التجاذبات الحادة التي طغت على مداخلات اعضاء مجلس النواب يوم امس، اثبتت من جديد اننا مازلنا بعيدين اشواطا، عن روح الديمقراطية والحرية الحقيقية، وقدمت للشعب دليلا جديدا، على ان نزعة الانتصار للحزب، وان كان على حساب مصلحة البلاد، بقي السائد في المشهد النيابي، في بداية دورته الحالية.
وما بين محاولات الدفاع عن رئيس البرلمان راشد الغنوشي بشتى الذرائع، وبين محاولات ادانته بمنطق التبني الحزبي، ضاع حق البلاد، في ان يعتذر صاحب الخطأ للشعب، بما اقترفه في حقه، وبقي السجال الذي لا يفيد شيئا، بين احزاب وكتل متربصة ببعضها، تصطاد ما تراه انحرافا من هذا او ذاك، لتغمز به لفائدة انتماءاتها الحزبية.
بلا ادنى شك، فان الزيارة الفجئية والغير معلنة، التي قام بها رئيس محلس الشعب الى انقرة، ولقائه المغلق بالرئيس التركي، تعتبر حالة فريدة في بروتوكول السياسة، لا يمكن غض الطرف عنها، باعتبارها خرقا للأعراف السياسية، في التعامل بين رئاسات الدول، وتجاوز خطير، قد ازاح بلادنا من المشاركة في مؤتمر برلين، لعدم ظهورنا بمظهر الحيادية، في التعامل مع الملف الليبي.
ما نخشاه اليوم اصبح ماثلا امامنا، ويذكرنا بمرارة العدوان على الدولة السورية، بمنطق اخواني حاقد، سقط فيه الرئيس الاسبق المرزوقي، بطرد السفير السوري، وغلق السفارة السورية، في عملية اذكاء لنار العداء، التي اشعلتها امريكا والغرب، ضد النظام العربي الوحيد، الذي بقي ممانعا لاتفاقيات الاستسلام، وداعما لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
ورغم ان العالم اليوم مدرك تماما، ان الثورات الحقيقية، لا يمكن باي حال من الاحوال، ان تحركها وتدعمها دول رجعية أو عميلة، بعيدة كل البعد عن الديمقراطية، فان ما حصل في ما اصطلح عليه بالربيع العربي، كان شبيها بفورات شعبية، استغلت لامتصاص تراكم الكبت الشعبي، في الصبر على حقوقه، وكان الهدف المرسوم لصناع تلك الاحداث تحديدا، استدراج الشعب السوري- العقبة الباقية من اجل البدء في تنفيذ مخطط الشرق الاوسط الجديد- بالثورة على نظامه السوري واسقاطه، وبالتالي التخلص منه كحاضن مهم لمحور المقاومة.
ان ما جرى في سوريا منذ 2011، وحشد له مرتزقة الجهاد والاسلام الغاضب من 82 جنسية، كان مؤامرة كبيرة – وان كان المنطق الإخواني يعتبرها ثورة – تعتبر مقدمة لمشروع الشرق الاوسط الجديد، الذي تسعى امريكا لإقامته، تثبيتا للكيان الصهيوني في بقائه على ارض فلسطين.
مبادرة حكامنا في قطع العلاقات مع سوريا، لا نريد لها ان تتكرر مع الجارة ليبيا باي شكل او تعامل كان، ولنكون واضحين هنا، فنضع الاصبع على موضع الخلل، ونقول ان المواقف السياسية التونسية المصطبغة بالمنطق المتحزب للإخوان، يجب ان تقف عند حدها، درئا للمصلحة الوطنية العليا، ونأيا ببلادنا عن سياسات المحاور الخاطئة، او الاصطفاف وراء اعداء الامة خدمة لأطماع لا علاقة لها بالدين والوطن والانضباط السياسي.