لقد كان متوقعا أن تقابل احتجاجات واعتصامات الشعب السوداني، من أجل تغيير نظام حكمه العسكري، الى نظام مدني، بعنف وقمع شديدين، خصوصا بعدما وصلت المفاوضات بين ممثلي قوى التغيير، والمجلس العسكري الى طريق مسدود، كشف الوجه الحقيقي لبقايا نظام باعوا أنفسهم الى حكومتي الرياض وابو ظبي ويريدون مواصلة الامساك بزمام السلطة في السودان، وبنفس الوتيرة السابقة. الوجه الذي أظهره المجلس العسكري في تعامله مع الشعب السوداني، خلال أحداث فض اعتصام شارع النيل كشف زيف ادعائه بأنه مؤتمن على حقوق ومصالح الشعب، فما شهده حادث الاعتداء كان مرتكبا بمنتهى القسوة وعن سابق إصرار وتعمد، استعملت فيه قوات المجلس العسكري الخاصة الرصاص الحي، ما أسفر عن مقتل وجرح المئات من أبناء الشعب السوداني، وإلقاء جثثهم في النيل بعد ربطها بالحجارة، تقليلا من حصيلة الضحايا الثقيلة، مؤكدة عقلية المجلس العسكري الدكتاتورية، التي سعى بها لفرض منطقه، بالإعتماد على إرهاب المعتصمين، وإجبارهم على ترك الشارع بالقوة المفرطة. لقد كان حريا بهؤلاء العسكر أن يسحبوا جيشهم من اليمن، وإصلاح أخطائهم الكبيرة المرتكبة بحقه، وقفا لنزف دم الشعب اليمني المظلوم، وحفظا لدماء جنود سودانيين لا ناقة لهم ولا جمل، في العدوان الدائر على أرض اليمن، وبالتالي القطع مع سياسة العدوان، التي رسمت نظام حكم عمر البشير، خصوصا في بيع ابنائه من الجيش بالدون – رخيصة ارواحهم ودماءهم – مرتزقة لقوى العدوان، الذي لا تزال سياسته معتمدة وقائمة، بواسطة نفس الادوات العسكرية، والتي كشفت منذ الايام الاولى للانقلاب على رئيسها، عمالة وولاءها للسعودية والامارات، فقد ظهرت من خلال الزيارة التي قام بها رئيس وفد المجلس العسكري الى عاصمتي البلدين الرياض والمنامة، بما تضمنته من تاكيد على مواصلة نهج الارتزاق السيء، بالقوى البشرية للجيش السوداني، الذي تتالف عناصره الدنيا اساسا، من الطبقة المسحوقة من الشعب، وان كان لا حول له ولا قوة، الا ان الشعب السوداني نفسه، ليس مبرئا من تبعات سكوته وصمته على ما بجري. توجه اعضاء هذا المجلس الى التشاور مع نظامي السعودية والامارات، وتلقي الاوامر منهم، هو تعبير واضح، لا يحتاج الى تفسير، يؤكد ان انخراط السودان في العدوان على اليمن لا يزال قائما، ولا يمكن ان ينتهي بمجرد تحرك فئات الشعب السوداني، طالما ان هؤلاء العسكريين لا يزالون قابضين على زمام الامور في السودان. من هنا نفهم ان انقلاب العسكر السوداني على رئيسه لم يقع لاجل مصلحة الشعب والبلاد، بل كان انقلابا على رمز انتهت صلاحياته، وظهور من بامكانه ان يواصل نهجه بقوة اكبر، والبصمات السعودية والاماراتية بدت واضحة لا تقبل التشكيك فيها، وبالنتيجة فان السودان على هذا النحو من السيطرة العسكرية ماض بنفس عقلية العمالة، التي ستزيده غرقا في مستنقع الهيمنة الخليجية. ما يحصل اليوم في السودان، لا يخرج عن دائرة اللعنة اليمنية التي حلت باهله، اذا ان لكل ظالم ومعتدي حساب سيلقاه، وقد بدا الحساب في السودان، وبايدي السودانيين انفسهم، سكوتهم عن الحق قد عادت عليهم بالوبال، وعليهم من اجل رفع هذه اللعنة الحالة بهم، ان يثوروا في وجه المجلس العسكري، وينهوا هيمنته عليهم، اذ لا مناص لهم من ذلك، ان ارادوا فعلا التكفير عن جرائم عسكرهم الخارجية والداخلية. اعتقد ان ارادة الشعب اقوى من ارادة حفنة من ضباط عملاء، اذا تظافرت الجهود واتحدت الكلمة، ولم تزعزع التضحيات اقدام الثائرين، لان القادم يحتمل ان تكون ضريبته اكبر، والسودان مقبل على غد متارجح بين استمرار نظام حكم العسكر، وصولاته وجولاته التآمرية، وبين تحقق رغبة الشعب السوداني في حكم مدني عادل، نابع من صميم ارادته، دون املاءات خارجية، يعيد لبلاده ماء وجه، اذهبته التبعية والعمالة للسعودية والامارات، ويبدو ان ترجيح حكم العسكر سيبقى الاقوى، طالما ان امريكا يخدم مصالحها في اخضاع اليمن بقاءه متحكما في مصير البلاد، وسبب اخر يزيد من استمرار الحال على ما كانت عليه زمن البشير، الذي يتواصل بقيادة المجلس العسكري، وهو ضعف القيادة المدنية للحراك الشعبي، تلك التي بدا الشقاق يدب فيها، والزعامات التقليدية تعتبر سلبية في مواقفها وادائها، السؤال المحير اليوم مفاده: الى اين يسير السودان يا ترى؟ االى نفاذ دعوة المظلوم ونفاذ وعد الله في الانتقام من المعتدين على الشعب اليمني؟ ام الى انفراج لأزمته؟ لكنه يبدو بعيدا عن المنال، فمن تلطخت ايدي عسكره، بدماء اشقاء ابرياء معتدى عليهم، ستنفذ فيه دعوة المظلوم، وستحلقه لعنة من الله والملائكة والناس.