دائما ًهي الجزيرة البريطانية التي إختفت حدودها البرية, فصبت كامل جهودها على حدودها البحرية, وطورت أساطيلها ومدافعها, وانطلقت قرصانا ًيجوب البحار والمحيطات, بحثا ًعن النفوذ وأموال الغير, وبالمال الصهيوني تحولت إلى أكبر القراصنة اللذين عرفهم التاريخ, ودُعيت “جحافلها” وأساطيلها البحرية بـ “قرش البحر القاتل”….
هكذا أصبحت بريطانيا القوة العظمى التي حكمت وتحكم العالم بوجهيها الظاهر والمستتر, وتراجعت إلى ما وراء الستار بعد إكتشاف وبلورة قوة القارة الأمريكية وسيطرة الحركة الصهيونية عليها, واقتصر دورها الظاهري على استمرارية العبث بدول القارة العجوز وحيث تصل أياديها, لكنها حافظت على دورها الخفي, واستمرت بحياكة كافة المؤامرات حول العالم وتحديدا ًحيال الشرق الأوسط, فقد تبنت دور أم “الصبي – الشرير” في إحتلال فلسطين وتشريد شعبها, لإطلاق الوعود ودعم تنفيذها لإقامة “الكيان الغاصب” على أرض فلسطين, مستغلة ًالأموال الصهيونية, وتفوقت على كافة دول قارتها وأقرانها من المستعمرين واللصوص والقراصنة.
هكذا يهلل الإسرائيليون لكل من يحكم بريطانيا, سواء كان ماي أو كوربن أو هانت, أو جونسون, وهكذا تندفع حكوماتها بعكس مصالح شعبها, لخدمة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية والداخلية, والتي تمسك بخيوط اللعبة, وتدفع بكافة المراكب نحو المصالح الصهيونية في مواجهة إيران والصين وروسيا, وفي المواجهة الدولية على الأرض السورية وبمواجهة الجيش العربي السوري الذي أكد وبدون أدنى شك أنه يدافع عن سورية وفلسطين والهوية العربية والإنسانية للبشرية جمعاء.
هي بريطانيا اليوم, التي لم تنفك يوما ًعن لعب دور القرصان البحري, في مياه الخليج والمتوسط وحيث تتواجد البحار والمحيطات, هي بريطانيا التي احتجزت الناقلات والسفن الإيرانية بالقرب من مضيق هرمز, وفي مضيق جبل طارق, عبر ذرائع سخيفة لقرصانٍ يدعي تطبيق القانون الدولي ..!
وفي وقتٍ تحتاجه الولايات المتحدة والرئيس ترامب لتمرير الإنتخابات الأمريكية, تطفو مراكب القرصان البريطاني لشغل الساحة وللمحافظة على سخونة التصعيد العسكري, وتؤكد دورها كأداة مسخّرة لخدمة المشروع الصهيو-أمريكي, وأنها لاعبٌ بديل في الوقت الضائع, دون أن تحظى بأدنى إحترام أو حماية أمريكية.
في وقتٍ يتحدث فيه البعض عن توريطٍ أمريكي – صهيوني للحكومة البريطانية, عبر مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون, الذي هلل للقرصنة البريطانية ووصف عملية الإحتجاز بـ “الخبر الجيد”… يلبس الساسة البريطانيون ثوب العفة, ويتحدث البريطاني جيرمي هانت عن استياء ورفض بلاده لإحتجاز إيران ناقلة ًتحمل العلم البريطاني, ويؤكد على ضرورة الحفاظ على حركة السفن البحرية “بأمان وبحرية في المنطقة”… متجاهلا ًقرصنة بلاده في مضيق جبل طارق في الرابع من تموز الحالي, بذريعة إنتهاك الناقلة الإيرانية للعقوبات الأوروبية التي تمنع نقل النفط إلى سوريا, ضاربا ًعرض الحائط بالقواعد والقوانين الدولية الناظمة لحركة ومرور السفن التجارية في المضائق والممرات الدولية.
ومع تهاوي كافة الإدعاءات والأكاذيب التي ساقتها الحكومة البريطانية لتبرير قرصنتها البحرية, يتبين ومن خلال عشرات الأدلة, ومما تناقلته الصحافة البريطانية والعالمية, أن ما قامت به بريطانيا ليس سوى جزءا ًمن مخطط كبير يتم تحضير مسرحه بالتنسيق الكامل مع إدارة الرئيس ترامب لتشديد الحصار والضغوط على الإقتصاد الإيراني والحد من قدرته على التصدير, وبطلبٍ من الولايات المتحدة الأمريكية.
يبدو أن الأمريكيين سعوا لتفيذ عملية القرصنة عبر بريطانيا, ليس بهدف تطبيق عقوبات الإتحاد الأوروبي على سوريا فقط ، بل للدفع للمزيد من إستعداء إيران وخنق شريان الحياة فيها, بغية استفزازها ورفع إحتمالات شن الحرب المباشرة عليها… الأمر الذي لن يقدم للبريطانيين سوى إنهيار ما تبقى من سمعتهم الدولية, وما تبقى من الثقة الإيرانية – الأوروبية, في وقتٍ كان الأجدر ببريطانيا أن تدعم الإتفاق النووي وأن تقف إلى جانب شركائها الأوروبيين … وكلها أمورٌ تؤكد بمجملها عمالة العرش البريطاني وتبعيته للشرّ الصهيو –أمريكي, في إشاعة الفوضى وتهيد الملاحة البحرية في مضيق هرمز وغير مكان.
بات من الواضح أن التصعيد العسكري والحروب التجارية التي تسوقها الإدارة الأمريكية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية, تحت ذريعة تعديل الإتفاق النووي الإيراني الذي تراه إدارة ترامب غير عادلٍ وغير منصف, ما هو إلاّ كلام خيالي يسعى لذر الرماد في العيون, ولم يعد خافيا ًعلى أحد الدور الهدام الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية كثورٍ جريح تمت إزاحته عن قمة العرش الدولي في عالمٍ متعدد الأقطاب, لن تكون فيه السيد والشرطي واللص باّنٍ واحد.
ولحين تبلور ملامح النظام العالمي الجديد, تسعى كافة الدول بما فيها الدول العظمى والكبرى, لتقديم ثبوتيات هيمنتها ونفوذها على أوسع نطاق, في وقتٍ تسعى فيه الدول التي تستشعر الهزيمة أو التراجع لإشاعة الفوضى والتهديد بالحروب, وما “أسعد” العالم بوصول بوريس جونسون إلى سدة حكم المملكة المتحدة, وهو الشبيه وربما النسخة الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب, ويحق للعالم أن يتوخى الحذر, وأن يشعر بالخطر القادم, من حقبةٍ قادمة يجتمع فيها ترامب وجونسون, وعشرات المتطرفين اليمينيين اللذين أخذوا يحتلون غالبية سدات الحكم حول العالم.