كلما أُثير الحديث عن مؤتمر الصومام يُبادر البعض وعلى الفور برفع اللافتتين المقدستين “أولوية السياسي على العسكري” و ” أولوية الداخل على الخارج” ثم يبدأ التشنجُ وترتفع درجة التوترِ ويشرع المتحدثون في التحزُّبِ والتخندقِ الأيديولوجي بأثرٍ رجعي لينتصرُوا لهذا أو ذاك من الأبطال الذين صنعوا ملحمة الصومام، مع العلم أن العديد من قرارات هذا المؤتمر وعلى رأسها المبدأين المذكورين قد خضعت للتعديل والمراجعة بعد سنة واحدةٍ خلال مؤتمر القاهرة في شهر أوت 1957 مما يفيد أن تأثير هذين المبدأين كان محصوراً في فترة محدودةٍ من عمر الثورة رغم بعض التفاعلات والامتدادات التي ترتبط عضويا بحروب التحريرِ.
والمختصون في تاريخ الثورة الجزائرية كما القراء المهتمون يعرفون يقيناً أن مؤتمر الصومام الذي جرتْ أشغاله في الفترة من 14أوت إلى50 سبتمبر1956 بقرية افري أوزلاقن ببجاية يُعَدُ من أهم المحطات في المسيرة التاريخية التي دشنها ثوار الفاتح من نوفمبر 1954 بغرض القضاء على النظام الكولونيالي البشع، وإعادة بعث الدولة الجزائرية وبناء وحدة المغرب العربي ليس كخيارٍ إيديولوجي إستراتيجي فحسب بل كضرورةٍ تاريخية، ولا ريب أن ذكرى مؤتمر الصومام تُوحي بالكثير من المسائل والأطروحاتِ والتناقضاتِ ، ليس بسبب اختلاف وتباين الرُؤى الأيديولوجية فقط ، بل ولأهمية المؤتمر في ذاته والظروف الاستثنائيةِ التي تمَّ فيها، وما انتهى إليه من قرارات ونتائج بالغة الأهمية، ولن أتعرض في هذا السياق إلا لمسألة الوحدة المغاربية كما وردت في ميثاق الصومام، والسؤال هنا هل فكرة الوحدة المغاربية مسألة طارئة أو مفتعلة من طرف المجتمعين في مؤتمر الصُومام لأسباب ظرفيةٍ أم أنَّها مسألة مبدئية تُتَرجمُ استمرارية نضالاتٍ وتراكمات سابقة ؟ وما هو موقع وأهمية الوحدة المغاربية في أرضية الصومام ؟ و هل أنَّ مسألة الوحدة المغاربية في هذا المؤتمر قد أصبحت مسألة تاريخية محضة أم أن لها أبعاداً راهنة ومستقبلية ؟ وبتعبير آخر ما الذي يمكن أن نستفيدهُ نحن اليوم من اهتمام مؤتمر الصومام بمسألة البناء المغاربي المشترك؟
وإذن فنحن أمام أسئلة ثلاثة سنحاول أن نقدم حولها إضاءات موجزة، ونبدأ بأول هذه الأسئلة والمتعلقة بطبيعة حضور الفكرة المغاربية في أرضية الصومام، وهل هو حضور طارئ مفتعل لأسباب تكتيكية انتهازية أم هو حضور جوهري أصيل يعكس استجابة واعية من قادة الثورة لنداء التاريخ في المنطقة المغاربية ؟
ولكي تتضح الصورة لابد من العودة ولو قليلاً إلى الوراء، فقد جاءت الإشارة بوضوحٍ تام إلى ضرورة وحتمية الوحدة المغاربية في أول تقرير أعدته المنظمة الخاصة سنة 1948 أي بعد انقضاء سنة واحدة على تأسيسها، وإنَّه لمن الرائع حقاً أن نقرأ في هذا التقرير العبارات التالية : ” المسؤولية تعود إلينا للشروع في عملية التوحيد لمساعدتهما- تونس والمغرب- على تنظيم هياكل مشابهة لهياكلنا..” ويالها من مسؤولية ، هكذا كان شباب المنظمة الخاصة يفكرون في سنة 1948 في وقت كانت الجزائر فيه ترزحُ تحت وطأة إستدمار شامل مع ضعف الإمكانيات والوسائل ، وقلة الاستعداد والتهيؤ لدى الكثيرين وعدم ملائمة المحيط الإقليمي والدولي كانوا يفكرون ويستعدون ليس فقط لتحرير الجزائر بل ولتوحيد المنطقة المغاربية انطلاقا من أن ذلك مسؤوليتهم وليس مجرد مهمة يتطوعون لها، ويُواصل التقرير شرح أهمية استغلال الحاجة إلى الكفاح المشترك لتحقيق وحدة المنطقة المغاربية ” الكفاح المشترك ليس فقط ضمانا للانتصار على القوات الاستعمارية، بل هو كذلك ضمان لوحدة المغرب ، إذ في خضم الكفاح التحريري تنهار الحدود المصطنعة التي تُجزئ هذه الوحدة..” الحدود التي تفصل بين الدول المغاربية إذن في حكم هذا التقرير التاريخي حدود مصطنعة، ولا أجد أبدا أجمل ولا أعمق من هذا الوصف في التعبير عن مأساة الحدود التي جعلت من أرضنا المغاربية الواحدة دولا وأقاليم شتى.
