في الذكرى الواحدة والأربعون للثورة الإيرانية , والتي تتزامن مع مناسبة مرور أربعون يوما ً لإسشهاد القائد البطل قاسم سليماني ….
ولمن لا يعرف إيران , وهي العريقة في التاريخ وخمسة اّلاف عامٍ قبل الميلاد , وصاحبة الحضارة البهية , ومدينة سوزا التاريخية , وأقدم الكتابات والمكتبات , ومن منكم لا يعرف عراقة شعبها وتفوقهم وذكائهم وثقافتهم , ناهيك عن كرمهم ولطفهم ومحبتهم للضيف , ومن منكم لا يعرف مساهمات مفكريها في العلوم والفن والأدب , ومن منكم لا يعرف السلام الذي تعيشه مع جيرانها منذ مئات السنين … ومن منكم لا يعرف كم عانت وشعبها على مدى المائة عامٍ الماضية , بعدما وقعوا ضحية الهجمات والتدخلات الأجنبية لأجل دورهم الحضاري ومدى تأثيرهم في محيطهم وحول العالم , ناهيك عن ثرواتهم من النفط والغاز.
ومن منكم لا يعرف التدخل البريطاني فيها منذ عشرينيات القرن الماضي وعبثه في داخلها وغزوها عام 1941 , وخشيته وحساباته التي لم تتوقف يوما ًمن أطماع هتلر الألماني للسيطرة على حقول نفط عبادان , وهاجس تمكّنه من إستخدام خط سكة الحديد العابر لإيران بهدف نقل الإمدادات لقواته التي تهاجم روسيا … سنواتٌ صعبة وعصيبة جلبتها التدخلات والأطماع الغربية, وحملت معها الظلم والفقر لإيران وشعبها.
ففي عام 1951, قامت الحكومة بتأميم شركة النفط الأنجلو- إيرانية في إيران , ما دفع البريطانيون لرعاية إنقلابٍ سري للإطاحة بالحكومة , وأقنعت الرئيس الأمريكي أيزنهاور ووكالة الاستخبارات المركزية بتنفيذ الانقلاب عام 1953, بدعوى أن رئيس الحكومة “مصدق” يشكل تهديدا ًشيوعيا ًعلى الرغم من خلفيته الأرستقراطية , وهكذا حصل الشاه على السلطة الكاملة على إيران… وتبنى الشاه محمد رضا بهلوي سياسة خارجية تابعة للأمريكيين والبريطانيين وداخلية أغضبت الإيرانيين , واتبع سياسة قاسية تجاه المعارضة وتجاه الشعب , إلى أن أطاحت به الثورة الإيرانية عام 1979, في الوقت ذاته ومنذ عام 1963 كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت دعمها السري للإنقلاب العسكري في العراق , والذي جاء بصدام حسين إلى السلطة….
ومنذ نجاح الثورة الإيرانية , كانت الولايات المتحدة تنظر إلى الدولة الإيرانية “الجديدة” وحكوماتها المتعاقبة , على أنها تشكل تهديدا ً لإمدادات النفط القادم من السعودية , الأمر الذي دفعها للنظر إلى عراق – صدام , على أنه رهانها المناسب ضد الحكومة الإيرانية.
وفي عام 1980, وبتشجيعٍ أمريكي كانت البداية لحربٍ دموية ومدمرة للبلدين معا ً, واستمرت ثمانية أعوام , وتسببت في سقوط ما يقارب المليون ضحية من البلدين… ومع ذلك لم تتوقف الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على إيران ، حتى أن غزو العراق في 2003, منحهما فرصة الإقتراب الخطير من الحدود والمحيط الحيوي الإيراني , وأعتقد أنه كان واحدا ً من أهدافهم لغزوالعراق.
لم يتوقف السعي الأمريكي لتحقيق أهدافه , ووجد فرصته عبر إشاعة الفوضى وزعزعة استقرار المنطقة , وإعلان الحروب الدينية – التكفيرية الإرهابية , بالإضافة إلى التواجد العسكري الأمريكي المباشر في المنطقة , وبدأت الماكينات الإعلامية الأمريكية والتابعة لها , بالترويج لحملة أكاذيب حيال ما دعي بـ”التهديد النووي الإيراني” , وبدأت شيطنة الدولة الإيرانية , بعدما صادرت الولايات المتحدة حق الشعب الإيراني في الحصول على الطاقة النووية السلمية , وأخفت في الوقت ذاته أطماعها في الثروات الإيرانية الهائلة خصوصا ً النفطية منها , إسوة ًبالنفط العراقي والسوري حاليا ً, ناهيك محاولتها للتعمية على هدفها الرئيسي في حماية أمن ووجود الكيان الإسرائيلي الغاصب , خصوصا ً بعد تنامي قدرات ومقدرات محور المقاومة , والتي تقدم له الدولة الإيرانية دعمها الكامل والمطلق, هذا المحور الذي امتد من طهران إلى العراق واليمن وسوريا ولبنان وغزة والأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل .
وعلى الرغم من عديد الهزائم العسكرية والمباشرة التي منيت بها الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها أمام الدولة الإيرانية ومحور المقاومة مجتمعا ً – في غزة , جنوب لبنان , واليمن , وهزيمتها الكبرى في سوريا – , إلاّ أنها لم تنفك عن حروبها , ولجأت إلى تنويع أساليبها , واستخدام الحروب الإقتصادية والعقوبات والحصار , والقتل والإغتيالات , وإلى سياسة المراوغة والتصعيد السياسي والتهويل العسكري , وبشن حربٍ شاملة على الدولة الإيرانية ومصالحها في المنطقة تارة ً , وبإعلان رغبتها في التفاوض معها تارة ً أخرى.
لقد تحولت الولايات المتحدة , إلى ثورٍ جريح , قد يدفع في لحظةِ جنون للرئيس الأمريكي الأهوج , وبتحريضٍ إسرائيلي وسعودي مستمر , لإدخال المنطقة والعالم بحربٍ عالمية ثالثة , خصوصا ً وأن روسيا والصين يعتبران من أهم حلفاء الدولة الإيرانية وأهم شركائها … وأنهما ممن يسعون إلى ضبط التوترات العالمية , واللجوء إلى الحلول السياسية , ووفق القانون الدولي , وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن , ويدعما الإستقرار والسلم والأمن الدوليين , في وجه العربدة الأمريكية – الإسرائيلية , في المنطقة والعالم.
وفي الذكرى الواحد والأربعين للثورة الإيرانية , لا بد لشعوب العالم الواقعة تحت ظلم وهيمنة الإمبريالية والصهيونية العالمية , من أخذ العبرة والنموذج , لإيمان الشعوب بنفسها وبمقدراتها , ولا بد من النظر بعين الإنصاف والتقدير والإحترام , إلى حكمة وشجاعة وصبر وتضحيات الشعب الإيراني وقادته , وإصراره وحضوره القوي على سلم المنافسة , العلمية والتاريخية والحضارية.