عندما تعيش حركة بعد سنين من النضال والمعاناة حالة من ألاضطراب النفسي يجعلها تتخيل أشياء وأحداث لم يسجله لها التاريخ، فيتهيأ لها بانها المنقذ من الضياع، وهذا الأمر خطير فيمن يدعي الطبابة وهو لا يعرف عنها كيف يجب أن تكون، ونحن ليس بدافع الفضول نتساءل وانما بدافع تجلية الحقيقة وبيان الامر متى أنقذت حركة النهضة تونس؟ نبئونا بالجواب انا نراكم من المحسنين؟
كل ما نعرفه جميعا ان حركة النهضة زمن بورقيبة وبن علي تأسست لأجل نشر الفكر الإسلامي والالتزام وبآدابه في المجتمع التونسي، لكن الطريق المنغلق والمتشدد الذي سلكه دعاتها لم يكن السمح للحركة بغير ما حصلت عليه من أنصار، لكن السلطة ذات التوجه الغربي العلماني (ان صح التعبير) رات أنها في وقت ما أصبحت تشكل خطرا عليه فاطلقت عليها قواتها الأمنية في مناسبات عديدة أهمها سنة 1981 في عهد بورقيبة وفي سنة … في عهد بن علي وكانت الاخيرة هي الأسد فتكا بالحركة، فناضلت وضحى أفرادها لأجل وجودها وبقائها وهذا ليس عيبا وانما هو شرف ونضال يرى بعين التقدير رغم الاختلالات التي تخللت ذلك من هروب لعناصر دون آخرين ونزول بعض من بقي قسرا عند إرادة الأمن بالتعامل معه في تقديم المعلومات عن رفاقهم الى الداخلية، اما ان يقع تحويل ذلك النضال، ليصل إلى اعتباره إنقاذا لتونس، فهذه مبالغة لا تحتمل التصديق من اي طرف، حتى لو كان من ابناء النهضة أنفسهم.
كلامي هذا ليس فيه دعوة ضد احد، وانما أردت أن أعبر بكلمة حق، عما صدر عن رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، في كلمة ألقاها خلال اجتماع عقده بأنصاره في سوسة، مساء السبت 21/9/2019 : “النهضة كما وصفها الفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي، هي سفينة نوح التي أنقذت تونس بالأمس، ومازالت البلاد في حاجة لها لإنقاذ الشعب”.
وأعتقد أن هذا الكلام إنشائي خيالي تماما ولا علاقة له بالواقع مطلقا، املته عليه نتائج الانتخابات، التي منيت فيها حركته بخسارة مرشحها الشيخ عبد الفتاح مورو في الانتخابات الرئاسية، بعدما كانت ورقة عبوره الى الدور الثاني في حسابه من تحصيل حاصل.
وعوض أن تعيد الحركة النظر في حساباتها، وتقرأ حصيلة الثماني سنوات عجاف، التي مرت على الشعب التونسي دون تحقيق شيء بواقعية، استمر القرع على طلب الدعاية للحركة، بطريقة غير واقعية، ومن شأنها أن تزيد من عزلتها في الوسط الشعبي والسياسي، وكان حريا بالشيخ راشد عوض ذلك، ان يقدم اعتذاره لأبناء حركته، او يقوم بما قام به كبار الشخصيات الرائدة في العالم، عند ارتكابهم أخطاء جسيمة، بالاعلان عن انسحاب مشرف، واستقالة دعاه إليها أعضاء قياديون في حركته، نصيحة منهم له، واشفاقا لما يمكن أن ينتهي إليه اصراره، على مواصلة نفس النهج، ليبقى رئيسا شرفيا مؤسسا، ويترك مكانه لشخصية شبابية، كفوءة في المكتب السياسي، بإمكانها أن تعيد ترتيب البيت النهضاوي، بما يساعده على استعادة ثقة انصاره، واطمئنان الشعب لها، بتصحيح مسارها والاعتذار عما صدر من بعض قياداتها، فغرض المصلحين دائما الإصلاح، وليس التشبث بالزعامة وكرسي القيادة، دون أن يقدموا الاضافة المرجوة منهم.
وحتى لا يرى من مقالي سوى الجانب السلبي، من طرف أنصار الحركة -فعادة ما تنصرف رؤيتهم عند كل نقد يوجه إليهم الى تلك الوجهة – أقول ان تونس بحاجة إلى جميع مكوناتها السياسية والفكرية، الثقافية والعلمية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، واجتماعها من أجل تونس، يكون افضل واجدى من افتراقها واختلافها، ويتيح فرصة الاستقرار السياسي والاجتماعي للجميع، في فترة حساسة تمر بها البلاد.
سفينة نوح واحدة في بحر الغضب الالهي، ومثالها واحد لا غير قاله النبي صلى الله عليه واله وسلم (أن مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من راكبها نجا ومن تخلف عنها غرق.) فكيف تنكر يا شيخ ان أهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم في مقام سفينة نوح اصطفاهم الله لطفا منه، لأجل إنقاذ الامة الاسلامية من الانحراف والضلال، فيغيب ذلك عن ذهنك، ليستنبط لك فيلسوفك ابو يعرب من خياله مثالا لسفينة نوح باسم حركة النهضة؟
ليس عيبا أن يقف المرء بينه وبين نفسه وخالقه فيراجع نفسه خصوصا اذا تعلقت به حقوق غيره، وحقوق الناس أولى بالمراجعة، من أجل ادائها، ولستم معصومين أيها المتصدرون للساحة السياسية، حتى لا يرى منكم غير السلامة في التقدير والرعاية والتوجيه، وليس هذا من باب الإدانة واثبات الخطأ، بل من باب الإصلاح، والاخطاء ليست محصورة في حركة النهضة فقط، بل ان أخطاء غيرها من الائتلاف الحاكم اشنع وافظع، فلماذا لا يبادر الصادقون من اعلام السياسة والفكر في بلادنا، فيعبرون مرة في حياتهم في لحظات مكاشفة مع أنصارهم ومع الشعب، تعيد لهم بعض الطمأنينة؟