في وقت لا يزال لغز حصيلة الضربات الصّاروخيّة الإيرانيّة لقاعدة عين الأسد تشغل الرأي العام العالمي وسط التكتّم الرّسمي الأميركي على حقيقة عدد قتلى الجنود الأميركيين، سيّما على وقع تناقض تصريحات البنتاغون منذ انتهاء الليلة الصاروخية التي بدأت ب صفر اصابات وتدرّجت حتى وصلت اليوم بحسب اعلانه الى 50 اصابة، حسم اعلان العميد احمد وحيدي- وزير الدفاع الايراني الأسبق، حقيقة ما يتكتّم حوله الأميركيون، مؤكدا انّ الهجوم الصاروخي الإيرانيّ على قاعدة عين الأسد، أوقع 70 قتيلا اميركيا و200 مصاب على الأقلّ، وهي حصيلة ستكون “ثقيلة” على الرئيس دونالد ترامب عندما تتكشّف لاحقا امام الرأي العام الأميركي، وتمثّل ردّا ايرانيّا قاسيا على اغتيال اللواء الشهيد قاسم سليماني ورفاقه..
هذا قبل تسديد الدّفعة الثانية من الحساب الإثنين في افغانستان، ولربما هي الأكثر قساوة لناحية “الهدف الثمين” الذي تمّ الإطباق عليه، متمثّلا بقتل مجموعة كاملة من كبار ضبّاط الإستخبارات الأميركية على متن طائرة E11A العسكرية، التي أُسقطت بصاروخ في ولاية غزنة الأفغانية، بينهم مايكل دي اندريا- رئيس عمليات الإستخبارات الأميركية في العراق، ايران وأفغانستان، وهو نفسه المسؤول عن ملفّ اغتيال الشهيد سليماني.
عمليّة استخباريّة نوعية نُفّذت بإتقان لإسقاط “الكنز الجوي” بعد مرحلة رصد ومتابعة دقيقَين ازاء الرأس المدبّر لاغتيال الشهيد سليماني رغم المدّة القصيرة التي تلت عملية اغتياله، بتقنيّات لا يُستهان بها، خصوصا لناحية نوعيّة الصاروخ الذي اسقط الطائرة العسكرية الأميركية المجهّزة بوسائل اتصالات متطورة.. بالمحصّلة، العملية نجحت بامتياز، وتأكد مصرع قاتل الشهيد سليماني مع كبار معاونيه من ضباط الإستخبارات الأميركية.
فبعد مسارعة وكالة الصّحافة الفرنسية الى اعلان نبأ مصرع دي اندريا على متن الطائرة، نقل موقع “فترانز تودايز” – نقلا عن مصادر استخبارية روسية، تأكيدها مقتل المسؤول عن ملفّ اغتيال سليماني، تزامنا مع ما عنونه موقع دايلي ميل ” إنّ رأس ال سي آي اي الذي يقف خلف اغتيال سليماني قُتل في الطائرة التي تحطمت في افغانستان”، قبل ان يعلن التلفزيون الايراني رسميا خبر مقتله، مضيفا ” هو الذي اشرف ايضا على اغتيال الشهيد عماد مغنية في سورية عام 2008 “.. في المقابل، لم يقرّ البنتاغون بمصرع دي اندريا ومجموعة الضباط الآخرين حتى الآن.
رغم تبنّي حركة طالبان مسؤولية اسقاط الطائرة العسكرية الأميركية، الا انّ دوائر واشنطن تدرك جيدا انّ الحركة لا تمتلك مضادّات جوية فعّالة،
وتعلم ايضا ان لا امكانيات لديها لتسديد هكذا ضربة نوعيّة.. وبالتالي، وصلت الرسالة..
فهل تندرج عملية اسقاط الطائرة في سياق تسديد باقي الحساب على اغتيال الشهيد سليماني؟ وهل ايران نفسها سدّدت هذه الضربة القاسية بوجه الرئيس الأميركي وصقور ادارته، او انّ محور المقاومة هو الذي خطّط ودبّر ونفّذ هذه العملية –خصوصا بعد ايعاز الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله لهذا المحور بالتكفّل بالرّد على عملية اغتيال سليماني ورفاقه؟.. يبقى المؤكد انّ عملية اسقاط الطائرة الأميركية في ولاية غزنة الأفغانية، تمثّل “قنبلة” استخبارية غير مسبوقة فُجّرت في وجه الرئيس الأميركي قبل غيره، سيّما انه عيّن دي اندريا ك ” أهم ضابط مخابرات اميركي”!
