لم يكن الوضع الإقتصادي والمالي الأمريكي قبل جائحة الكورونا، أفضل بكثير مما هو عليه بعدها، وساهمت الجائحة بتعميق الحفرة والمشكلة، خصوصا ً بعدما استهتر ترامب وإدارته وأضاعوا ستة أسابيع ثمينة قبل البدء بالتحرك الأول لمواجهة الفيروس …
لا شك بأن الجائحة أضرت بالإقتصاد الأمريكي كغيره حول العالم، وخسر عديد الأمريكيين وظائفهم، وسط وارتفاع البطالة إلى نسب غير مسبوقة تجاوزت الـ 15%، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل الـ30 مليون، وانطلقت عجلة الإنكماش الإقتصادي بسرعة كبيرة، غابت معها أحلام العودة والإنتعاش الإقتصادي إلى أجل بعيد وغير مسمى.
ومع تفاقم الأزمة، يجد ترامب نفسه أمام حلين، إما الصراحة والمكاشفة والدعوة إلى العمل الدؤوب والصبر والتماسك، أو اللجوء إلى الأكاذيب حيث يجد متعته وجزءا ً من شخصيته، بالتوازي مع أرقامه القياسية في سوق وإطلاق الأكاذيب .. وعلى ما يبدو أنه اختار الطريق الملتوية وأطلق وعدا ًجرئيا ً بأن :” الوظائف ستعود وستعود قريبا ًجدا ً “، على عكس ما توقع عديد الإقتصاديين -.
هل يستطيع ترامب أن ينفذ وعده على المدى المنظور، وكيف ؟ هل التقشف غير المعلن، الذي بدأ بإتباعه عبر سحب جزء من قواته العسكرية من منطقة الخليج العربي ومن سيناء، وربما سيتبعها بإنسحابات أخرى ومن دول أخرى حول العالم، ومن المناطق الأكثر تكلفة، وأكثر خطورة، ستكون كافية لإرضاء الشعب الأمريكي ولتوفير الأموال، وتحويلها وضخها في الداخل الأمريكي للتخفيف من حدة مجمل الأزمات، وللمساعدة على إعادة تحريك الإقتصاد المتعثر ،
هل يجد الخليجيون وخاصة ً السعوديون منهم تفسيرا ً لعودة ترامب للحديث عن “الحماية بدون مقابل”، والعزف على وتر الحلابة مجددا ً، هل ينفذ بذلك تهديده إلى محمد بن سلمان بقطع الدعم العسكري الأمريكي، وبمعاقبته على خفض أسعار النفط وزيادة إنتاجه، والخسائر التي تسبب بها للولايات المتحدة، ولجوئه لسحب أربع بطاريات لصواريخ الـ “باتريوت” من السعودية، وإستعادة عشرات الجنود الأمريكيين الذين أرسلتهم لحماية منشآت النفط السعودي إلى أمريكا، وبسحب سربين من المقاتلات الأمريكية من أجواء الخليج، بالإضافة لما تقوم به حاليا ً عبر دراسة وبحث إمكانية خفض قواتها البحرية في مياه الخليج .
هل يفكر ترامب جديا ًبوقف التهديد العسكري لإيران، وبإجلاء كافة القوات العسكرية التي استجلبها إلى المنطقة بداعي ردع إيران وحصارها وإخضاعها .. ماذا عن قواته في سوريا، هل سيقوم بإجلائها تحت عنوان التقشف ذاته، أم تحت عناوين كبرى واستراتيجية مؤلمة، تعترف ضمنا ً بهزيمة مشروعها في سوريا .
ماذا عن الصراع مع الصين، والمنافسة مع روسيا على قيادة العالم، ماذا عن “شركائه” الأوربيين، وحلف الناتو، ماذا عن باقي القواعد العسكرية حول العالم، وسباق التسلح، وإنتشار الأسلحة النووية والصاروخية المخيفة، والتوازن الدولي … أسئلة كبرى ومشروعة، تفرض على العقلاء التريث، في وقت شديد الحساسية، لا مجال فيه للتقييمات الخاطئة.
لم تكن يوما ً السياسة الأمريكية ذات قلب عطوف، ولم يعرف عنها سوى الوحشية والغطرسة وقساوة القلب، واستطاعت من خلال هذه الطبيعة والذهنية أن تتقدم بسياساتها نحو أطماعها وهيمنتها على العالم، وتحولت إمبراطوريتها إلى ما يشبه الثور الهائج أبدا ً، فما بالك إن كان جريحا ً، ويعاني من الضعف ويقترب من حافة الهاوية شيئا ً فشيئا ً… أيُّ عاصفةٍ تلوح في الأفق !.
وأيُّ ذهنية أمريكية، ستكون قادرة على معالجة أزماتها بعقلانية، ووفق حجمها وقواعد المنطق، والشرعية الدولية، والوقت الكافي واللازم للعودة، هي ذاتها العقلية التي لم تتقبل تراجعها ونزولها عن عرش قيادة العالم، والقبول بعالم متعدد الأقطاب في زمن ما قبل “حرب” الكورونا.
على العالم أن يفكر جديا ً، ويحسب ألف حساب لما قد تقدم عليه تلك الذهنية، خصوصا ً عندما يقودها يائس أهوج كالرئيس دونالد ترامب، والذي بدوره ينفذ أجندات “الحكومة الخفية” التي ترى وتراقب كل شيء.