بقلم: محمد النوباني |
الحديث عن قرار تقسيم فلسطين ، الى دولتين عربية ويهودية وتدويل القدس ، الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة تحت الرقم ( 181) في 29/11/1947 له اهمية ونكهة حاصة ليس من الناحية المعرفية والاكاديمية فقط وانما من ناحية الفائدة السياسية الراهنة في التعامل مع مشاريع حلول سياسية وتسويات تنتقص من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بشكل كبير ومع ذلك يجري الترويج لها بذريعة ان موازين القوى الدولية والاقليمية والتحلي بالواقعية السياسية تتطلب الموافقة عليها وعدم رفضها .
ولذلك فان للكتابة عن قرار تقسيم فلسطين في ذكراه الـ73 التي تحل اليوم الاحد 29/11 ، لها اهمية راهنة وكأن الحدث قد وقع للتو القريب سيما وان القوى الدولية التي ساهمت في تجسيد القرار المجحف لا زالت هي التي تمنع وتحول دون تمكن الشعب الفلسطيني من استرجاع حقوفه المشروعة في العودة والدولة وتقرير المصير وعلى راسها امريكا وبريطانيا وبلدان الغرب الإستعماري والرجعيتين العربية والفلسطينية.
ولكي ندخل في صلب الموضوع فهناك وجهتي نظر فلسطينية حول الموقف من قرار التقسيم الآولى تعتبر ان قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية انذاك كانت محقة في رفضها للقرار المذكور لأن فلسطين بكامل حدودها الانتدابية هي ملك للشعب الفلسطيني وبالتالي فانه لم يكن جائزاً ولا مقبولاً التنازل عن 56%منها لغاصب محتل والموافقة على تدويل القدس اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي محمد “صلى الله عليه وسلم “.
والثانية تقول بان عدم قبولنا للقرار الدولي المذكور كان خطا جسيما وماساويا اهدر منا فرصة تاريخية لا تعوض لاقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل بل واكثر من ذلك حيث يذهب اصحاب هذا الراي الى حد القول بان الموافقة الفلسطينية على قرار التقسيم كانت ستجنب شعبنا كارثة تشريده غن وطنه في 15 ايار1948.
في هذه المقالة سنحاول تسليط الاضواء على القرار 181 من جميع جوانبه وفي ذات الوقت سنسعى من خلال الاحتكام للوقائع التاريخية رؤية اي من وجهتي النظر هي الصائبة ليس بهدف تسجيل موقف على هذا الفريق او ذاك وانما من للانطلاق من ذلك في التعامل السياسي مع صيغ ومشاريع سياسية قد تصادفنا اليوم سيما وان القضية الفلسطينية لا زالت مستعصية على الحل العادل بسبب اصرار ذات القوى تقريبا المسؤولة عن نكبتنا على حرمان شعبنا العربي الفلسطيني من تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني .
لنضع اصبعنا عاى نقطة البداية ففي الاول من نيسان 1947 ارسلت الحكومة البريطانية مذكرة الى السكرتير العام للامم المتحدة طالبته فيها بعرض قضية فلسطين على جدول اعمال دورة الجمعية العامة القادمة .
وكان واضحا ان الهدف من الخطوة البريطانية ليس التوصل الى حل القضية الفلسطينية وانهاء الوجود الاستعماري البريطاني بانهاء سياسة الانتداب وحصول فلسطين غلى الاستقلال تجاوبا مع مطالب الشعب الفلسطيني وقيادته آنذاك وانما بهدف استصدار قرار يمنح وجودها العسكري الشرعية الدولية لعدة سنوات اضافية .
وقد جاء ذلك في ظل ظروف غير مواتية للامبراطورية العجوز التي خرجت من الحرب العالمية الثانية منهكة حيث صعدت مكانها الولايات المتحدة الى زعامة العالم الامبريالي وبدات تخسر مستعمراتها السابقة فضلا عن الازمة الاقتصادية التي كانت تطحنها .
وكما يلاحظ الباحث السوري المرحوم د.ياسين الحافظ فانه عندما نقل امر البت بمصير فلسطين الى المجتمع الدولي ممثلا بهيئة الامم المتحدة كان “البيشوف” تجمع اليهود المقيمين في فلسطين قد حقق انجازا مهما تمثل في استبدال الدولة الحليفة الحامية فاصبحت الولايات المتحدة بدلا من بريطانيا التي برزت بوصفها الدولة الاقوى اقتصاديا وعسكريا بعد الحروب العالمية الثانية هي الحاضنة حيث تكون فهيا لوبي، جماعة ضغط يهودي ،يملك قدرا ملحوظا من النفوذ والتاثيرعلى النخبة السياسية الامريكية انظر د.ياسين الحافظ شؤون فلسطينية العدد 81/82 آب ايلول 1978 ص 16.