أما إذا نحن استعرضنا بيان أول نوفمبر فإننا سنجد أنه ينص في فقرته الأولى:” ..نُعلمكم أن غرضنا من نشر هذا الإعلان هو أن نوضح لكم الأسباب العميقة التي دفعتنا إلى العمل وذلك بأن نعرض عليكم مشروعنا .. و صواب وجهة نظرنا التي يبقى هدفها دائما هو الاستقلال الوطني في إطار الشمال الإفريقي…” ثم ينصُ في الفقرة الثالثة: ” إن أحداث المغرب وتونس لها دلالة في هذا الصدد، فهي تُعبرُ بعمقٍ عن مسار الكفاح التحريري في شمال إفريقيا. و مما يُلاحظُ في هذا الميدان أننا منذ أمدٍ بعيد أول الداعين إلى الوحدة في العمل، التي مع الأسف لم تتحقق أبدا بين الأقطار الثلاثة ” ولايلبث البيان أن يعود إلى التذكير بوحدة المصير المغاربي عندما يؤكد على ضرورة ” إخراج الحركة الوطنية من المأزق الذي أوقعها فيه صراعات الأشخاص” وذلك كله بغرض ” دفع الحركة الوطنية إلى المعركة الحقيقية الثورية إلى جانب إخواننا المغاربة والتونسيين”، ثم وفي سياق تحديد الأهداف الخارجية للثورة المباركة يذكر البيان بوضوح وقوة تصميم: ” تحقيق وحدة شمال إفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي” ، العروبة والإسلام اللتان أسماهُما بيان أول نوفمبر بالإطار الطبيعي لوحدة شمال إفريقيا هو ما عملت فرنسا بكل قوتها الإدارية والثقافية والعسكرية لسحقهما والقضاء عليهما لذلك جاء التأكيد عليهما هنا كإعلانٍ مبكر بفشل المشروع الاستدماري في أخطر أهدافه ومشاريعه. وهنا قد يلاحظ البعض أن اهتمام شباب المنظمة الخاصة ورواد الفاتح من نوفمبر بمسألة الوحدة المغاربية أمر بديهي باعتبار أنهم شباب ثوريون تربُوا في أحضان حزب الشعب الجزائري سليل نجم شمال إفريقيا الذي تعد الوحدة المغاربية من المكونات الجوهرية لإيديولوجيته الثورية، ومع أن هذه الملاحظات صحيحة تماما إلا أننا نستطيع أن نؤكد أن الإيمان بالوحدة المغاربية كان يشكل قناعة راسخة حتى لدى بعض التشكيلات السياسية الجزائرية التي لم تكن تتبنى في نضالها المنطق الثوري لمعالجة القضية الجزائرية، وعلى سبيل المثال نجد أن حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بزعامة فرحات عباس – وفي معرض الإعراب عن انتقاده لسياسة الحزب الشيوعي الجزائري- نص في اللائحة الخاصة بالسياسة العامة للحزب المصادق عليها يوم 27-09-1948 بمدينة سطيف على ” أن الحزب الشيوعي يتصور الجمهورية الجزائرية في إطار الإتحاد الفرنسي ويرفض رفضا قاطعا اللغة العربية والعروبة والإسلام، كما أنه لا يؤمن بوحدة شمال إفريقيا…” فعدم الإيمان بوحدة شمال إفريقيا من وجهة نظر الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري خطيئة سياسية وإخفاق فكري وهي رؤية سياسية مُلهِمة لا نكاد نعثر عليها اليوم حتى لدى أكثر التشكيلات السياسية والاجتماعية إدعاءً وتشدقاً بالوفاء لفكرة الوحدة المغاربية في تراث الحركة الوطنية.
