الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

كتب بسام ابو شريف: فصول الذاكرة النضالية: هكذا كنا اول المهنئين بانتصار مانديلا

 

حفيداتي وأحفادي، بناتي وأولادي، اخواتي واخواني، أبناء عائلتي، فلسطينيات وفلسطينيون عرب أقحاح

أكتب لكم اليوم في ظل مازرعوه من رعب وخوف ويأس من الحياة عبر ماصنعوه من فايروس أسموه ” التاج ” ، كورونا زرعوه في الغرب والشرق وفي بلادنا التي تتوسط الشرق والغرب ، وبلادنا مهمة للعالم لأن دونها لاصلة وصل بين الشرق والغرب ، وسيبقيان كما قال شاعر الغرب : الشرق شرق والغرب غرب ، ولن يلتقيا .

قصتي مع هذه الحياة رواية تسودها كل أنواع الأحاسيس ….. الألم والراحة والسعادة والحزن والخوف ، وأحاسيس ليست عامة ومتاحة لكل انسان كمواجهة الموت وانقضاضه عليك أو انقضاضك عليه ، في هذه الدنيا ومع مرور السنين ومع غزو الشيب وتنفخ المفاصل وبلوغ الانسان من العمر عتيا …. تبدو الأمور أوضح وأنصع ، فالانسان كتلة متوازنة كما هو العالم قائم على التوازن ، ويختل اذا اختل هذا التوازن …. قد يمرض وقد يخطئ وقد يضل ان هو فقد التوازن ، وكذلك العالم ستبدو الأمور مختلفة ان اختل توازن العالم ، فالطويل قد يبدو أطول أو أقصر ، والبعيد قد يبدو أبعد أو أقرب لكن اختلال التوازن لن يبقي أمور العالم على حالها .

فمابالك اذا أصاب الخلل الجاذبية ، أو سرعة دوران الأرض على نفسها أو دورانها حول الشمس ، وهذا العالم هو ذرة في عالم أوسع مليء بالمجهول الذي قد يكون توازنه قائم على أسس مختلفة عما يقوم عليه التوازن في أرضنا .

مهما كانت العوامل عاش الانسان على هذه الأرض تتحكم به قوانين الصراع للبقاء ، واختلفت هذه القوانين مع اختلاف تطور المجتمعات البشرية ، فمن الأسلحة الحجرية لمواجهة الوحوش ( سواء كانت حيوانات مفترسة أو بشر مفترس أو ظروف خارجية ) ، تحيل حياة الانسان الى بحر من الكوارث الطبيعية لكن تطور السلاح لدى البشر أصبح له غايات تختلف عن الدفاع عن النفس في وجه المفترسين ، فمنذ مايسمى بالغرب ” النهضة ” ، تحول السلاح بيد الانسان الى أداة ظلم واضطهاد وقتل واستغلال وتحكم ، واستعباد للبشر على يد البشر .

يتحدثون عن النهضة – أي التطور الاجتماعي الاقتصادي الذي أدى لنمو المجتمعات الصناعية وازدياد الحاجة الأولية والأسواق ، وهذا عنى ويعني ارتفاع مستوى التفنن في وسائل القتل والتدمير ليسهل احتلال أراضي الغير لاستنزاف ثرواتها ، واستعباد الشعوب لنهب قوة العمل فيها وفرض بضائعهم على أسواقنا .

تناسى هذا ” الغرب ” ، كل الحضارات التي قامت بتطورها نسبيا كل ماقام به الغرب  (الفراعنة – وامة مابين النهرين واليونانيون والرومان والعرب والمسلمون ) ، ولا أستثني أحدا من هؤلاء من ارتكاب كل ماهو ظالم في معاركهم للسيطرة ، لكن علينا الاعتراف بما أسسوا وأضافوا من علم ومعرفة وتقدم لبني البشر .