وفي 28 نيسان 1947 عقدت الجمعية الامة للامم المتحدة دورة طارئة قررت على اثرها تشكيل لجنة خاصة تتولى التحقيق في القضية وتقدم توصياتها الى الدورة المقبلة ولدى وصولها الى مدينة القدس في 17حزيران 1947 اضربت فلسطين عن بكرة ابيها حيث استمعت خلالها الى مختلف الشخصيات اليهودية بينما قاطعها الفلسطينيون .
وفي اعقاب عودتها الى نيويورك وضعت تقريرها والذي تضمن :
اولا: توصيات عامة وافق عليها جميع اعضاء اللجنة وتتلخص في ضرورة انهاء الانتداب البريطاني على فلسطين ومنحها الاستقلال بعد مرحلة انتقالية مسؤولة امام منظمة هيئة الامم المتحدة .
ثانيا : مشروع الاكثرية تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية
ا- الدولة العربية وتشمل الجليل الغربي ومنطقة نابلس الجبلية والسهل الساحلي بين اسدود والحدود المصرية ومنطقة الخليل وجبال القدس وغور الاردن وليس فيها الا الف يهودي مقابل 650 الف عربي ومساحتها 12 الف كيلو متر مربع .
ب – الدولة اليهودية وتتالف من الجليل الشرقي ومرج بن عامر والقسم الاكبر من السهل الساحلي والنقب ومساحتها 14,200 كم وفيها 460 الف عربي مقابل 530 الف يهودي وكان العرب يملكون فيها ثلثي الاراضي والعقارات .
ج منطقة القدس وتوضع تحت الحماية الدولية ومساحتها 147 كم .
ثالثا مشروع الاقلية ونص على اقامة حكومتين مستقلتين اسثقلالا ذاتيا تتالف منها دولة اتحادية عاصمتها القدس وتتولى الحكومة الاتحادية قضايا الشؤون الخارجية والمصالح الاقتصادية المشتركة بين الدولتين والدفاع الوطني اما رئيس الدولة فينتخبه مجلس الاتحاد .
وفي الخامس والعشرين من تشرين الثاني 1947 طرح مشروع الاكثرية امام اللجنة الخاصة التابعة للامم المتحدة للتصويت عليه فكانت النتيجة موافقة 25 دولة بينما رفضته 13 دولة وامتنعت 17 دولة عن التصويت وحينئذ تقرر بضغط امريكي نقل القضية الى الجمعية العامة الاصلية لتبت فيه لان النصاب الذي حصلت بموجبه الموافقة على المشروع في اللجتة الخاصة لا يكفي في التصويت لدى هيئة المم المتحدة التي يقضي نظامها الداخلي بانه لا بد من اغلبية الثلثين لجعل القرار نافذا .
على ضوء ذلك عرض مشروع التقسيم مع بعض التعديلات للتصويت عليه من قبل الدول الاعضاء في 26 تشرين ثاني 1947 لكن ميزان القوى في داخل اروقة الاجتماع كان يشير الى انصار فكرة التقسيم لا يبلغون الثلثين وهي الاغلبية اللازمة لاتخاذ القرار وتبين ان التقسيم سوف يمنى بفشل ذريع سارع عند ذلك الوفد الامريكي واقترح تاجيل التصويت بحجة وجود عدد كبير من الوفود التي طلبت حق الحديث وان ضيق الوقت لا يسمح بذلك .
فما كان من بعض الوفود المعارضة للتقسيم الا ان اعلنت تنازلها عن القاء الكلمات توفيرا للوقت ةبهدف تمكين الهيئة من اجراء التصويت في تلك الجلسة الا ان رئيس الجلسة البرازيلي “ارانيا” رفض الاستجابة واصر على التاجيل لان كفة المطالبين بالتصويت كانت راجحة فكان له ما اراد فاتيحت بذلك الفرصة للادارة الامريكية لاستخدام نفوذها الاقتصادي والسياسي من اجل تجنيد اغلبية الثلثين وتمكنت في غضون 4 ايام من تحقيق مبتغاها .
ويصف غضو الكونجرس الامريكي الاسبق “لورنس سميث ” الدور الذي لعبته امريكا غلى هذا الصعيد بقوله ” ان مندوبي ثلاث دول صغيرة قد تعرضوا لضغط شديد من جانب مندوب الولايات المتحدة ومن مسؤولين على اعلى المستويات في واشنطن فالاصوات الحاسمة والمرجحة الى جانب التقسيم كانت اصوات هاييتي وليبيريا والفلبين ، حيث كانت هذه الاصوات كافية لتامين اغلبية الثلثين وكانت هذه البلدان في السابق تعارض الفكرة غير ان موقف مندوبنا ومسؤولينا شكل مسلكا ضدنا وضدهم يستحق الزجر والكبت”
، انظر كتاب عصام سخنيني فلسطين الدولة ص 179 .وتكشف المصادر التاريخية جانبا من الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على الدول الصغيرة لاجبارها غلى تغيير موقفها المعارض للتقسيم وبفعل ذلك قامت حكومة سيام ، تايلاند حاليا بسحب اوراق الوفد السيامي الى الامم المتحدة الذي كان قد صوت ضد مشروع التقسيم في اللجنة الخاصة ذلك قبل ان تبدا الجمعية العمومية النقاش حول المشروع كذلك تلقى كارلوس رومولو مندوب الفلبين امرا من حكومته بمغادرة الولايات المتحدة في اليوم نفسه الذي القى خطابا معارضا للتقسيم وقام عضوا في المحكمة العليا الامريكية فيليكس فرانكفورت وفرانك موزعي بارسال رسائل الى الوفد الفلبيني يحثانه على التصويت الى جانب التقسيم وقامت شركة فايرستون الامريكية بالاتصال هاتفيا بممثلها في ليبيريا ووجهته ليمارس ضغطا على الحكومة اليبيرية للتصويت لمصلحة التقسيم وكانت شركة فايرستون تمتلك مزارع المطاط في ليبيريا .
