الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

مؤتمر وارسو…مؤتمر المأزومين والمهزومين

الدكتور بهيج سكاكيني |

عندما بدأت الادارة الامريكية التحضيرات لمؤتمر وارسو كانت تهدف الى ان يكون هذا المؤتمر بمثابة العرس الذي تجمع فيه حلفاؤها وأدواتها وعبيدها من الدول لتصعيد سياساتها العدوانية تجاه إيران على وجه التحديد بما يتناغم مع الاستراتيجية الامريكية في المنطقة بما في ذلك الحرب على إيران كما ورد في الكثير من تصريحات المسؤولين في الادارة وخاصة من قبل بولتون مستشار الامن القومي للرئيس ترامب. الى جانب ذلك كانت الادارة الامريكية تسعى من هذا المؤتمر كسر عزلتها الدبلوماسية التي تسببت نتيجة انسحاب إدارة ترامب من الاتفاقية الموقعة مع ايران بشان برنامجها النووي. فقد كان ان رفضت بقية الدول الموقعة على الاتفاق الانصياع للادارة الامريكية بالانسحاب لا بل وقيامها بإدانة الخطوة الامريكية من قبل الحلفاء الاوروبيين الفاعلين في الاتحاد الاوروبي مثل المانيا وفرنسا الى جانب بريطانيا. فهذه الدول رأت من مصلحتها الامنية والاقتصادية واستقرار منطقة الشرق الاوسط البقاء في الاتفاقية التي وقعتها. وقد قامت بخطوة جريئة للالتفاف على العقوبات الغير شرعية التي فرضتها الولايات المتحدة ومن جانب واحد وخارج إطار مجلس الامن على الشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات المالية والدول في حال تعاملها مع إيران.

ولقد لعب رفض الدول الوازنة والفاعلة على الساحة الاوروبية لمثل هكذا مؤتمر دورا في محاولة الخارجية الامريكية الالتفاف على رفض الحضور الاوروبي بتوسيع وتنويع جدول الاعمال للمؤتمر بحيث يتضمن نقاش أوسع لقضايا الشرق الاوسط وهذا ما يستدل عليه من البيان الصحفي الذي صدر عن الخارجية الامريكية بغرض التمويه والذي جاء فيه , ” إن جدول الاعمال واسع النطاق ويتضمن مناقشات حول جهود الادارة لتعزيز سلام شامل ودائم بين اسرائيل والفلسطينيين, بالاضافة الى مباحثات حول كيفية معالجة الازمات الانسانية الاقليمية الجارية. وسيقوم وزير الخارجية بتقديم تحديثا حول الوضع في سوريا ومناقشة أولويات الولايات المتحدة الاخرى في المنطقة بما في ذلك المخاوف تجاه أنشطة إيران التخريبية”. ” وستتيح الجلسات المنفردة الصغيرة للوزراء التركيز على جوانب محددة من المخاوف مثل تطوير الصورايخ وإنتشارها والامن السيبراني والتهديدات الناشئة والارهاب والتمويل الغير مشروع”.

ولكن بالرغم من هذا فإن الدول الاوروبية لم تقع في الفخ الذي نصبته لها الخارجية الامريكية بمحاولة إخفاء الهدف الحقيقي للمؤتمر والذي كشفه نتنياهو حال وصوله فمن ضمن ما قاله “…. “…المهم في هذا الاجتماع هو انه إجتماع مفتوح مع ممثلين لدول عربية رائدة تجلس مع اسرائيل من اجل تعزيز المصلحة المشتركة للحرب مع إيران”.

فشل المؤتمر يرى من مستوى الحضور الاوروبي فكل من المانيا وفرنسا قامت بإرسال موظفين من مستوى متدني للتعبير عن عدم رضاها عن هكذا مؤتمر وأجندته الحقيقية. أما بريطانيا فإن وزير خارجيتها حضر فقط الجلسة الخاصة باليمن. وحتى الدولة المضيفة بولندا عبرت عن عدم موافقتها على النهج الامريكي تجاه إيران.