البقاء للأقوى ، والغاية تبرر الوسيلة والأبيض هو العرق ” السيد ” ، والملونون هم أدنى من البيض … كلها مقولات اخترعها المجرمون ليبرروا جرائمهم ضد الانسان ، وقيمة الانسان وكونه قد خلق ” في أحسن تقويم ” ، ويحتقر هؤلاء العنصريون الجناة كافة الرسائل التي تحض على الخير والمساواة والعدالة والحق .

والتاريخ لايرحم المجرمين ، ولايسامح الذين سلبوا حرية البشر الذين خلقوا أحرارا فاستعبدهم المجرمون ( ولا طريق أمام الذين انتزع الغزاة المجرمون حقهم في الحرية والكرامة الانسانية وحقوق الانسان الا التمسك بقيمته كانسان) ، ….. أي التمسك بحقه في الحرية والكرامة الانسانية وحقوقه كانسان ، اذ مهما طال زمن الاستغلال والاستعباد والابتزاز والقمع والنهب الذي ترتكبه القوى المدججة بالقوة المسلحة ، فان هذا الظلم سينتهي مع صحوة العبيد ….مع ثورة الضحايا ، وسيرى الاستعماريون أي منقلب سينقلبون .

في زمن العهر الاستبدادي كانت دولة العنصرية التي أقامها الغرب على أرض جنوب افريقيا تقتل شعب جنوب افريقيا بالآلاف دون أن يتصدى لها أحد ، فالعالم الاستعماري كان يساند الطغمة العنصرية التي تحكمت في البلاد بقوة الولايات المتحدة واوروبا ” الاستعماريون ”  وقاد نلسون مانديلا شعبه دون وجل من الموت ، ودون فزع من قوتهم الظالمة وطالب الشعب أن يتمسك بحقه بالحرية والكرامة الانسانية .

وأصبح نلسون مانديلا عنوانا لكل من ينادي بحرية البشر وحقوقهم الانسانية ، وتحول العالم ” شعبيا ” ، خاصة في الدول الاستعمارية الى داعم ومؤيد لنلسون مانديلا وشعبه …. وانتصر .

لقد كانت فرحتي عظيمة بخروجه من السجن ، فقد كان ذلك عنوانا لمرحلة جديدة مرحلة استعادة شعب جنوب افريقيا لحريته ، وهذه خطوة اولى لاستعادة كرامته الانسانية وحقوقه .

دعوني أقول لكم ان فرحتي دفعتني للقيام بعمل اعتبره بعض القيادات الفلسطينية مستحيلا جمعت فرحتي وقلت للقائد ابو عمار ” لابد من أن تكون فلسطين أول مهنئ لنلسون مانديلا ” ، فأجابني : وكيف السبيل للوصول اليه الآن ؟ لقد خرج منذ ساعة من السجن .

فقلت له : دعني أحاول ، وأنا متأكد أنني سأجده … فضحك بعض القادة ونظرت اليهم وقلت : هيك ما بتحرروا فلسطين ! الارادة والتصميم هما الطريق ” .

ورحت أجري اتصالاتي كان بعض رجال الصحافة من أصدقائي يغطون الحدث في جوهانسبرغ ، اتصلت بأحدهم وأخبرني أن هذا مستحيل لأنه خرج وتوجه الى سونيو ” الحي الفقير حيث بيته ” ، وأن لا أحد يعرف رقم هاتفه طلبت منه رقم رئيس الحزب أو نائبه فاعطاني رقما اتصلت به فقال لي لقد ذهب الى بيته ، فطلبت منه رقم زوجة مانديلا لأنها لا شك ستكون معه فأعطاني الرقم … اتصلت بها ، فردت لحسن حظي على الاتصال وكي لا أضيع ثانية قلت لها عرفات عرفات ” مرتين ” ، يريد أن يتحدث مع مانديلا قالت لي : أهلا سيد عرفات ” ، طبعا لم أنتظر أن أصحح لها بل انتظرت أن تصلني بنلسون مانديلا قالت : انه نائم لكنني سأوقظه لأنك عرفات الذي نحترم ونحب  … شكرتها ، وتوجهت فورا لمكتب الرئيس ابو عمار وطلبت منه رفع سماعة الهاتف لأنني حولت الخط له ، وقلت له سيحدثك الآن نلسون مانديلا .

