في وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت أول مهاجرة مسلمة إفريقية صومالية لاجئة تفوز بمقعد في الكونغرس الأمريكي، إلهان عمر، لهجوم حاد. وكانت جريمتها هي أنها تجرأت على أن تشير، -مثلما فعلت كاتبة مقالات رأي بارزة في صحيفة The New York Times الأمريكية وآخرون كُثر في الماضي- إلى الدور المروع الذي تؤديه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية AIPAC في تشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، وكان الرد شبه «هستيري». يقول جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي، في مقالة كتبها بموقع Lobe Log الأمريكي، إن أنصار إسرائيل «المخلصين» يمرون بحالة من الهلع بعد الموقف الأخير مع إلهان عمر، إذ استخدم الجمهوريون القضية ككبش فداء، على أمل تحويلها إلى مصدر للانقسام لإظهار أن الديمقراطيين لم يعد من الممكن الوثوق بهم كمؤيدين مخلصين لكل السياسات الإسرائيلية. وللأسف، انضم بعض الديمقراطيين الخائفين للهجوم.
جيل أمريكي جديد يظهر لا يبالي بإسرائيل ويؤيد الفلسطينيين
يضيف زعبي، إن المشكلة ببساطة شديدة هي أن أولئك الذين أعطوا إسرائيل «شيكاً على بياض» يخسرون شعبيتهم بين الناخبين الشباب والأقليات ولا يعرفون كيف يتصرفون. وتظهر الاستطلاعات انقساماً حزبياً/ديموغرافياً عميقاً حول الدعم الأمريكي لإسرائيل -إذ يدير جيل الألفية والأقلية ظهورهم إلى إسرائيل ويمضون نحو اتجاه أكثر توازناً، بل ومؤيد للفلسطينيين. وعلى الرغم من أن الجمهوريين يشعرون بسعادة كبيرة إزاء هذا الصدع ويسعون إلى استغلاله لصالحهم، يريد بعض الديمقراطيين أن يجمعوا بين هدفين متناقضين. إذ يريدون الاحتفاظ بدعم هاتين المجموعتين من الناخبين، وفي الوقت نفسه إسكات معارضتهم للسياسات الإسرائيلية. وبالنظر إلى هذا التحول في المواقف، صوّت معظم الديمقراطيين الطامحين إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 ضد مشروع قانون مجلس الشيوخ يشجع الولايات على انتهاك التعديل الأول في الدستور الأمريكي بمعاقبة الأفراد الذين يشاركون في مقاطعة إسرائيل. وبالطبع، فإن الكونغرس في دورته الـ116 يضم امرأتين مسلمتين، صومالية وفلسطينية، لا تترددان في انتقاد السياسات الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني. وبالنظر إلى هذا المشهد المتغير، فإن أسباب الهلع واضحة بما فيه الكفاية. لكن الأمر المشين هو الطريقة التي قرر بها أنصار إسرائيل الرد. إذ استخدموا سلاح «معاداة السامية» وحولوه إلى حرب شعواء في محاولة فجة لضرب المعارضين وإسكات الجدل المشروع حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. هناك مشاريع قوانين حالياً أمام الكونغرس تعيد تعريف معاداة السامية لتشمل انتقاد إسرائيل، وتجريم المشاركة في مقاطعة إسرائيل، ومشروع قانون آخر يدين معاداة السامية، لكنه يخلط بين انتقاد إسرائيل والسلوكيات البغيضة التي تشوه سمعة «الشعب اليهودي».
ادعاءات زائفة ومصطنعة
وكدليل آخر على التغيير الذي يحدث، قبل بضعة أسابيع، كتبت ميشيل ألكسندر، وهي أحدث من انضم لمجموعة كتاب مقالات الرأي في صحيفة The New York Times، مقالاً مهماً تشرح فيه كيف ولماذا توقفت، وهي مناصرة لحقوق الأمريكيين الأفارقة، عن «الدفاع عن إسرائيل». وقد نشرت صحيفة The New York Times الأحد الماضي 10 فبراير/شباط، وعلى الأرجح رداً على مقال ميشيل، مقالاً لكاتب آخر من كتابها، وهو بريت ستيفنز. كان المقال عبارة عن كلمات هوجاء مزعجة تعبر عن فهم خاطئ، و»ادعاءات مُصطنعة» زائفة، وأحداث تاريخية وهمية رُصت جوار بعضها بحماقة في محاولة لإثبات أن ما يسميه «انتقاد اليسار التقدمي لإسرائيل» يعادل معاداة السامية. يتساءل ستيفنز بصلف عن السبب وراء انتقاد اليسار لإسرائيل ويبدأ جوابه بذكر ما يزعم أنه اتهام من جانبهم لإسرائيل: «بعد أكثر من نصف قرن من احتلال الأراضي الفلسطينية، لم يعد باستطاعة المنصفين أن يتجاهلوا الأمر، خاصة بالنظر إلى الدعم المالي الأمريكي لإسرائيل. إن استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية يثبت أن إسرائيل لا تهتم بالتوصل إلى حل سلمي بشروط منصفة. إن الاحتلال الدائم يشير إلى أن ديمقراطية إسرائيل تتعلق بفكرة التمييز العرقي أكثر من فكرة تقرير اليهود لمصيرهم». بالنسبة لي، تبدو هذه الكلمات صحيحة. ولكن بالنسبة لستيفنز، تعد هذه الحجة التقدمية كذباً سافراً. ولإثبات وجهة نظره، يعتمد على قصص خيالية من التاريخ- وهي، في أحسن الأحوال، ربما تكون نصف صحيحة.