ومن الجدير بالذكر أن الوفد الخارجي للثورة الجزائرية( محمد خيضر،حسين آيت أحمد،أحمد بن بلة) وفي أول مؤتمر له بالقاهرة يوم 15 نوفمبر1954 كان بالإضافة إلى مسائل أخرى قد لاحظ أن ” وحدة المغرب العربي تتطلب وحدة الحلول “.
وكل من يريد أن يفهمَ حق الفهم مؤتمر الصومام – وبخاصة بعده المغاربي- لابد وأن يتصدى بالدراسة والتمعن في الهجومات المجيدة للشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 فهذه الهجومات التي هي من أفكار القائد الشهيد يوسف زيغود لم تُحطم فقط أحلام الغزاة الفرنسيين في القضاء السريع على ثورة نوفمبر والاحتفاظ بجوهرة مستعمراتهم وما يعنيه ذلك من استمرار الهيمنة على إفريقيا، بل أكدت بجرأة ثورية نادرة تضامن الثورة الجزائرية مع الشعب المغربي الشقيق في الذكرى الثانية لنفي السلطان الراحل محمد الخامس ودعم الثوار المغاربة في وادي زم وخريبكة إيمانا بوحدة المعركة المغاربية ضد الاستدمار وحلفائه، وقد علَّق ونستون تشرشل السياسي البريطاني المعروف على هذه الهجومات بقوله: ” إن التحدي الذي أظهرهُ الجزائريون أخيرا قد بينَ للفرنسيين أنه سيكون امتحانهم الأكبر ورأيي الشخصي هو أن تعيد فرنسا احتلال كل من المغرب وتونس !” والواجب يقتضي منا أن نُذَكِّرَ بأن من بين الأهداف الأساسية لهجومات الشمال القسنطيني إحباط أي محاولة تقوم بها هذه الجهة أو تلك للتقرب من الإدارة الإستدمارية واستغلال ارتباكها لتحقيق مكاسب سياسية خاصة على حساب الرجال الذين يقاتلون في الجبال، وبمعنى أكثر تركيزا فقد رمت هذه الهجومات إلى قطع الصلة بين الإدارة الاستعمارية وجماهير الشعب، ومن يريد أن يفهم فضل هجومات الشمال القسنطيني في هذا الصدد فما عليه إلا أن يقرأ ما كتبه الدكتور محمد العربي الزبيري في الجزء الثالث من كتابه “تاريخ الجزائر المعاصر،الصفحة 160 “.. و هناك شرائح واسعة من الشعب الجزائري ظلت موالية للنظام الاستعماري وتتعامل معه بكل ثقة إلى أن تأكدت من عجزه عن حمايتها ولاحظت أنه اعترف لجبهة التحرير بحق تقرير المصير على أساس الاستقلال الوطني..” ولا شك أن المغزى بات واضحاً فالوصول إلى تجسيد الوحدة المغاربية يحتاج اليوم إلى مفكرين وساسة ومناضلين يعرفون كيف يُعدونَ ويُطلقون دوامة الإقلاع الوحدوي بما يجعل من المد الوحدوي تياراً جارفاً مُهيمناً لا يترك مجالا للمترددين واللامبالين، وعندها فقط ستلتحق الجماهير كتلة بعد كتلة وجماعة تلو جماعة بمسيرة الوحدة المغاربية المنشودة وستجرفُ معها بقايا النخب المُتكلسةِ والمُتمترسةِ وراء أسوار الحكمة الزائفة وإدعاءاتها السياسية المتهالكة، هذا هو الدّرس الذي نتعلمهُ من تلك المبادرة التاريخية الفريدة للقائد يوسف زيغود في 20 أوت 1955 والتي زكاها- رغم كل شيء- مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956.
