عندما نتكلم على القيم والمبادئ، وعن الدين والإنسانية واساسياتهما، يجب أن نضع في حسابنا ما سيترتب على ذلك من مواقف، تكون مطابقة لما حملناه والتزمنا به. فلا يعقل بعد ذلك أبدا، أن تتناقض مبادئنا مع مواقفنا، الى حد لا يمكن قبولها بطوارئها ونتائجها.
ان ما أثلج صدري، ودفعني إلى مناصرته بكل إرادة وقناعة وعزم، هو المرشح لنيل منصب رئيس جمهورية، الأستاذ قيس سعيد، الذي قدم للشعب خطوطا عريضة، وأوضح مبادئ، ما اجتمع في رؤيته للسياسة الداخلية والخارجية، من أفكار التي يريد تطبيقها، عندما يختاره الشعب في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، ليقوم بدوره على ذلك الاساس، في قيادة مسيرة البلاد، أملا فيما سيقوم به، وان كانت حظوظ نجاحه على ذلك الاساس تبدو ضعيفة .
ان من جملة ما صرح به السيد قيس سعيد، وهي رؤى مهمة، لم يجرؤ على قولها قبله احد، ممن كانت قدماه قريبتان من كرسي الحكم، لأنها كانت تمثل عائقا جديا، يحول بينه وبين منصب رئاسة بلاد، سياستها لا تزال تعيش تحت تأثير القوى الخارجية، وعبثها بقراراتها السيادية ( فرنسا امريكا)، وعمل ساستنا القدامى والحاليون على تنفيذها، مرحلة بعد أخرى.
قيس سعيد لم يأخذ بعين الاعتبار العوائق التي وضعها المتحكمون فينا، فنطق متحديا قوى الاستكبار العالمي، بمطلب اراده الشعب التونسي ان يكون تتويجا لثورته، باعلان التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق، من اجل تحقيق مطلبه المشروع، في تحرير كامل أرضه من الصهيوني المحتل، فقال: أننا في حالة حرب مع الكيان الصهيوني، معتبرا أن التطبيع معه خيانة عظمى.
من واكب الثورة التونسية، وعايشها معايشة حقيقية، لا يزال يتذكر مطلبا من مطالب شعبنا الأبي الغيور،( الشعب يريد تحرير فلسطين)، جاءت دعوته لتحقيقه، نتيجة ما عايشه في محطات سيئة، من تاريخ سلطة نظامه السياسي، تنازل خلالها تدريجيا عن القضية الفلسطينية، تنازلا خذل به شعبها، عندما قام بن علي بفتح مكتب علاقات مع الكيان الصهيوني، اواسط سنة 1996، تنفذا لاوامر اسياده الغربيين، فضح به تاريخا قديما من التآمر – كان خافيا – على اقدس قضية اسلامية، شغلت الشعوب العربية والإسلامية، منذ أن تأسس الكيان الصهيوني، شكل به غدة سرطانية تعمد اعداؤنا غرسها هناك، لتكون عائقا في طريق وحدتنا، وسببا رئيسيا من أسباب تأخرنا، ولولا خذلان الزعماء العرب والمسلمين العملاء لها، لما وجد كيان محتل غاصب مستهتر، ومتحد لإرادة المجتمع الدولي على أرض فلسطين.
وأذكر هنا على سبيل الإشارة، كلمة قالها الإمام الخميني ذات مغزى عميق، وبعد توحيدي كبير، موجها اياها الى شعوب الأمة الاسلامية ونخبها: “لو ان كل واحد من المسلمين حمل سطلا من الماء، والقاه على إسرائيل لجرفها السيل”.
قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، إذا هي قضية الشعب التونسي، وجميع الشعوب الحرة الأبية، معاناته اليومية هي معاناتنا، ومقاومته الباسلة هي مقاومتنا، التي يجب أن نقف لها، وندعمها بكل طاقاتنا، لان تحرير فلسطين والقدس، لا يقفان عند إرجاع الحق لأهله، وانما بتجاوزه لإثبات وجودنا جميعا، وتحقيقا لهدف نبيل نسعى اليه منذ تحملنا مسؤولياتنا، في الخلاص من القوى الاستعمارية والاستكبارية، الغاصبة لحقوقنا والمعرقلة لحركة نمونا.
فهل سيكون طوق نجاة هذا الشعب، وخلاصه من التبعية، باختياره الطوعي والارادي لوطني حقيقي، سيمثله وبادارته المخلصة والصادقة، سيحقق الاستقلال الفعلي عن القوى الاستعمارية، الناهبة الحقيقية لخيراتنا وثرواتنا، هي أمنيات ورؤى مشروعة، قد تتحقق – وليس ذلك على الله بعزيز- لو اجتمعت كلمة الشعب التونسي على هذا الرجل الوطني الصادق، ووقفت أطيافه جميعها معه، من اجل انتقال ديمقراطي، يستكمل المسار الثوري، الذي قطعه المفسدون في الأرض، الكلمة الاخيرة بيد الشعب، وهو الذي سيكتب أول سطر في تاريخه المعاصر، بخط الإرادة الصلبة وتقدير المصير، الشعب أراد تحرير تونس من القوى الغاشمة، وسيتوجه بعد ذلك الى تحرير فلسطين.