اكتفى المتحدث باسم الجيش الأميركي بالإعتراف ب”تحطّم” الطائرة العسكرية ، نافيا تعرّضها ل “نيران عدوّة” ادّت الى اسقاطها في وقت تمّ الإعلان عن مصرع زهاء 80 قتيلا كانوا على متنها.. جاء توقيت الإعلان عن ما يسمى “صفقة القرن” مثاليا للرئيس دونالد ترامب لإزاحة الأنظار عن عملية اسقاط الطائرة، تزامنا مع بدء تكشّف حقائق جديدة عن ضربات ايرانية اخرى اسفرت عن مصرع 50 جنديا اميركيا احاطتها واشنطن بالتكتم الشديد حتى الآن.
فبحسب ما كشف قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني العميد علي رضا تنكسيري منذ ايام، فإنّ بلاده وجّهت 6 ضربات لأميركا في الخليج، اولاها تدمير سفينة “سانغاري”، لحقها تدمير ناقلة النفط “سي ايل سيتي”، وبعدها تدمير ناقلة النفط العملاقة “بريجلتون” قبل ضرب سفينة حربية ومروحيّتَين.. تنكسيري الذي لم يُفصح عن المدى الزمني لهذه العمليات، اعلن عن استشهاد 9 ايرانيين خلالها، مقابل مقتل 50 ضابطا وجنديا اميركيا حصيلة العمليّات السّت!
لم تمض ايام قليلة على تهديد واشتطن لخليفة الشهيد قاسم سليماني اسماعيل قاآني سيما على لسان برايان هوك، المبعوث الأميركي الخاص بإيران، وتوعّده بالمصير نفسه “اذا سار على نهج سلفه”، حتى ردّ قاآني سريعا على رسالة التهديد الأميركية بشكل قاس، خارج الجغرافيا المتوقعة.. للعلم، فإنّ خليفة الشهيد سليماني، كان مسؤولا عن الملفّ الأفغاني في الحرس الثوري، وله علاقات واسعة مع فصائل افغانية حليفة لطهران، وهو نفسه من توعّد اميركا يوم تسلّم منصبه غداة اغتيال سليماني وقوله ” اصبروا قليلا لتشاهدوا جثامين الأميركيين في كل الشرق الأوسط”!
وبين الثأر الإيراني الصاروخي عبر ضرب قاعدة عين الأسد، وبعد اقلّ من يومين على عملية اسقاط الطائرة العسكرية الاميركية في افغانسان، برز خبر “سقوط” طائرة نقل عسكرية اميركية اليوم الأربعاء في الأنبار العراقية، قُتل 4 من طاقمها –وفق ما افادت وسائل اعلام عراقية، في وقت اعلنت حركة انصار الله اليمنية اليوم ايضا، عن هجوم واسع شنّته على مواقع حسّاسة في العمق السعودي طال منشآت لشركة ارامكو النفطية ومطارَين وقاعدة عسكرية..
وعليه، يبدو واضحا انّ مرحلة ما بعد اغتيال الشهيد سليماني ورفاقه، ستكون مختلفة جذريا عما قبلها.. لربما وجب على “الرؤوس الحامية” في البيت الأبيض التوقف مليا عند اكثر من تصريح لمسؤولين ايرانيين اجمعت على انّ “سليماني شهيدا أخطر على اميركا واسرائيل وهو حيّ”…
وفق تسريبات صحافية نُقلت عن الباحث الأميركي خوان كول، فإنّ المرحلة المقبلة ستكون حافلة بالمفاجآت “المدويّة”.
كول الذي رجّح -استنادا الى معلومات استخبارية روسية، حدثا عسكريا سوريّا غير مسبوق في الشمال السوري بعد انتزاع الجيش السوري لمدينة معرة النعمان الإستراتيجية، توقف عند تهديد وزير الخارجية الإسرائيلي وتلويحه باحتمال تصفية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وبعده تهديد آخر مماثل على لسان السفير الاسرائيلي السابق في مصر اسحاق ليفانون، الذي اعتبر انّ اغتيال نصرالله الان بات اسهل “بعد ازالة القبّة الحديدية التي تمتع بها في السنوات الأخيرة”.. لفت كول الى انّ ما ينتظر”اسرائيل” من الآن وصاعدا أخطر بكثير مما سبق، مرجّحا انّ اهمّ المفاجآت القادمة التي جهّزها محور المقاومة، لن تخلو من عمليات تصفية لرؤوس عسكرية اميركية و”اسرائيلية” تُدرج في سياق “ظروف غامضة”، “ولربما تتجاوز بخطورتها عملية تصفية مجموعة ضباط الإستخبارات الأميركية على متن الطائرة العسكرية في افغانستان، وعلى رأسهم قاتل سليماني”!
مواقع