قوافل من الشهداء و الجرحى عند كل مواجهة، وكأنه الثمن المترتب الذي لا بد على الفلسطينيين دفعه، وهم يتقدمون رأس الرمح العربي والإسلامي في مواجهة العدو الصهيوني، دفاعا عن شرف وكرامة هذه الأمة من لدن عدو، لا يملك من الشجاعة سوى إستهداف الحلقة الأضعف في المواجهة، حتى لو كانت جل ضحاياه من الأطفال والنساء والكهول!
حدثنا التاريخ بكل فخر وإعتزاز إبان ثورة التحرير الجزائرية للتخلص من الإستعمار الفرنسي، كيف كانت الجماهير العربية تناصر قضايا أمتها العربية، بكل أشكال الدعم المادي والمعنوي، التي تخطت الطائفية والمذهبية والعرقية، على الرغم من عدم وجود منصات التواصل الإجتماعي الحديث حينها، حتى لا زلنا نذكر حتى يومنا هذا وما أسعدها من ذكريات، ونحن ننشد في الطابور الصباحي المدرسي “قسما بالنازلات الماحقات”، ونجود فيما توفر لنا من مصروفنا اليومي، ناهيك عن النساء اللواتي كنا يخلعن مجوهراتهن عن أجسادهن تبرعا إلى الثوار في الجزائر، إلى أن تمكن الجزائريون نتيجة كفاحهم وبطولاتهم من تحرير الجزائر عام 1962, الذي شكل انتصارهم حينها إنتصارا للأمة جمعاء، وهي تحصد ثمار تضامنها ومواقفها في الدفاع عن شرف وكرامة كل جزء من الأرض العربية. وبالتأكيد فإن هنالك الكثير من الأمثلة عن تأثير الشارع العربي، في مجريات كان لها أثرها في تغيير طبيعة النضال في مواجهة العدو الصهيوني، لعل من أبرزها كان وقوفه ودعمه اللامحدود حين إندلاع “إنتفاضة الحجارة” عام 1987, التي ما كادت أن تأتي أكلها، حتى تختطفتها لاحقا إتفاقية أوسلو المشؤومة، ومن بعدها إتفاقية “وادي عربة” الخيانية، التي مهدت لها كلها معاهدة “كامب ديفيد” الإستسلامية.
وإذا كانت أي مواجهة يفتعلها العدو الصهيوني، غالبا ما يكون الدافع من ورائها إما ترحيل لأزماته الداخلية، أو التمهيد لمتطلبات مرحلة قادمة من الحلول التصفوية التآمرية، فإن الذي يستعصي على المرء فهمه واستيعابه، ليس بالتأكيد ردود أفعال الأنظمة العربية المعروفة مقدما إن وجدت، اللهم إلا إذا كان لدى البعض القناعة الأكيدة بأنه يمكن “حلب التيس” أو أن “يبيض الديك”، بالقدر الذي يثير الإستغراب والحيرة، هو ذاك السبات العميق للشارع العربي والإسلامي إزاء قضاياه المصيرية، وهو الذي ما يلبث إن تضورت أحشاءه نقصا من بعض الثمرات، حتى يندب حظه عويلا يملأ صداه الأسماع، إلا عندما يتعلق الأمر بجزء من شرف وكرامة موطنه ومواطنيه، وكأن مستقبل الوطن والأجيال القادمة من بعده شيء لا يعنيه!
ولما نتفق أن غزة هي الحلقة الأضعف في المواجهة مع العدو، نتيجة جغرافيتها والحصار العربي-الصهيوني المفروض عليها منذ سنوات، فإنه يكفيها شهادة وفخرا مقارعة عدو يتسلح بأقوى معدات الدمار البشري، وما يترتب على ذلك نتيجة مقاومتها وصمودها الأسطوري من خلط للحسابات، عندما تحين ساعة المواجهة الشاملة، وحتى حينه نسأل الله العلي القدير، أن يثبت ويربط على قلوبهم، إلى يوم النصر العظيم!
فلسطيني واشنطن