بقلم: شـعبـان يـاسـيـن – كاتب من الجزائر ومدير متحف المجاهد لولاية قالمة |
تدخلت الحكومة في عهد الرئيس السابق، من أجل قطع الطريق على مقترح مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في المهد، بحجة أنه يضر بعلاقات الجزائر الخارجية، والتي تبقى وفق توصيف بعض المطلعين، على أنها من اختصاص رئاسة الجمهورية، وهو المبرر الذي انسحب على كل المحاولات التي كانت تستهدف محاسبة المستعمرة السابقة على جرائمها في الجزائر، ومعاملتها انطلاقا من جنس ما قامت به في مستعمرتها السابقة من أفعال.
المبررات التي ساقتها “السلطة السابقة” لمنع كل ما يؤذي فرنسا، هو أن اتفاقيات إيفيان لا تسمح بإعادة فتح جراح التاريخ، لكن تبين فيما بعد أن تلك المبررات، لم تكن سوى سجل تجاري رخيص، كان نظام العصابة يتاجر به مع ساسة باريس .
فقد قالت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو، الثلاثاء 10 نوفمبر 2020، إن على بلادها الإقرار بأن الاستعمار الذي مارسته جريمة وهمجية.
جاء ذلك في تصريح لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية، لفتت فيه الى تصديق الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في فرنسا بالاجماع على قانون لاعادة بعض الممتلكات التي تخص دولتي السنغال والبنين .
باشلو لفتت إلى تصريحات سابقة للرئيس إيمانويل ماكرون، تنتقد حقبة الاستعمار، وأضافت: “كما قال إيمانويل ماكرون، فإن الاستعمار جريمة وهمجية، وعلينا الإقرار بمشاركتنا في ذلك كما اعتبرت أن الاستعمار حقيقة كافة الشعوب، وأن الأمم لطالما استعمرت الأمم الأخرى ومارست العبودية ضدها.
يشار إلى أن ماكرون صرح أثناء حملته الانتخابية عام 2017، بأن استعمار فرنسا للجزائر كان “جريمة ضد الإنسانية”.
وفي هذا الصدد قال رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد المجيد تبون بتاريخ 07ماي 2020 ، إن الاستعمار الفرنسي قتل على مدار 132 عاماً (1830- 1962)، نصف سكان الجزائر (قبيل الاستقلال)، في جرائم لا تسقط بالتقادم ، جاء ذلك في رسالة وجهها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى الشعب الجزائري بمناسبة الذكرى الـ75 لمجازر الثامن من ماي 1945، التي ارتكبها جيش الاستعمار الفرنسي بحق متظاهرين جزائريين سلميين، ونشرت مضمونها وكالة الأنباء الرسمية.
ففي 8 ماي 1945، ارتكبت قوات الاحتلال الفرنسي مجازر بشعة في مناطق سطيف وقالمة وخراطة، شرق الجزائر ، ذهب ضحيتها حسب تقديرات رسمية، 45 ألف شهيد، خرجوا بمظاهرات للمطالبة باستقلال بلادهم والوفاء بوعودها بعد محاربة ألاف الجزائريين معها نظير الاستقلال .
إذ أوضح رئيس الجمهورية الجزائرية و مبينا همجية الاستعمار الفرنسي بأبشع معانيه أن “القمع الدموي الوحشي للاحتلال الاستعماري الغاشم سيظلّ وصمة عار بجبين قوى الاستعمار التي اقترفت في حقّ شعبنا طيلة 132 سنة، جرائم لا تسقط بالتقادم، رغم المحاولات المتكررة لتبييضها كما تابع قائلاً: “عدد ضحايا جرائم الاستعمار تجاوز 5 ملايين ونصف المليون ضحية من كل الأعمار، أي ما يمثل أكثر من نصف سكان الجزائر في ذلك الوقت.
ووصف رئيس الجمهورية الجزائرية بوصف دقيق وشامل “جرائم الاستعمار” بأنها “ضد الإنسانية، وتخالف القيم الحضارية، لأنها قامت على التطهير العرقي لاستبدال السكان الأصليين واستقدام غرباء كما اعتبر أن هذه الجرائم قامت على فصل الإنسان الجزائري عن جذوره، ونهب ثرواته، ومسح شخصيته بكلّ مقوماتها.
وتطالب الجزائر شعبيا ورسميا منذ سنوات، فرنسا بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائمها الاستعمارية، لكن باريس تطالب في كل مرة بطي صفحة الماضي والتوجه نحو المستقبل..