وما نخلص إليه أن ميثاق الصومام وهو يتوقف عند قضايا الشمال الإفريقي وينص على مسألة الوحدة المغاربية لم يكن ينطلق من فراغ أو يقف على أرضية خواء بل كان يستند على ويستوحي تراثا وحدويا مغاربيا عريقا نابضا بالحياة وزاخرا بالأمل العميق في غد تحرري وحدوي مغاربي، ولاشك أن هذه الأمثلة والمواقف الوحدوية المغاربية الحية السابقة عن مؤتمر الصومام تُرينا نوع ومدى وطبيعة الهمَّة السياسية واليقين الفكري والإيديولوجي الذي تولدت عنه تلك الرؤية المشرقة لواقع ومستقبل الوحدة المغاربية كما عبَّرَ عنها ميثاق الصومام، قبل ستين سنة ، فلم يكن الأمر يتعلق بموقف ظرفي عابر بل بموقف مبدئي أصيل متجذر. وهو ما ينبغي أن يكون محور تفكير وعمل المثقفين والسياسيين في مختلف الدول المغاربية إن هم أرادوا حقا أن يقدموا مساهمة حقيقية في سبيل وحدة وعظمة مغرب أجدادنا.
ولكن ما الذي قاله ميثاق الصومام عن مسألة الوحدة المغاربية ؟ أو كما تساءلنا أعلاه إلى أي مدى اهتم ميثاق الصومام بقضية الوحدة المغاربية ؟ الواقع أن هذا المؤتمر بقدر ما كان مؤتمرا خاصا بإعادة تنظيم شؤون الثورة الجزائرية، كان وبنفس القدر مؤتمرا للوحدة المغاربية، وهذا أمر بالغ الوضوح ويتوزع بشكل جلي على مختلف الفقرات التي يتكون منها ميثاق- أرضية – الصومام فالهمُ المغاربي عسكريا وسياسيا وإعلاميا ومستقبليا كان ملحوظا بقوة، فتحت عنوان: الإستراتيجية الاستعمارية الفرنسية نقرأ “..كما أن ضغط الثورة الجزائرية دفع فرنسا إلى تغيير موقفها الرسمي إزاء استقلال المغرب ولجأت إلى البحث عن حل سريع لهذه القضية للأسباب التالية:
– الحيلولة دون وقوع جبهة موحدة جديدة بين المقاومة المسلحة بالريف المغربي والجزائر.
– القضاء نهائيا على وحدة كفاح الأقطار الثلاثة في المغرب العربي…” وبعد ذلك يُنبه الميثاق إلى حقيقة أن ” حل المشكلة التونسية والمغربية ما هي إلا خدعة استعمارية إذ أنه متى كانت الأوضاع الدولية مناسبة فلن تتأخر فرنسا في إعادة احتلالهما..”.
و بنظرة ثاقبة إلى المستقبل القريب والبعيد وتحت عنوان إتحاد الشمال الإفريقي يدعو ميثاق الصومام إلى ضرورة العمل على بناء إتحاد مغاربي يجد تبريره في العوامل الكثيرة المشتركة التي تتوفر عليها المنطقة ” يتطلع أبناء الجزائر المستقلة إلى التضامن الضروري الطبيعي بين بلدان المغرب العربي الثلاث، لأنها مجموعة كلية تؤلفها الجغرافيا والتاريخ واللغة والحضارة والمصير، لذا يجب أن يُسفر هذا التضامن عن تأسيس إتحاد الدول الثلاث، وتقتضي مصلحتهم أن تبدأ بتنظيم دفاع مشترك ونشاط دبلوماسي مشترك وخطة مشتركة في التجهيز والتصنيع وسياسة نقدية مشتركة والتعليم وتبادل الأركان الفنية والاختصاصية والمبادلات الثقافية واستثمار مخبئات الأرض والنواحي الصحراوية لكل بلد.” وهكذا يسجل مؤتمر الصومام أن الوحدة المغاربية تتوفر على عوامل طبيعية ( الوحدة الجغرافية) وعلى مقومات ثقافية ( التاريخ واللغة والحضارة) وعلى وحدة المآل المستقبلي ( وحدة المصير) ثم يضع ما يشبه البرنامج المفصل الذي يمكن الاهتداء به في بناء مختلف جوانب المشروع المغاربي بعد استرداد الجزائر لاستقلالها الوطني، والتي يتصدرها الدفاع المشترك والنشاط الدبلوماسي المنسق وذلك بحكم المخاطر والتحديات المباشر والآنية التي كانت تواجهها المنطقة المغاربية في 20أوت سنة 1956تاريخ انعقاد مؤتمر الصومام، مثل خطر القضاء على الثورة الجزائرية أو إجهاضها،الوجود الفرنسي الكثيف في المغرب وتونس رغم إعلان استقلال البلدين،الدعم الغربي المتصاعد للحرب الاستعمارية الفرنسية في الجزائر..الخ.
