لم تكن هدنة الأيام الخمسة التي أعلنها أردوغان بعد لقائه بنائب الرئيس الأمريكي لإيقاف عدوانه ومنح الوحدات الكردية فرصة الإنسحاب من بعض المناطق في الشمال السوري, سوى مراوغة أردوغانية للحصول على فترة كافية للقائه الرئيس الروسي, للخروج من مأزقه نتيجة إعادة إنتشار وتموضع الجيش العربي السوري بما أعاق مخططه وتقدم قواته ومرتزقته, ووضعه أمام خيار مواجهة القوات السورية.
لطالما تأرجح أردوغان ما بين موسكو وواشنطن, على الرغم من تجربته (الإنقلاب 2016, العقوبات الإقتصادية) وشكوكه حيال أهداف الولايات المتحدة في تركيا والمنطقة على المدى الطويل, وثقته في شخص الرئيس بوتين, وبأهدافه الواضحة والمعلنة في محاربة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية, وبمنع إقامة دولة كردية على الحدود التركية السورية, إذ لا يملك أردوغان سوى المراهنة على منع حزب العمال الكردستاني والفصائل التي تصنفها تركيا بالإرهابية السيطرة على شمال شرق سوريا, وبإستمرار وجودها على الحدود, وهي ذرائع استعملها دائما ً لتبرير عدوانه وللتعمية على مشاريعه وأطماعه في سوريا, أمورٌ بمجملها دفعت به للتوجه نحو موسكو ولقاء الرئيس بوتين.
وصل أردوغان وعُقد اللقاء على وقع وكالة الأنباء السورية والشاشات الفضائية السورية التي بثت صور زيارةٍ مفاجئة للرئيس بشار الأسد لوحدات القوات السورية العاملة على الخطوط الأمامية في الهبيط بريف إدلب, حيث الرئيس الأسد واطمئن على جاهزية الوحدات, وأطلق من هناك رسائله المباشرة, ليؤكد أهمية تحرير إدلب ككل المناطق السورية بحسب:”الأولويات والوضع العسكري على الأرض”, وليؤكد: “أن “معركة إدلب هي الأساس لحسم الفوضى والإرهاب في كل مناطق سوريا”.
وقد جاءت زيارة الرئيس الأسد في هذا التوقيت بمثابة الصفعة لأردوغان وقوضت ونسفت سقف أجندات لقائه في موسكو, وأرسلت له ولأسياده ولإرهابييه أقوى الرسائل الميدانية, حول جاهزية القوات السورية للبدء بمعركة تحرير إدلب, وأنها رهن إشارة القائد لساعة الصفر.
الأمر الذي فرض ظلاله على اللقاء في موسكو, وأجبر أردوغان على إعلان وقف العملية العسكرية, من خلال ما دعي بالإتفاق الروسي–التركي, والذي على الرغم مما أشيع عن غموضه, وبأنه قد لا يقدم حلا ًواضحا ًومباشرا ً, وهناك من يرى فيه أنه قد يؤجل الحل على المسار التركي, خصوصا ًمع غموض الحديث عن منطقةٍ أمنية معزولة – بحسب وزيرة الدفاع الألمانية-.
إن تطبيق الإتفاق الروسي التركي ساهم بدفع قادة الكرد على سرعة التحرك نحو الكنف السوري بحثا ًعن الحماية والمصالحة مع الدولة السورية, خصوصا ً بعد التخلي الأمريكي المتكرر, وبالتوازي مع قبولهم بمجمل مسار الحل السياسي وتسجيل بعض التحفظات, الأمر الذي يسمح للدولة السورية بإستعادة سيطرتها على كامل المناطق التي كانوا يسيطرون عليها, وبإنهاء المغامرة والمقامرة الإنفصالية, كما يسمح الإتفاق للدبلوماسية الروسية والتي طرحت إستراتيجيتها عبر مساعدة الدولة السورية على إنهاء الحرب دون خسائر على مستوى وحدة الأراضي السورية ووحدة شعبها, على مساعدة كافة الأطراف السورية للجلوس على طاولة الحوار السوري – السوري , وبدون تدخل خارجي وبدون شروطٍ مسبقة.
إن إعلان “قسد” إنسحاب ميليشياتها من الشريط الحدودي مع تركيا ولمسافة 30 كم تطبيقا ً للإتفاق الروسي التركي الذي يمنحها مهلة 150 ساعة للإنسحاب, وموافقتها على تطبیق مبادرته استنادا ً إلى“اتفاقیة سوتشي” وضمان فتح حوار بنّاء مع الدولة السورية.
إن بدء الإنسحاب بالتنسيق مع الجيش العربي السوري, قوبل بترحيب الخارجية السورية التي رأت فيه خطوة ً “تسحب الذريعة الأساسية للعدوان التركي الغاشم على الأراضي السورية”…بالتوازي مع استمرار وإعادة إنتشار وحدات الجيش العربي السوري إلى الحدود السورية التركية في ريف رأس العين الشمالي الشرقي, بالإضافة إلى تقدمها وإنتشارها على محور تل تمر بريف الحسكة الشمالي ولم يعد يفصلها عن الحدود سوى بضعة كيلومترات.
ولا بد من التأكيد على ضرورة إلتزام قادة الوحدات الكردية بإلتزاماتها, وبتعزيز الثقة على الرغم من الغزل الأمريكي وبما يخدم نفاقه حيال الإنسحاب الجدي والفعلي من الأراضي السورية, فالمهمة الوطنية للسوريين لن تكون سهلة, وتحتاج أقصى درجات الوحدة الوطنية, خصوصا ًمع السلوك التركي كدولة ضامنة للإحتلال والأحلام والأطماع العثمانية, الأمر الذي لم يعد تهمةً أو تحليلا ً بعد تصريحات أردوغان الأخيرة والتي أكد فيها :”حق تركيا بالتواجد في دولٍ من بينها سوريا”.. الأمر الذي يؤكد سقوط ذريعة الأمن القومي التركي ما دفعه للمجاهرة بحقيقة أطماعه ومشروعه العصملي, ولتبرير تدخله السافر في سوريا على أنه حقه وإرث أجداده.!.
لم يعد أمام هذا “العبد”, سوى الرضوخ إلى مسار التسوية الحقيقي, الذي ينظم العلاقات الحدودية بين الدولتين السورية والتركية وفق الإتفاقات والقوانين الدولية لدول الجوار, ووفق إتفاقية أضنة لعام 1998, والتي يتهرب منها –حتى اللحظة–, لأنها تعني دون أدنى شك مغادرة القوات التركية وإنسحابها إلى الداخل التركي, وطي صفحة الذرائع والأطماع والأحلام التركية, والتي كانت الأساس وراء إنخراطه في مخطط الحرب الإرهابية على سوريا.