انتهاء قوة ونفوذ الغرب وتحولها إلى نفوذ للشرق وسوف تتغير طبيعة الصراع الحاد ويفضل فيها الأقوياء الجدد التعاون بدلاً من سياسات التهديد وحافة الهاوية الأميركية
مثلما سيُسجل التاريخ لبعض الدول العربية وصمة عار حين رفضت أو امتنعت عن القيام برد فعل تفرضه قدسية مدينة القدس المحتلة وعروبتها وقدسية قضية فلسطين والجولان العربي السوري المحتل ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.. ها هي بعض الدول العربية في ظروف مجابهة وباء كورونا تسجل وصمة عار أخرى حين ترفض إيقاف العقوبات التي فرض ترامب على هذه الدول اتخاذها ضد سورية وإيران واليمن ولبنان وليبيا، وتصر على الالتزام بها وهي تدرك أنها بهذه الطريقة ترتكب جريمة بحق أشقاء لا يوجد قانون في تاريخ الإنسان يبرر الامتناع عن الوقوف إلى جانبهم لمجابهة هذا الوباء القاتل.
وإذا كانت الدول العربية المستهدفة -إضافة إلى إيران- تتعاون مع بعضها البعض وتساند كل واحدة منها الأخرى في مجابهة هذا الوباء ولم تطلب من الدول المذكورة آنفاً أي مساعدات، فإن الدول التي تفرض العقوبات لم تبادر حتى الآن -وبعد مرور ثلاثة أشهر على انتشار الوباء- إلى المبادرة لعرض أي تعاون مشترك لصالح الجميع في مواجهة هذا الوباء باستثناء الإمارات التي اتخذت موقفاً رائداً في إبدائها علناً الاستعداد للتعاون مع سورية في مواجهة هذا الوباء.
وإذا ظنّ حكام بعض هذه الدول أن الولايات المتحدة قادرة على إلحاق الضرر بهم إذا قرروا اختيار التضامن مع أشقائهم الذين تستهدفهم إدارة ترامب في هذه الظروف، فإنهم واهمون جداً، لأن الولايات المتحدة نفسها لن يكون بمقدورها بعد اجتياح الوباء لأكبر ولاياتها ومضاعفاته الكارثية على قوتها ومكانتها.. لن يكون بمقدورها فرض إرادتها الإمبريالية على دول كثيرة وستفقد جزءاً كبيراً من قدرتها على العدوان.. ولينظروا كيف تنسحب من العراق رغماً عن أنفها، وكيف ستنسحب من مناطق أخرى في الأسابيع المقبلة.
وفي هذه الظروف وما بعدها ستتأكد على الأرض مقولة «أميركا مجرد نمر من ورق» وسوف يفتح المستقبل بوابته العريضة لنظام عالمي يرتكز على انتهاء الهيمنة والغطرسة الأميركية وعلى تضافر أشكال التعاون بين جميع الدول والقوى التي كانت ضحية للجرائم والعقوبات الأميركية، وسوف تشارك هذه الدول نفسها وفي مقدمتها محور المقاومة وحلفاؤه على المستوى العالمي بالدور الأبرز والأساسي في وضع قواعد هذا النظام العالمي العتيد من دون هيمنة أميركية تتحكم فيه.
وكانت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية الشهيرة قد بشرت بهذه التطورات حين نشرت في 20 آذار الماضي تحليلاً سياسياً فكرياً دعا فيه 12 مفكراً عالمياً بارزاً إلى وضع تقديرات مختصرة لعنوان «كيف سيبدو العالم بعد انتهاء وباء كورونا؟» قال فيه ستيفين والت: «النتيجة ستكون انتهاء قوة ونفوذ الغرب وتحولها إلى نفوذ للشرق وسوف تتغير طبيعة الصراع الحاد ويفضل فيها الأقوياء الجدد التعاون بدلاً من سياسات التهديد وحافة الهاوية الأميركية».
ويقول روبين تيبليت: «إن العولمة الأميركية السياسية والاقتصادية ستنتهي ليحل محلها شكل ونظام تشارك في إعداد قواعده دول كثيرة وليس الولايات المتحدة وحدها».
ويرى آخرون أن كل فراغ تخلفه واشنطن في مناطق كثيرة ستملؤه الصين وروسيا بطريقة يغلب فيها التعاون، وأن الاستراتيجية الأميركية سيطرأ عليها تغير حاد داخلياً وخارجياً، وستصبح الدول المتحالفة معها من الدول الفاشلة حتى لو كانت أوروبية أو شرق أوسطية، ومع هذه التحولات المحتملة والواقعية بموجب ما نشهده الآن من ضعف وتخبط أميركيين وعجز عن إيقاف تدهور القوة الأميركية (ومعها الإسرائيلية) هل سيكون بمقدور تل أبيب وواشنطن حماية قرارات ترامب العدوانية حول القدس والجولان السوري المحتل ومحاولات تصفية قضية فلسطين؟.. وهل بقي سبب يبرر خوف بعض الدول العربية من الرد الأميركي ضدها إذا قررت تعزيز التعاون بين بعضها بعضاً لاستعادة الحقوق العربية؟
إن ما نشهده الآن هو مرحلة الترنح الغربي الاستعماري والتدهور في قدرات دوله الاستعمارية تاريخياً على فرض ما تريد، ولذلك آن الأوان للدول العربية المتحالفة أو الصديقة مع هذا الغرب القيام بحماية مصادر ثرواتها في النفط والغاز من النهب الأميركي والبريطاني والفرنسي، وفتح أبواب التعاون على أوسع مصراعيها مع دول المنطقة من أجل المصالح المشتركة الحقيقية لشعوبها.
وإذا كان وباء كورونا جعل دول المنطقة والعالم تخسر، فإنه فتح بوابة تعاون مشترك لن يكون بمقدور ترامب وبريطانيا وفرنسا إغلاقها بعد أن فقدت جزءاً كبيراً من قدرتها على تهديد الآخرين في زمن كورونا وما بعده