ولا شك ان القنبلة التي القاها نتنياهو بتصريحه بالحرب على إيران عند وصوله لا بد انه الى جانب إحراج الولايات المتحدة التي حاولت تغليف نواياها العدوانية تجاه إيران فإن الدول الخليجية الحاضرة ستشعر بعدم الامان من هكذا تصريح علني ومباشر خالي من اية دبلوماسية أو تغليف لجوهر ما يدور. فالدول الخليجية وعلى راسها السعودية والامارات التي وقعت في المستنقع اليمني ولم تستطع ان تحقق سياسيا ما كانت تطمح له بالرغم من تدمير الحجر والبشر هناك وصرف مئات المليارات في حربها العدوانية على هذا البلد تدرك تماما ان لا حول لها ولا قوة فهزيمتها السياسية والعسكرية في اليمن هذا البلد الذي لا يمتلك الجزء القليل من الامكانياتالتي تملكها هاتين الدولتين سيجعلها ان تفكر الف مرة قبل ان تقدم على حرب مع إيران وبغض النظر على من سيقف معها.

 ومن الواضح ان السياسة الامريكية الخارجية قائمة الان على عدم التدخل المباشر بالبساطير الامريكية بل تعتمد على الحلفاء لتغطية حروبها. هذا يتضح عندما نعلم انها طلبت من فرنسا وبريطانيا زيادة قواتها العاملة في سوريا بعد الانسحاب الامريكي من هنالك وكذلك أوكلت لكندا ان تتولى الازمة الفنزويلية بدلالة ان كندا هي من دعت الى إجتماع مجموعة ليما من دول امريكا اللاتينية في اوتوا لمناقشة الخطوات لاسقاط الرئيس مادورا وهذه المجموعة قد انشأت من قبل الولايات المتحدة عام 2017 للعمل ضد فنزويلا سياسيا وإعلاميا والتحضير للتدخل العسكري تقوم به بعض دولها من الحدود الكولومبية عندما تكون الظروف مواتية. اما في منطقة الخليج والشرق الاوسط عموما فهي سعت وما زالت تسعى لاقامة حلف ناتو عربي يضم دول مجلس التعاون الخليجي بالاضافة الى بعض دول عربية اخرى من ضمنها مصر وظيفته الاساسية الوقوف في وجه إيران وبتسليح وتدريب أمريكي وأموال خليجية.

الدول الخليجية وبغض النظر عن كل العنتريات والكلام الاجوف التي يطلقها مسؤول هنا وآخر هناك من هذه الدول التي تثير الفتن الطائفية والمذهبية وتعمل على حرف بوصلة الصراع في المنطقة تدرك تماما انها في موقف الضعيف أمام القدرات العسكرية الايرانية. فالصورايخ الايرانية قادرة على تدمير المنشأت النفطية والغازية والابار هذا الى جانب تدمير محطات تحلية المياه التي تعتمد عليها هذه الدول كمصدر لماء الشرب. ولذلك فعليها ان تفكر الف مرة قبل الاقدام على حرب مع إيران.

ويعتقد البعض ان تصريح نتنياهو بشان التخطيط مع هذه الدول للحرب على إيران ستجعل هذه الدول ان تبتعد عن الكيان الصهيوني بدلا من التقرب منه لما قد يتسبب ذلك لها من أذية مؤلمة. كما ان الانتصار الذي حققته الدولة السورية سيكون له اثر كبير على هذه الدول التي دفعت المليارات في محاولة بائسة لاسقاط الدولة السورية. ولقد رأينا بعض هذه الدول بدأت بالتجاه الى دمشق بالرغم من محاولة الادارة الامريكية ان تمنع هذه العودة او على الاقل ان تبطىء مثل هذه الخطوات لانها تدرك تماما ان تقرب هذه الدول الى سوريا المنتصرة سيباعد بينها وبين الكيان الصهيوني وفرملة الهرولة للتطبيع مع هذا الكيان الغاصب وهو ما سعت وما زالت الادارة الامريكية تسعى له كسبيل لتصفية القضية الفلسطينية وتصعيد العداء مع إيران.

 

 

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024