هذا يحدث دائماً، “موت شخص واحد كارثة، أما موت مليونين فقط فهو إحصائية” .. أثارت هذه الجملة للكاتب والروائي الألماني المناهض للفاشية “اريك ريمارك” في روايته المسلة السوداء ضجيجاً فكرياً صاخباً، واستُنبط منها العديد من الأقوال والأفكار واستُوحي الكثير من الأفكار، وها هي اليوم بعد مرور نصف قرن على ولادتها لا تزال حية، وتصلح أن تكون عنواناً لما يحدث على الساحة الدولية عند إجراء مقارنة بين ضحايا الأنظمة السياسية الأمريكية وضحايا فيروس العصر “كورونا” الذي تخطى عددهم حاجز المليون .. هذا الفيروس الذي غزا العالم من دون استثناء، فالجميع مستهدف، لا يأبه بالجغرافيا، ولا يفرق بين دولة عظمى أو دولة فقيرة، مشكلاً أكبر تحدٍ يواجه العالم في التاريخ الحديث، وفارضاً نفسه عاملاً مؤثراً في تغيير بنية النظام العالمي، كما يتوقع أغلب المفكرين، واقتصادياً ولوجستياً، استناداً إلى ما أظهرته تقارير منظمات حقوقية والصور المتلفزة للإجراءات الحكومية التي اتخذتها الدول حسب حجم مصابها..
لقد استطاع هذا الفيروس المتمرد على الحدود السياسية كبح ولجم استكبار وعجرفة دول تسمي نفسها “دول كبرى” وأجبرها على اتخاذ اجراءات وقائية لم يسبق لها مثيل وكل هذا لكبح جماح الوباء والحد من انتشاره.
وها هو رئيس أمريكا “الدولة العظمى” دونالد ترامب الذي ازدرى واستخف بداية بفيروس الـ كورونا وعد “نزلة البرد” أشد فتكاً منه، يضطر صاغراً فيما بعد لإعلان حالة الطوارئ في الولايات الأمريكية وبعد أقل من شهر على تصريحه المتعالي والمستهتر بحجم هذا المرض/ الوباء يعلن متباهياً رصده خمسين مليار دولار لمواجهة عواقب انتشار “كورونا” في بلاده، الفيروس الذي كشف أيضاً عورة نظم سياسية كبرى تقودها واشنطن وفضح زيف ادعاءاتها الحقوقية والإنسانية وأسقط جميع أقنعتها فظهرت بشاعتها وخبث نياتها، ولا سيما وهي تفرض إجراءات قسرية وعقوبات اقتصادية جائرة على الدول المناهضة لسياستها الامبريالية وبينها سورية. في ظل تفشي هذا الوباء / الكارثة الذي لا سبيل لمكافحته من دون تعاون وتضامن دوليين، مايعوق قدرات هذه الدول على احتواء هذا الفيروس المستجد في التصدي له، في انتهاك سافر للقانون الدولي الإنساني في الوقت الذي يتباهى فيه زعماء هذه الدول العظمى بالمليارات المرصودة للتصدي لوباء كورونا غير آبهين بتداعياته الكارثية على دول العالم كلها.
لكن سورية هي الأكثر تضرراً بينها والوضع فيها هو الأشد خطورة بسبب الحرب الإرهابية التي شنت عليها منذ تسع سنين ونيف، دمرت معظم بناها الإنتاجية والخدمية، وما تواجهه كذلك من حرب اقتصادية ضارية هو جريمة ضد الإنسانية، فأين ذهب تباكي الغرب على الوضع الإنساني في سورية؟ .. وهل تلاشت خرافة “مساعدة الشعب السوري التي اصطف حولها؟.
هذا من جهة، أما إذا نظرنا إلى ضحايا فيروس كورونا وضحايا السياسة الأميركية وبمنظور ضيق يشمل ما اقترفته واشنطن من جرائم (فقط) ما بعد غزو العراق وضحايا كذب الساسة الأميركان ومن ثم افتعالها الحروب الاستباقية لنشر الديمقراطية بمفهومها الأميركي الزائف و ضحايا ما يسمى “الربيع العربي” وما أشعلت عبره أمريكا من حرائق سياسية، وضحايا قصف طائرات “تحالفها الدولي” في سورية تحت عنوان “مكافحة الإرهاب” المضلل فإننا نجد أن موت عدد من الناس من جراء فيروس كورونا يعد كارثة، بينما الموت الذي يتسبب به السياسيون الأمركيون بخططهم وممارستهم الشنيعة وحروبهم الذكية ليس إلا عناوين لنشرات إخبارية وبمفردات امبريالية تخدم الشيطان الأكبر والوباء الأول على العالم (أميركا).
فيروس كورونا والسياسة الأمريكية كلاهما يهدد البشرية، لكن على الرغم من كل ما أوقعه” كورونا” من ضحايا وما ألحقه بالاقتصاد العالمي من كوارث تصل حد الشلل فإن ما ارتكبه الفيروس لا يعادل عشر ما ارتكبته أمريكا من جرائم ضد الإنسانية لذلك فالتصدي لإرهابها يوازي بل يفوق أهمية مكافحة فيروس كورونا لأنه أمر أفظع وأشد فتكاً..