كانت الصدمة على وجوه القيادات التي هزأت قبل قليل من الفكرة ، وعدت لأساعد الرئيس في اختيار الجمل المناسبة بالانكليزية ، وكان اتصاله هو الأول من بين قادة العالم مع نلسون مانديلا ، وكانت فلسطين هي أول من هنأ نلسون مانديلا بالخروج من السجن .

أرأيتم ماذا تحقق الارادة ؟ أرأيتم ماذا يحقق الأحرار ؟ أرأيتم كيف تنتصر فلسطين ونضعها اولا واولا وثانيا وثالثا …. يسهل الاستسلام للصعب والاستهزاء من ارادة المصممين على خوض المعارك الصعبة لكن يصعب القتال لأنه يحتاج الى رجال لايعرفون العجز ، ولا يهزمون من داخلهم بل ينتصرون على العدو لأن قلوبهم منتصرة ، وايمانهم بالنصر من عند الله أكيد مثل هؤلاء الرجال هم الذين يصنعون التاريخ ، فالخوف من الموت هو الموت ومهاجمة الموت هي الحياة أو لا تؤمنون بأن الموت حق ، وانا لله وانا اليه راجعون .

المؤمنون تعتمر قلوبهم بنار الكفاح … نار هي برد وسلام على المؤمنين يعرفون أن الموت يأتيهم عندما يشاء الله ولو كانوا في بروج مشيدة ، ولذلك فان الجهاد في الميدان ومهاجمة وملاحقة الموت دفاعا عن الرسالة والمقدسات والأرض المقدسة والانسان وحقوقه وحريته هي الأكرم ، وهي التي تجعل الموت يرتعد ويهرب أمام الارادة والتصميم والايمان …. هذه تتحول كلها الى قذيفة من الشجاعة التي لاترى النور الا في الله تعالى .

يا بناتي وأبنائي : –

منذ 57 عاما انضممت لمجموعة من الشباب الجامعي للتدريب على السلاح كي نقاتل لانتزاع حريتنا وحرية أرضنا وشعبنا ، ومازلت أقاتل وأكافح ولن أتخلى طالما بقيت حيا عن ارادتي وتصميمي على انتزاع ما اغتصب منا ، فالاحتلال لايغتصب الأرض ويصادرها بغير حق بل يظلم وبوحشية همجية … انه يفعل اكثر من ذلك : –

انه يغتصب كرامة الانسان وشعوره بأنه كائن متوازن له حقوق كغيره من البشر ، ان الاحتلال يظهر لك ذلك الوجه لانسان همجي مفترس لاعقاب له سوى الاستئصال .

تدربنا وقاتلنا ، ومازلنا في هذه الرحلة الطويلة نستخرج دروسا وعبر من الصعب أن نستخرجها نظريا ، وقبل الشروع في المشوار الطويل ……دروس سأحاول ان أسجل لكم أهمها كي أساعدكم على تجنب الوقوع بها ، أو السماح لغيركم بأن يقع في مطباتها لأن نتائج مثل هذه الظواهر التي أفرزت دروسا قد تكون مدمرة ، ولكن على الأكيد انها تؤخر وتعرقل انتصارنا على عدونا ، وانتزاع حريتنا .

سوف أشرح لكم بعض هذه الدروس في الحلقة الثانية .

رأي اليوم

شاهد أيضاً

جنوب افريقيا… تنتصر لفلسطين وتقاضي الصهاينة…بقلم ميلاد عمر المزوغي

جرائم حرب ترقى الى مستوى الابادة الجماعية, لسكان قطاع محاصر منذ اكثر من عقدين من …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024