خلال شهر فبراير الماضي، تعهد رئيس الجمهورية الجزائري عبد المجيد تبون، بـ”محاسبة الدولة الفرنسية على جرائمها في الجزائر”، وأكد التزامه استرجاع جماجم قادة مقاومات شعبية ومحلية ضد الاستعمار الفرنسي توجد داخل متحف بباريس، تماطلت السلطات الفرنسية في تسليمها.
إذ قال السيد الرئيس تبون، في رسالة بمناسبة اليوم الوطني للشهيد: “في هذا اليوم المبجل والممجد لشهداء الجزائر الأبرار، أجدد عهدي ووفائي لرسالتهم، ووعدي لهم باسترجاع ذاكرتنا ورفات شهدائنا من المستعمر السابق، شهداء الثورات الشعبية التي مهدت لثورة نوفمبر “، مشدداً على أن الدولة الجزائرية “لن تتنازل عن محاسبة الدولة الفرنسية عن جرائمها خلال فترة احتلالها للجزائر”، وقال: “لن نسمح أبداً بالإساءة إلى شهدائنا أو التمثيل بهم، لن نتخلى عن محاسبة المستعمر السابق، على استرجاع ذاكرتنا ورفات شهدائنا.
فقد كان السيد الرئيس تبون يشير إلى جماجم قادة المقاومات الشعبية الموجودة بمتحف الإنسان في باريس، والذي نُقلت إليه منذ أكثر من قرن، وتطالب السلطات الجزائرية في السنوات الأخيرة بها، وقادت مساعي لاسترجاعها من المتحف، لكن السلطات الفرنسية تماطل في ذلك.
فقد كشف عن وجود هذه الجماجم عام 2011، المؤرخ الجزائري علي فريد بلقاضي، الذي كشف وجود جماجم لمقاومين جزائريين عندما كان بصدد بحث تاريخي حول المقاومة الشعبية الجزائرية للاستعمار الفرنسي،حيث تم قطع رؤوس المقاومين في سياق انتقامي، أبرزهم الشريف بوبغلة والشيخ بوزيان، أبرز المقاومين الجزائريين، وموسى الدرقاوي ومختار التيطراوي وعيسى الحمادي، ومحمد بن علال، أحد ضباط الأمير عبدالقادر الجزائري.
وبالفعل أوفى الرئيس تبون بوعده ويعلن يوم 02 جويلية 2020 عن عودة أربعة وعشرين من رفاة قادة المقاومات الشعبية بالجزائر بعد أن قتلتهم فرنسا ثم قطعت رؤوسهم دون حياء ولا استحياء وحرمتهم من حقهم الطبيعي والإنساني في الدفن كما قال رئيس الجمهورية الجزائرية السيد “عبد المجيد تبون” ، يتقدم الرفاة الاربع والعشرين الشريف بوبغلة قائد المقاومة بمنطقة القبائل وعيسى الحمادي المسؤول العسكري لديه ، والشيخ أحمد بوزيان زعيم مقاومة الزعاطشة بالجنوب الشرقي الجزائري ومستشاره العسكري موسى الدرقاوي وكذلك سي مختار بن قويدر التيطراوي ومحمد بن علال بن مبارك المسؤول العسكري في عهد الامير عبد القادر ، واخوانهم ومن بينهم جمجمة شاب لا يتعدى عمره 18 سنة .
وفي تصريح للسيد عبد المجيد شيخي عشية الاحتفاء بالذكرى الـ 66 لاندلاع الثورة الجزائرية ، وهو مؤرخ كلفه رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون بالتفاوض مع الجانب الفرنسي حول ملفات الفترة الاستعمارية (1830/1962)، أنه “بعد ارتكاب فرنسا لمجازرها بالجزائر، حولت الكثير من عظام الجزائريين الذين تم قتلهم إلى مرسيليا لاستخدامها في صناعة الصابون وتصفية السكر.
كما أردف أن الاستعمار جعل الجزائر حقل تجارب حقيقياً للممارسات الوحشية التي طبقها فيما بعد في المستعمرات الأخرى، خاصة الإفريقية منها، والتي عانت من تجارة الرق التي تورطت فيها شخصيات مرموقة في المجتمع الفرنسي وهي كلها أساليب موثقة في الارشيف.
ضف اليها جرائم منفيي كاليدونيا الجديدة وضحايا 8 ماي 1945 بأفران الجير بقالمة وضحايا التجارب النووية بالصحراء الجزائرية والمختطفون والمخفيين قسرا وضحايا الالغام والمتفجرات و غرقى نهر السن بباريس وما خفي كان أعظم …
وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو
صور لهمجية الاستعمار الفرنسي بالجزائر.
وما خفي كان أعظم …