في قديم الزمان كانت الدول الاستعمارية والامبراطوريات تتصارع فيما بينها على مناطق النفوذ والثروات أما الان فيبدو ان الدول ذات الارث الاستعماري وتلك التي تتطلع لان تعيد امجادها الاستعمارية نراها تتوحد فيما بينها في الهجوم على منطقتنا في محاولة لمحاصرتها ونهب ثرواتها مجتمعة. هكذا يجب ان نفهم الهجمة الاوروبية التي اعلن عنها مؤخرا حول تكوين تحالف بحري بقيادة اوروبية “لمراقبة” و “حماية” الملاحة في الخليج العربي وبالتحديد في مضيق هرمز. وكالعادة تهب الادوات لتعرض على هذه القوى الاستعمارية اراضيها لاقامة مراكز القيادة والقواعد وكأن القواعد المتواجدة في منطقة الخليج الامريكية والانكليزية والفرنسية لا تكفي “لحماية” أمن الخليج ونهب الثروات. هذه الخطوة الاوروبية تاتي لتعطي الانطباع وكأن كل دول العالم تقف مع الولايات المتحدة ضد إيران, فأية قوات اوروبية او غير اوروبية لن تزيد على ما هو متواجد اصلا ولن تغير من موازين القوى ولن تعمل سوى على تصعيد المواقف وزعزعة الاستقرار وأمن المنطقة. وواهم كل من يظن ان هذه القوى الاوروبية ستزيد من أمن منطقة الخليج.
وتاتي هذه التحركات المشبوهة متناغمة مع الدعوة التي أطلقتها الادارة الامريكية بأن على الناتو الانخراط بشكل اكبر في “الشرق الاوسط”. الناتو والدول المنضوية تحت مظلته القديمة والحديثة ومنذ أنهيار الاتحاد السوفياتي في بداية تسعينات القرن الماضي أصبح مطية للولايات المتحدة وأداة لتنفيذ مخططاتها العدوانية وإستراتيجيتها الكونية. فمن كوسفو وتقسيم يوغوسلافيا الى أفغانستان الى تدمير ليبيا والعراق وتكوين ما يسمى ب “التحالف الدولي لمكافحة الارهاب” الى العدوان على سوريا وإحاطت روسيا الاتحادية بالقواعد العسكرية ومنظومات صاروخية في الدول المحاذية لها. والان الى محاولة لزيادة الضغوط على إيران وإحاطتها وفرض مزيد من العقوبات عليها وتصعيد العدوان بكافة أشكاله …الخ ما هو الا مسلسل دموي لهذه القوى الاستعمارية القديمة والحديثة والذي يعيد الاستقطاب الحاد على الساحة الدولية والاقليمية والذي يحمل في طياته بذور إنفجار حرب مدمرة, فالراسمالية وخاصة في مراحلها المتقدمة لا يمكن لها ان تعتاش الا على الحروب وسفك الدماء.
في مثل هذه الظروف لا يمكن للانسان ان يقف موقفا متفرجا ويبقى على الاسوار ليرى لمن تكون الغلبة وكأن الشيء لا يعنيه. ولا يمكن للانسان أن يبقى متمترسا خلف أفق المذهبية الضيقة التي لا ترى أن الصراع وجوهره هو صراع سياسي بالدرجة الاولى وإن بدى بأشكال مذهبية وطائفية على السطح نتيجة ابواق الفتنة التي تضخ هذه المفاهيم العفنة وتعمل على غسيل الادمغة وكي الوجدان وحرف طبيعة الصراع الاقليمي والدولي. عجبي على شعب يرتضي لحكامه الاستقواء بالاجنبي ويأتون بالمستعمر الى عقر دارهم…هؤلاء ينطبق عليمه قول الشاعر “القدس عروسة عروبتكم فلماذا ادخلتم كل زناة الليل الى حجرتها وتنافختم فخرا”…