ما يجري في العراق يدلل بشكل واضح على حرف مسار الحراك الشعبي الذي إبتدأ سلميا ودخول عناصر تخريبية على الخط منذ فترة تميزت بالاعتداء على الممتلكات العامة والحكومية وإضرام النار في العديد من هذه الممتلكات بالاضافة الى قطع الطرق وإغلاق الجسور الرئيسية مما يدل على ان هنالك عناصر تدفع في تأجيج الوضع الامني وتدهوره والدفع في مواجهات مفتوحة مع القوى الامنية. ليس هذا فحسب بل بإطلاق النار على بعض المتظاهرين ورجال الشرطة كما بينت بعض الصور التي التقطت أثناء التحركات، مما يذكرنا بما حدث في التحركات الجماهيرية في مصر والتي ادت الى سقوط نظام مبارك كما تذكرنا ايضا بما حصل في سوريا في بداية الاحداث وكذلك اوكرانيا وغيرها من العواصم التي شهدت ثورات ملونة، حيث تواجد بعض القناصين الذين كانوا يوجهون الرصاص الى بعض المتظاهرين وكذلك الى رجال الامن وذلك للتصعيد وتدهور الاوضاع الامنية في البلد المستهدف. ويجب ان نسجل هنا ان بعض القوى الامنية العراقية قد تصرفت بشكل غير مسؤول وإنضباط مما ادى ومنذ بداية الاحداث الى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.
لا شك ان التحركات الشعبية في بغداد والتي انتشرت في انحاء العراق وشملت العديد من المدن جاءت بعد فشل الحكومات المتعاقبة في توفير الحد الادنى من الخدمات الاساسية والضرورية للمواطن العادي من كهرباء وماء وفرص عمل وغيرها وبناء البنى تحتية التي دمرها الغزو الامريكي للعراق عام 2003 . وهذا عائد للفساد المالي والاداري المستشري في مؤسسات الدولة ونهب ثروات البلاد من قبل الشركات الاميريكة الكبرى وخاصة العاملة في مجال الطاقة وتكبيل الدولة العراقية بعقود تجارية وإقتصادية مجحفة وطويلة الامد والتي فرضت من قبل الاحتلال الاميركي للعراق والذي فرض نظاما سياسيا قائما على المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية وهذه السياسات التي فرضها المحتل الامريكي وبالتواطىء مع الاطراف وغالبية الاحزاب الفاعلة الان على الساحة العراقية هي من ادى الى الوصول الى ما نحن نشهده على الساحة العراقية الان .
والمتتبع للاحداث منذ البداية يرى وبشكل واضح الانحراف التدريجي لهذه التحركات وطغيان الجانب التخريبي عليها الى جانب تبني هذه الفئة الخريبية في التحركات الى أجندات سياسية محددة وهذا تجلى مؤخرا الى ان يقوم البعض منهم الى حرق القنصلية الايرانية في النجف وكأنهم يريدون تحميل إيران مسؤولية الاوضاع التي آل اليها العراق. هذه الاجندة السياسية تاتي ضمن التحرك الاقليمي والدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والسعودية والامارات على وجه التحديد ضد إيران ومحاولة جر الدول الاوروبية وغيرها الى محور للضغط على إيران وفرض عقوبات إقتصادية جديدة وإضافية والرجوع عن الاتفاقية الموقعة مع إيران حول برنامجها النووي، هذا بالاضافة الى المحاولة الجديدة من زعزعة الاستقرار الداخلي لايران بتحريك “الشارع” الايراني على نمط الثورات الملونة التي تدار من واشنطن والتي نجحت في العديد من الدول.
إن عدم التحرك ضد التواجد والنفوذ الامريكي والتعدي على سيادة العراق من قبل الادارة الامريكية وخاصة في الزيارات المتكررة للعراق من قبل مسؤولين رفيعي المستوى ومن ضمنها الرئيس ترامب والتي كان آخرها زيارة نائب الرئيس الاميركي بنس دون ان يكلف نفسه عناء الاتصال بالحكومة المركزية في بغداد لترتيب الزيارة والاجتماع بالقيادات الكردية وكأن شمال العراق لا يشكل جزء من الاراضي العراقية, يدلل على الهوية السياسية والاجندات الغربية التي ترتبط بها فئة على الاقل من ضمن الحراك الشعبي.
ولا شك ان العديد من المواطنين بدأت تتساءل عن ماهية الارتباط الكاذب بين مسلسل التخريب وحرق الممتلكات الخاصة والعامة ونشر الشعارات التي من شأنها إحداث الفتن الطائفية والمذهبية من جانب والمطالب الاقتصادية والقضاء على الفساد وملاحقة ومحاكمة الفاسدين من الجانب الاخر. وايضا عن ماهية الاهداف التي تسعى اليها هذه الفئة التخريبية ومدى ارتباطها بالاجندات الخارجية إقليمية كانت أم دولية والتي على ما يبدو تريد ان تبقي على حالة من عدم استقرار الاوضاع في العراق. وهنالك مؤشرات تدلل على نية مبيتة للعمل على تصعيد الصراعات الطائفية والمذهبية داخل الوطن الواحد وضلوع بعض القوى الاقليمية الى المساهمة الفعلية في تمزيق الوطن العراقي. ونشير هنا الى الاخبار الحديثة التي تتحدث عن ضلوع الامارات على وجه التحديد في السعي والعمل على إنفصال محافظة الانبار العراقية او إقامة حكم ذاتي بها وهذا ليس بالامر الجديد, هذا عدا عن التدخلات السعودية في الشأن العراقي الداخلي والتي لم تنقطع إطلاقا.
والاسف الشديد ان المطالب المحقة والعادلة التي حركت الشارع في البداية لم نعد نسمعها ولم يعد التركيز عليها وتم استبدالها بشعارات وممارسات طائفية ومذهبية من شأنها ان تثير الفتن والانقسام الافقي والعمودي في المجتمع العراقي. وهذا يعني ببساطة ان الانضمام الى كورس الفتن المذهبية والطائفية التي حاولت وما زالت تحاول بعض القوى الاقليمية والدولية العمل عليه وذلك لاخفاء الطابع السياسي لطبيعة الصراع في المنطقة وذلك بهدف الهيمنة والسيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها وحرف بوصلة الصراع في المنطقة وتثبيت سياسة الانقسام والتناحر في المجتمعات لتسهيل تنفيذ الاستراتيجية الصهيو-امريكية في المنطقة. وفي تقديري المتواضع هكذا يجب ان نرى طبيعة الصراعات في المنطقة لكي نتمكن من تحديد مواقفنا واستراتيجية الرد على المحور الصهيو-أمريكي وإعتماده على قوى إقليمية لتنفيذ استراتيجيته.