباط وعلاقات تركيا مع روسيا وإيران التي بدأت تتجذر وتأخذ مظاهر استراتيجية في المنطقة وغيرها وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستضحي بقسد وغيرها لتحقيق ذلك وخاصة ضمن واقع تراجع الهيمنة الامريكية على نطاق المنطقة والساحة الدولي ة.