الجمعة , 22 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

“سكتنا له فدخل بحماره”…بقلم: د.أنور العقرباوي

كان من البديهي والطبيعي، في ظل أنظمة لا يلتزم معظمها بالإرادة الوطنية الشعبية، وتقاعس الجماهير عن دورها في تقرير مصيرها ومستقبلها، أن أتاح ذلك المجال أمام قوى طامعة خارجية، في التسلل إلى الذات العربية، سعت من خلال ذلك إلى إستبدال مفاهيم التحرر والأمن القومي العربي، وتخلفها بمفاهيم مدروسة ومغلوطة، التي لا تعترف في شرعية التحرر من الإحتلال، ولا تراعي قدسية سلامة كيانات تاريخية بحد ذاتها، حتى كاد تغاضينا على تدخلاتها في صلب أمورنا، أشبه ما يكون بالإذن لها في المرور بلا مانع في أي زمان أو مكان!

يقول المثل الشعبي العربي، كناية عن تدخل وتمادي البعض في شؤون غيرهم، نتيجة تساهل الغير في حقوقهم دون مبالاة إلى مكانتهم، يقول “سكتنا له فدخل بحماره”! وفي تفاصيل هذا المثل، قيل: أن كبار قرية كانوا يجتمعون لمناقشة شؤونهم كل يوم، وكان عندهم من الإحترام، أن المار على أقدامه عند مروره على جماعة من الناس، أن يقف قليلا متوجها بوجهه لهم فيطرح السلام ويمضي، ومن أتاهم راكبا حماره أن يترجل ثم يطرح السلام ويمضي على قدميه خطوات قبل أن يعتلي حماره، وذات مرة جاءهم أحدهم راكبا حماره وقد طرح السلام دون أن يترجل عنه، حيث اعتبر كبار القرية تصرفه هذا هفوة أو غلطة، تكرر المشهد نفسه في اليوم التالي، فما كان من الجمع إلا أن تلفتوا إلى بعضهم وهم يضحكون على فعلته، وكأن لسان حالهم يقول عنه، أنه ربما كان في عقله شيء، فلم يلوموه على ذلك، ثم حدث أن أمرا طارئا ألم بالقرية، حيث استدعى ذلك دعوة أهل القرية الإجتماع للنظر فيه، فدخلوا مترجلين إلى مجلسهم إلا ذاك الرجل صاحب الحمار اللذي دخل عليهم بحماره، فصرخ أحدهم قائلا “سكتنا له فدخل بحماره”!

في أثناء جولاته الإنتخابية الرئاسية، عكف العنصري ترامب على إطلاق تهديدات لم يسلم منها العرب والمسلمون بشكل خاص، متوعدا الأنظمة وخاصة تلك التي تدور في فلك أمريكا، بأن تدفع ثمن لقاء الحفاظ على عروشها، والتوعد بعدم السماح للمسلمين بدخول أرض بلاده، دون أن يلقى ذلك أي إدانة أو تنديد من المعنيين بالقضية، وحين وصل إلى بيت الشر الأسود، كان له ما أراد حين حل زائرا على السعودية، وهو يغتصب مدخرات أهل نجد والحجاز، كي ينعش إقتصاد بلاده! وإلتزاما منه مع توجهات الفكر اللذي أوصله الحكم، وإزاء الصمت الرسمي والشعبي العربي، لم يتردد حتى في أن يدوس على أقدس قضاياها، والإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني المحتل! ولما كانت ردود الفعل العربية قد اقتصرت على البيانات المتفق على سقوفها، والجماهير العربية التي أسقطت يوما حلف بغداد، قد اكتفت بالشجب والإدانة على منصات التنفيس الإجتماعي، فإنه لم يتوانى بالإمعان في إهانة الذات العربية، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في الإعتراف بهضبة الجولان العربية السورية، ملكا لمن لا حق لهم فيه!!

المفارقة أن ترامب لم يركب حمارا أسوة بصاحبنا حتى يدنس مقدساتنا، بل ركبنا جميعا حكاما ومحكومين، حين سكتنا ودخل علينا بغروره، ورحنا مثل الحمير ندوس بأنفسنا عليها. وإذا كان لنا في النهاية من كلمة أخيرة تشفي العليل والحق يقال، فإننا نحمد الله اللذي وهب لنا سيادة الرئيس دونالد ترامب، حتى تستيقظ شعوبنا من غفوتها، التي وكما أكررها على الدوام، أنها ما أن تستيقظ من نوم، حتى تغط في سبات أعمق منه، دون أن نغفل عن التنويه على أهم مآثره، وهو يذكرنا بأن القانون الدولي إنما هو بدعة المستكبرين على الأرض، وذريعة المتخاذلين والمخادعين من الحكام، وأن ما أخذ بالقوة لا يمكن له أن يسترد إلا بالقوة!

* فلسطيني واشنطن

 

 

شاهد أيضاً

الناخب المسلم والعربي وحسن الاختيار في سباق الرآسة الأمريكي…بقلم د. أنور العقرباوي*

يشكل السباق للوصول إلى البيت الأبيض وما يتخلله من جدل ومناظرات، الذي عادة ما ينحصر …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024