أما دعوة الميثاق إلى وضع خطة في التجهيز والتصنيع المشترك وسياسة نقدية وتعليمية واستثمارية مشتركة فهي خطوات ضرورية لكل تجربة وحدوية يملك روادها رؤية متكاملة وإرادة حقيقية لتجاوز أوضاع التجزئة وبناء أوضاع وحدوية جديدة مكانها.
ولأن المجتمعين في مؤتمر الصومام كانوا يدركون جيدا أن الثورة الجزائرية لا تزال أمامها سنوات طويلة شاقة من الكفاح والتضحيات لإجبار الدولة الاستدمارية الفرنسية على التسليم بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم على أساس استرداد الاستقلال الوطني، فقد عاد الميثاق إلى الحديث عن ضرورة تعزيز جهود الاتصال والتنسيق والتعاون بين الدول المغاربية والثورة الجزائرية فتحت بند تضامن الشمال الإفريقي، يؤكد الميثاق على ” أن جبهة التحرير الوطني مطالبة بتشجيع:
- تنسيق عمل حكومتي تونس والمغرب للضغط على الحكومة الفرنسية.
- تكوين لجنة للتنسيق بين الأحزاب الوطنية للبلدين مع جبهة التحرير الوطني، وإنشاء لجان شعبية في البلدين لمساندة المقاومة الجزائرية.
- الاتصال الدائم بين الجزائريين المقيمين في تونس والمغرب.
- التضامن بين المنظمات النقابية للشغل في الدول الثلاث.
- التضامن بين الاتحادات الطلابية الثلاثة. ” وفوق هذا لا نستطيع إلا أن نتأمل فيما امتاز به المؤتمرون في الصومام من ذكاء وبعد نظر، فهم لم يكتفوا بأن يأخذوا بعين الاعتبار العمل للحصول على تأييد الدول والشعوب الأسيوية والإفريقية والأوربية إلى جانب دول وشعوب أمريكا اللاتينية، بل إنه حتى الجاليات العربية الموجودة في أمريكا اللاتينية تم وضعها في الحسبان وبتعبير الميثاق “الاعتماد على العرب المهاجرين إلى أمريكا اللاتينية ” فالقضية إذن هي تحرير الجزائر والعمل على توحيد المنطقة المغاربية لكن مع الوعي بأن دوائر التحرك يجب أن تتسع لتشمل العالم كله، فمن خلال المزاوجة بين خصوصية القضية وعالمية الانتشار يتحرك التاريخ.
وهكذا يتضح أن الوحدة المغاربية ليست قضية هامشية أو محطة عارضة في ميثاق الصومام بل يمكن القول عندما نتعمَّقُ في التحليل أن مؤتمر الصومام كان إلى جانب بيان أول نوفمبر ومؤتمر طنجة (أفريل1958) أكبر انتصار للفكرة المغاربية منذ سقوط دولة الموحدين العتيدة، لكن ما يثير الحزن والدهشة أن شرائح واسعة من الجزائريين ومنهم الكثير من الشباب لا يعرفون أصلا أن ميثاق الصومام قد دعا بحرارة استثنائية إلى الاضطلاع بوحدة الشمال الإفريقي ! فمن هو المسؤول عن تغييبِ هذا المشروع الوحدوي العظيم عن نظرِ الأجيال المغاربية الصاعدة ؟ ومن يملكُ الجرأة على أن يتحمل مسؤوليته في هذا الصدد؟ الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي واحد من الذين أقروا بفشل جيله في ترسيخ مبادئ نوفمبر في وعي الأجيال الصاعدة، ولاشك أن فكرة الوحدة المغاربية تأتي على رأس المبادئ التي جرى التفريط فيها، وهو وضع ينبغي تصويبه بكل وسيلة ممكنة،إذ أنه لا يوجد أمامنا كمغاربيين ولا يمكن أن يوجد أبداً بديل عن الوحدة المغاربية، والبديل الوحيد في الواقع هو اللا بديل، أي استمرار أوضاعنا الهشة الغامضة والحُبلى بالاحتمالات المؤلمة ، ولذلك نعيد التأكيد على أن الوحدة المغاربية هي بديل بلا بديل، فكرة لا يوجد نظيرها ومشروع لا يمكن تعويضه أو تجاوزه إلا للسيرِ نحو الهاوية والمسؤولية تعود إلينا لكي نقرر.
