تدقّ المنظّمة العالميّة لمناهضة التعذيب، في تقريرها الصّادر امس الاربعاء، ناقوس الخطر حول مصير عديد التّونسيين المصنّفين والخاضعين لتدابير المراقبة الإداريّة التّابعة لوزارة الدّاخليّة والضّاربة للحريّات في إطار سياسة مكافحة الإرهاب. “أن تكون مصنّفا – اعتباطية تدابير المراقبة الإداريّة في تونس” هو تقرير يحلّل عبر حالات ملموسة، اعتباطيّة هذه التّدابير والاثار المدمّرة التي تتركها عند كلّ من يخضع لها.
واكدت مديرة برنامج سند نجلاء الطالبي في تصريح لموقع “المحور العربي” ان هذا التّقرير تعتمد على تجارب لعشرين منتفعا من برنامج سند للمساعدة القانونيّة والاجتماعيّة والنفسيّة والطبّية لضحايا التّعذيب وسوء المعاملة والتّابع للمنظّمة العالميّة لمناهضة التّعذيب في تونس.
واضافت الطالبي، ان عشرون شخصًا ترمز قصصهم إلى سياسة قمعيّة فُرضت على عشرات الآلاف من التونسيين الذين تعرّضوا لاعتداءات تعسفية على حقوقهم الأساسية لسنوات، باسم مكافحة الإرهاب. ويشترك الضّحايا العشرون في أنّهم مصنّفون بسبب خطورتهم المزعومة وفي أنّهم خاضعون لتدابير تحدّ من حرّيتهم بمعالم غير واضحة، بدون أسس قانونيّة وبدون دوافع أو حدود زمنيّة.
“ان تكون مصنّفا” يبيّن آثار تدابير المراقبة الإدارية المدمِّرة على الأشخاص الخاضعين لها وعلى عائلاتهم، فكما يوضح أحدهم، تُعتبر تدابير المراقبة من قبيل “الحكم الذّي لم ينطق به أحد ويتمّ تطبيقه من قبل الجميع”، ولعلّ فقدان الوظيفة والطلاق والعزلة والصدمات المتكرّرة للوالدين وللأبناء والقلق والاكتئاب هي من أبرز هاته الاثار.
وهذه شهادة احد المتضررين:
يوجد العشرات والمئات بل ربما الآلاف من الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في وضعيّات هشّة ومتزعزعة كل يوم. فالحال أنّ الأمر تجاوز مرحلة عدم إحساس هؤلاء الأشخاص بمواطنتهم وتمتّعهم بحقوقهم، وبلغ حدّ احساسهم بعدم إنسانيّتهم وبعدم أحقيّة وجودهم في المجتمع. “إنهم يتأكدون من أنني لن أستطيع العيش… بل انني فعلا لم أعد أعيش.”
وتعتبر الأخصّائيّة النّفسيّة ريم بن إسماعيل، والتّي ترافق منتفعي برنامج سند منذ ستّ سنوات، أنّ “هاته التدابير تمثّل فقدانا لكل المقاييس على المستوى النفسي والاجتماعي ذلك أنّها تولّد تهميشا حقيقيّا يُفضي في أغلب الحالات الى قطيعة اجتماعيّة تُوصف بالخطيرة بالنسبة للأشخاص المصنّفين وبالنسبة للمجتمع ككلّ.”
بناءً على الشهادات التي تمّ جمعها، يستعرض هذا التقرير لأول مرة مختلف أنواع تدابير المراقبة الإدارية التي يتعرض لها الأشخاص، ولعلّ ما تمّت ملاحظته أنّ تطبيق هذه التدابير يتجاوز تقييد حرية التحرّك ويصل الى حدّ اتخاد شكل مضايقات أمنيّة يحميها الافلات من العقاب.
ويذكّر الأستاذ المختار الطّريفي نائب رئيس المنظّمة العالميّة لمناهضة التّعذيب أنّ “هذه القيود التّي تحدّ من الحرّيّة هي غير متناسبة ودون أساس قانوني ودون رقابة قضائية فورية. إنّها قيود اعتباطية تتعارض مع الدستور والقانون الدولي”. كما يضيف أنّ المنظّمة ” تدعو وزارة الداخلية إلى الكفّ فوراً عن تنفيذ هاته التدابير وتقديم تعويضات لأولئك الذين عانوا منها. كما تؤكّد أنّه يجب على الحكومة ومجلس نوّاب الشّعب إصلاح الإطار القانوني المحيط بتدابير المراقبة الإداريّة هذه دون تأخير، وذلك احتراما للحقوق الأساسية للتونسيين”.