لورانس ويليكيرسون عقيد سابق في الجيش الأميركي ورئيس هيئة موظفي وزير الخارجية الأميركية كولن باول عام 2003 يرى في تحليل بعنوان «محن الإمبراطورية» نشر في عدد من المجلات الإلكترونية ومن بينها «ذي ستاندرد» النيوزيلاندية التي تصدر عن اتحاد العمال أن مظاهر «تآكل وانحدار الإمبراطورية الأميركية بدأ يظهر لأن انهيار الإمبراطوريات عبر التاريخ حمل معه أعراضاً تشبه ما تحمله الآن الإمبراطورية الأميركية من أعراض واضحة».
ويحدد ويليكيرسون ما يحدث للإمبريالية الأميركية من تآكل بعدد من العوامل:
1- أن هدفها أصبح بشكل رئيس هو المحافظة على الأمر الواقع الذي حدد قوتها.
2- تقدم دعماً بالتدريب والمعدات الحربية وغير الحربية لدول حول العالم يتسبب باضطهاد المواطنين العاديين في تلك الدول.
3- في هذا العصر الحديث بدأنا «نشهد تقدماً متسارعاً لإمبراطوريات وكذلك زوالٌ لإمبراطوريات» والإمبراطورية التي تتآكل «تميل دوماً إلى تفضيل استخدام القوة العسكرية وإلى الاستعانة بدعم لقوتها من مرتزقة تتعاقد معهم ويجري استخدامهم كمواطنين عاديين ولا يعودون يقاتلون من أجل أوطانهم».
وهذا ما يميز الآن الولايات المتحدة, وهذا ما فعلته حين تعاقدت مع عشرات الآلاف من المرتزقة لغزو العراق ومنحتهم الجنسية الأميركية وهم من دول أخرى.
ويضيف ويليكيرسون أن «الإمبراطوريات التي تتآكل يظهر فيها الإفلاس المالي والمعنوي والأخلاقي وتبدأ بالسيطرة عليها طبقة نخبة الممولين والبنوك وتصبح الشخصيات المهمة فيها غير قابلة للمحاسبة بموجب قوانين البلاد ومبادئها».
وهذا ما تثبته طبيعة إدارة ترامب والذين يعملون معه في إدارته وخاصة في هذه الأوقات، ويستنتج ويليكيرسون أن «التاريخ يعلمنا أن الإمبراطورية الأميركية ربما بدأت تنتهي وأصبحت المسألة تتعلق بكيفية التقاط قطعها وهي تنهار كدولة كبرى تواجه ساحة من دول كبرى».
ويصف الولايات المتحدة الآن بالعجز «عن أن تحكم نفسها أو الاهتمام بشعبها بينما تستمر بالانخراط في كمية من المجابهات القتالية وعمليات الإلهاء خارج حدودها».
ويكشف أيضاً أنه لا توجد أي وزارة أميركية تتعامل مع تغير المناخ إلا وزارة الدفاع فقط رغم أن خبراء وكالة ناسا الفضائية يتنبؤون بأن «يشهد عالمنا عام 2100 عدم بقاء ما يكفي من الأراضي القابلة للزراعة حتى لإطعام 440 مليوناً من البشر».
واعترف ويليكيرسون أن «العالم بدأ يرى أن الولايات المتحدة غير كفوءة ولم تعد بالقدر نفسه من القوة التي كانت لها، وأن هذه الهوة ستزداد ولذلك إما أن نقوم بتغيير هذه البلاد أو أننا سننهار معها».. ويسخر من «اتفاقية الشراكة الأميركية عبر الباسيفيك» التي جرى التوقيع عليها عام 2016 والتي تضم 12 دولة من بينها استراليا وكندا واليابان وماليزيا قائلاً: إن هذا يجعلنا نتساءل: ما السبب الحقيقي لاتفاقية كهذه نستثني فيها أكبر دولتين في الاقتصاد الصين وروسيا؟
ولا شك في أنه من الواضح أن قوة الولايات المتحدة كدولة عظمى بدأت حقاً تتآكل ويظهر ذلك جلياً في عدم قدرتها حتى الآن على حسم حربها في أفغانستان بعد 18 عاماً من الغوص في مستنقعها وهي أكبر حرب تطول في تاريخها, كما أنها لم تحقق كل أهدافها في غزوها العراق وأجبرتها المقاومة العراقية على سحب كل جنود الاحتلال من العراق كما أنها تعاملت من موقع الضعف النسبي أمام كوريا الديمقراطية التي أصبحت دولة نووية رغم أنف الولايات المتحدة وحلفائها وكل أشكال الحصار ضدها. فالولايات المتحدة لم تستطع بعد انتهاء الحرب الباردة لمصلحتها – بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات – إيقاف تزايد القدرة العسكرية لدول إقليمية مناهضة لهيمنتها مثل إيران وكوريا الديمقراطية، وفي المقابل لم تستطع الولايات المتحدة زيادة قوة دول إقليمية حليفة لها تنفذ سياساتها مثل السعودية الغائصة في حرب اليمن ومثل الكيان الإسرائيلي الذي تحولت جبهة الشمال – الممتدة من حدود جنوب لبنان حتى حدود الجولان – بالنسبة له إلى أكبر خطر على مستقبله ووجوده بموجب اعتراف نتنياهو وقادة الجيش الصهيوني في فلسطين المحتلة.
فالولايات المتحدة، إضافة إلى ما يعدده ويليكيرسون من أعراض تآكل قوتها لم تتمكن، حتى في مناطق حلفائها، أو من تحولهم إلى قوى بشرية عسكرية لخوض حروبها، من حسم هذه الحروب لمصلحتهم ولا لمصلحتها تالياً، برغم كل الأسلحة التي تقدمها لهم.