الأكيد أن إطلالة سماحة السيد حسن نصرالله عبر إذاعة النور اللبنانية، بمناسبة الذكرى العشرين لتحرير الجنوب اللبناني، وحديثه المسهب في مجمل القضايا الحارقة، محليا وإقليميا ودوليا، ورسائله الموجهة، تلميحا وتصريحا، سيكون لها صدى واسعا وأثرا بالغا في تقديم أجوبة شافية للمهتمين بأوضاع المنطقة المتقلبة ومآلاتها المستقبلية، وتوضيح ما التبس من أمور على جمهوره الواسع والمنوّع حد التنافر، بين محبين ومبغضين، اختلفوا في تقييمه إما مناصرين له أو معادين، واتفقوا على أن حديثه فصل وكلامه صدق ورؤيته صادقة.
لقد بدا السيّد أكثر هدوءا والابتسامة لم تفارقه طوال اللقاء خصوصا وهو يوجّه كلامه لحكومة الاحتلال الجديدة التي تذوّق قادتها الإذلال ومرارة الهزيمة في 2000 و2006، وأكثر من اختبر صلابة المقاومة وكفاءتها وروحها القتالية مقابل هزيمة الروح التي تعصف بكيانهم، كما حذّر القادة الصهاية من تغيير قواعد الاشتباك لأنه قد تتسبّب باندلاع “الحرب الكبرى” التي تعجّل بزوال الكيان الصهيوني الذي أصبح اليوم أكثر من حتمي، لأن السند الخارجي الذي تتكل عليه دولة الاحتلال، وهو الوجود الأمريكي، مصيره الرحيل وبتراجع الدور الأمريكي بالمنطقة سيتزعزع استقرار الكيان الهش ويتفكك ربما وبدون حاجة إلى خوض حرب جديدة.
عموما، كان حوار السيد تأكيدا لحقيقة أن العدو الصهيوني أقر بمعادلة التوازن الاستراتيجي/توازن الرعب، الذي فرضته المقاومة، وهي القدرة على التحوّل من موقع الدفاع وصد العدوان الى موقع المبادرة والهجوم، مبشّرة بدخول عصر التمهيد لـ”انقراض اسرائيل”، واعترف العدو بأن الترسانة العسكرية والدعم اللوجستي والمادي، عاجز عن تصفية المقاومة وتحييدها عسكريا في أي مواجهة تقليدية، والتي لخّصها سماحة السيد سابقا بالقول “انتهى الزمن الذي نخرج فيه من بيوتنا ولا يخرجون فيه من بيوتهم.. انتهى الزمن الذي نهجّر فيه ولا يهجّرون.. انتهى الزمن الذي تدمّر فيه بيوتنا وتبقى بيوتهم بل أقول لكم: جاء الزمن الذي سنبقى فيه وهم الى زوال..”.
وعلى الذين لا يزال في قلوبهم ريب مما نراه قريبا، وتحجبه عنهم زيغ الدعاية للتطبيع وأبواق الترويج للقبول “بالواقع” ومنعتهم حواجز نفسية وطائفية عن الاستمتاع بمشهد فرار فلول جنود العدو أما بواسل المقاومة في 2000 وإذلال “اسرائيل” في تموز 2006، فيعتبر ذلك مجرد خسارة جولة من حرب طويلة، عليه ان يراجع التاريخ الدامي لهذا العدو الذي اعتمد القوة والغطرسة والارهاب لتركيع العرب والمسلمين وجرّهم مكسورين مهزومين أذلاء للقبول بكيانهم الخبيث في اتفاقيات مخزية ومهينة، وعمل على ضمان تفوّقه العسكري النوعي على كل الدول العربية مجتمعة، سرعان ما يتأكد من ان هناك حدثا تاريخيا بدأت معالمه تظهر وتنجلي من غبار الخيانات وتسود من ركام الضعف، فالمقاومة اليوم، كما قال السيد، أقوى بأضعاف عما كانت عليه في 2006، وفي حوار سابق “طمأن” سماحته قادة الكيان الصهيوني بأن “الصواريخ الإيرانية الدقيقة” التي قالوا أنهم قصفوها في سوريا، أصبحت بحوزة المقاومة وبأعداد تربو على الحاجة، دون أن ننسى “المفاجآت” التي ترك للميدان كشفها فيما لو ارتكب العدو حماقة.
استعاد السيد في حواره “خطاب بيت العنكبوت” وقال إن القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة منشغلون إلى اليوم به، فالكيان الاسرائيلي منذ لحظة تأسيسه وهو يستشعر “أزمة وجود” والظاهر أن “عمره الافتراضي” قارب على الانتهاء، وهو نفس ما تحدّثت عنه صحيفة “الاندبندنت” البريطانية منذ فترة، حين تساءلت عن مستقبل الدولة العبرية على ضوء التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، واستخلصت في الأخير “أنه من المشكوك فيه أن نرى “إسرائيل” متواجدة في العالم بحلول العام 2048 “، أي بعد قرن من تأسيسها، وهو رأي يعكس حقيقةً تسعى الدوائر الغربية والاطراف الحليفة للكيان الصهيوني لإخفائها والتقليل من شأنها، فما بيّنته الحروب الاخيرة التي خاضتها “إسرائيل”، تؤكد حقيقةَ أنها الى زوال، وربّما قبل التاريخ الافتراضي الذي حدّدته الصحيفة البريطانية والذي نراه مفرطا في التفاؤل، فـ”إسرائيل” سقطت في داخلها عند جمهورها ولدى حلفائها ومناصريها، ولم يبق الا أن تسقط لدى الدوائر الرسمية العربية، وعلى نتنياهو الاستماع لنصيحة السيد نصرالله بـ”تعلم السباحة فقد يحتاجها لاجتياز ضفة المتوسط” هربا من فلسطين !!!