و من المتوقعِ أن يستفسر البعض عن السر في الإشارة المتكررة إلى عبارة “الأقطار الثلاثة ” كما جاء في بيان أول نوفمبر و ” الأقطار الثلاثة في المغرب العربي” و” بلدان المغرب العربي الثلاثة ” كما جاء في وثيقة الصومام، أين باقي أقطار الإتحاد المغاربي كما نعرفها اليوم ؟ والجواب واضح وبسيط ، فالمنطقة المغاربية تم غزوها واحتلالها من قبل قوى أوربية متعددة، إيطاليا في ليبيا، فرنسا في تونس والجزائر والمغرب وموريطانيا، وإسبانيا في شمال المغرب والصحراء الغربية، وقد عملت كل دولة أوربية على إخضاع وعزل الجزء الذي تحتله عن سائر أرجاء المغرب الكبير كما تأسس حقا في التاريخ، وهكذا ولعدة عقود من الزمن أُختُصِرَ وأنْحصرَ مفهوم الشمال الإفريقي ليرمز لكفاح الحركة الوطنية في الدول الثلاث بسبب اشتراكها في لعنة الإستدمار الفرنسي، أما موريطانيا ورغم خضوعها هي أيضا للفرنسيين إلا أنها كانت تعيش ملابسات سياسية واجتماعية خاصة أخرت انخراطها إلى جانب تونس والجزائر والمغرب، لغاية استقلالها سنة 1960 في حين أن ليبيا كانت قد استردت استقلالها سنة 1951 بعد نجاتها من مخططات التقسيم الغربية وخاصة رغبة فرنسا في السيطرة على إقليم الفزَّان، لكن المهم في بيان نوفمبر ومؤتمر الصومام هو التأكيد والإلحاح على فكرة الوحدة المغاربية في ذاتها، أما المدى أو الحَيِّزْ الجغرافي لهذه الفكرة فقد تحدد فيما يُعرفُ اليوم بدول الإتحاد المغاربي الخمس في انتظار تقرير الشعب الصحراوي لمصيره والتحاقه بالإتحاد لينطبق الواقع السياسي المغاربي مع واقعه الجغرافي كما الحال زمن الدولة الموحدية المجيدة.
بقي أن نتساءل هل قضية الوحدة المغاربية في ميثاق الصومام مسألة تجاوزها الزمن وأصبحت جزءا من الماضي؟ أم أن ميثاق الصومام في بعده المغاربي لا يزال قادراً على الإلهام والعطاء؟ أوضحنا سابقا أن ميثاق الصومام لم يكتفِ بالإشارة إلى مسألة الوحدة المغاربية بل تناولها بأشكالٍ مختلفةٍ وأكد عليها باعتبارها قضية مركزية وهدفا رئيساً من أهداف الثورة الجزائرية، والميثاق في هذا يتفق تماما مع بيان أول نوفمبر. وإذن فنحن أمام استمرارية إيديولوجية مضمونها حتمية القضاء على التجزئة في المنطقة المغاربية بما يقودنا إلى إعادة توحيد مغربنا الكبير كما وَحَّدَهُ أجدادنا الفاطميون والموحدون في العهود الماضية، وفقط عندما نُنجز وحدة المغرب الكبير نكون قد أتممنا رسالة شهداء نوفمبر، ولذلك فإننا إذ نحتفل اليوم بأول نوفمبر أو بمؤتمر الصومام إنما نحتفل بنصرٍ غير مكتملٍ وبعهدٍ لم نُنْجِزهُ، ويبقى القول بأن أهمية دراسة تاريخ مؤتمر الصومام تكمن في أنَّه يُظْهِرُ لنا أن معظم الأسئلة حول قضية الوحدة المغاربية قد طُرحت من قبل ، وأن الكثير من الإجاباتِ الذكيةِ عنها قد قُدِمتْ بالفعل في فتراتٍ سابقةٍ، وبذلك نَخْلُص إلى أنّ أرضية أو وثيقة الصُومام هي ميثاق الزمنِ الراهنِ والمستقبل المغاربي الزاحفِ وليست تاريخاً محضاً أو صورة شمشية شاحبة عن زمن انقضى.