الكذبة الكبيرة.. «إسرائيل أزالت المستوطنات بغزة»
ولإثبات أن إسرائيل أرادت منذ فترة طويلة الاعتراف بدولة فلسطينية، يدعي أن رؤساء الوزراء الإسرائيليين عرضوا إقامة دولة فلسطينية عامي 2000 و2008، لكنها رُفضت. وفي الواقع، قدم كلا العرضين اثنان من رؤساء الوزراء كانا في طريقهما لترك المنصب -ولم يتمتعا بتأييد كبير وسرعان ما أُبعدا عن منصبيهما. وأهمل ستيفنز ذكر أنه حتى وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شلومو بن عامي اعترف بأن العرض المقدم للفلسطينيين عام 2000 كان غير كاف ولا يستحق القبول. إن تفاخره بأن أرئيل شارون قد أزال كل مستوطنة من غزة يتجاهل حقيقة أن الانسحاب كان أحادي الجانب وتم دون التشاور مع السلطة الفلسطينية، مثلما أكدت الولايات المتحدة. وتجاهل أن إسرائيل لم «تترك» غزة أبداً، لكن كل ما فعلته أنها أزالت المستوطنات غير القانونية، ثم حولتها إلى سجن كبير. ولإثبات القسوة الفلسطينية، يشير ستيفنز إلى عدد الإسرائيليين الذين قُتلوا على أيدي الفلسطينيين في هذا القرن، لكنه يتجاهل حقيقة أن الإسرائيليين قد قتلوا ثمانية أضعاف هذا العدد من الفلسطينيين خلال الفترة نفسها. ولإثبات حسن نيته، يعلن ستيفنز «أنا أؤيد حل الدولتين»، لكنه يستمر في الهجوم على أولئك الذين يعارضون بناء المستوطنات الإسرائيلية الذي جعل من المستحيل تحقيق تلك النتيجة. ويقول إن الذين يقولون إن إسرائيل يجب أن تتوقف عن البناء على الأراضي المحتلة والعيش بسلام مع الفلسطينيين متهمون «بالافتراء». ولكنه في الواقع هو المتهم بالافتراء لأنه يدعي أن معارضي المستوطنات جميعهم مذنبون بتهمة «اتهام إسرائيل بطمعها الهائل في الأراضي الفلسطينية ولامبالتها الشريرة بمحنتهم».
«إسرائيل دولة ديمقراطية»
وأخيراً، يتناول ستيفنز مسألة معاداة الصهيونية، التي يزعم أنها ليست أكثر من مرادف آخر لمعاداة السامية. ويقول إن إسرائيل دولة ديمقراطية «ووطن لما يقرب من تسعة ملايين مواطن، يحملون هوية إسرائيلية يتميزون ويفتخرون بها مثلما يفتخر الهولنديون بهويتهم..» ولكنه يتجاهل قانون الدولة اليهودية الذي صدر مؤخراً والذي يعلن إسرائيل دولة يهودية حصراً- مما يجعل 21% من سكان إسرائيل من العرب الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية. إنه من الصحيح، كما يقول ستيفنز بببساطة، أن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يمكن أن ينضموا للكنيست، لكنه يتجاهل حقيقة أنهم عرضة للتمييز في السكن، واستخدام وسائل النقل العام، والرعاية الصحية، والقبول الجامعي (هناك مجالات دراسية محددة لا يمكنهم التسجيل فيها)، وأن هناك أكثر من 50 قانوناً عنصرياً ضدهم. إذن، بينما يعتبر ستيفنز أن الإشارة إلى هذه العيوب معادية للسامية، ففي الواقع، يعد ازدراؤه الواضح لإنسانية الفلسطينيين، وتاريخ تجريدهم من منازلهم، ومعاملتهم إما كمواطنين من الدرجة الثانية في إسرائيل أو كضحايا للاحتلال الوحشي، لا يمكن وصفه إلا بأنه عنصري. في النهاية، إذا كنا صادقين مع أنفسنا، فنحن في وضع يجب معالجته. إن التغيير قادم. ويجب على أولئك الذين تمكنوا من استخدام الضغط لإسكات النقاش حول السلوك الإسرائيلي والحقوق الفلسطينية أن يعلموا أن الاستمرار في ذلك لن يسكت أصوات المعارضة، بل سيجعلها أكثر قوة. والرسالة واضحة وجلية -«انتهت اللعبة!».