وقد انتقد الدكتور” ستيفن بل بنروز” رئيس جامعة بيروت الامريكية الاسبق الضغط الامريكي للوصول الى اقرار المشروع قائلا ، ان المناورة السياسية التي ادت الى موافقة الجمعية العامة للامم المتحدة نهائيا على تقرير اغلبية لجنة الامم المتحدة الخاصة بفلسطين انما تعد من اسود الصفحات في تاريخ السياسة الدولية الامريكية ، انظر تاريخ مدينة القدس ص 152 .
وعلى حد تعبير وزير الدفاع الامريكي الاسبق جيمس فورستال ، فان الاساليب الجماعية والتصفية للضغط غلى الدول الممثلة في الجمعية العمومية لهيئة الامم المتحدة لاكراهها على التصويت لدولة اسرائيل والاعتراف بها قد بلغت حد الفضيحة “المصدر السابق” .
واستنادا الى ذلك فقد تكللت ضغوط الادارة الامريكية بالنجاح وكانت نتيجة التصويت في هيئة الامم المتحدة بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947 لصالح التقسيم حيث فاز ب 23 صوتا وعارضه 11 صوتا بينما امتنعت 17 دولة على التصويت لقد نص قرار التقسيم رقم 181 على اقامة دولة عربية تبلغ مساحتها 11,460 الف كم اي على ما نسبته 42,88 %من مساحة فلسطين .
اما مساحة الدولة اليهودية فقد بلغت 15,86 الف كم وبنسبة 56,47 % من اجمالي مساحة البلاد بينما مدينة القدس وهي دولية فقد كان مقررا أن تبلغ مساحتها 174 كم .
وضمن هذه المعطيات فقد كان من البديهي ان يسارع معظم المستوطنين اليهود في فلسطين للترحيب بالقرار والموافقة عليه .
ويصف موشيه ديان وزير الحرب الاسرائيلي الاسبق في مذكراته مظاهر البهجة والسرورالتي قوبل بها القرار في اوساط المستوطنين ويقول وفي التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947 كنت في نهلال / مستوطنة زراعية عسكرية / وعندما وصل نبأ تصويت الامم المتحدة على تقسيم فلسطين كان الوقت ليلا ومع ذلك ايقظت الاولاد وانضممت معهم في احتفال القرية بالحدث فالقرار الذي يعترف بحق اسرائيل في الوجود كدولة كان ذا اهمية تاريخية والموافقة عليه كان انتصارا سياسيا بعيد المدى يعود الفضل الاساسي الى بن غوريون فرقصنا وشعرنا بالمتنان نحو الدول التي صوت ممثلوها في الامم المتحدة الى جانب مشروع قرارنا انظر” يوميات قادة اسرائيل موشيه ديان ص 70-71″ .
اما من الجانب الآخر فقد كان من الطبيعي ان تسارع قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالهيئة العربية العليا الى رفض التقسيم فنجاح مشروع اقامة الدولة العبرية عني وبالملموس تناقضا حادا مع مصالح الشعب العربي الفلسطيني ومصالح الامة العربية والقيادة التقليدية التي لم تر في قيام الدولة العبرية ما يخدم مصالحها وهذا ما يفسر رفضها للقرار والشق الآخر من المعادلة هو الرفض الشعبي لقرار التقسيم مما اوجد تلاقيا بين موقف الشعب والقيادة .
وقد بينت الاحداث التي وقعت بعد صدور تقسيم فلسطين في 29تشرين ثاني 1947 بما في ذلك العمليات العسكرية ان القوات المسلحة الاسرائيلية كان بمقدورها احتلال فلسطين بكاملها وتشريد شعبها فاللواء حسن البدري ، يقرر في كتابه” الحرب والسلام ” بعد دراسة في وثائق الحرب ان التشكيلات المسلحة اليهودية كانت متفوقة عدة وعدد على الجيوش العربية آنذاك فاجمالي القوات العربية النظامية يوم 15/5/48 كان يقدر بنحو 15 الف جندي وذلك مقابل 67 الف جندي صهيوني اي ان نسبة التفوق البشري الاسرائيلي كانت في الافراد 4,4 الى 1 وفي التشكيلات 2,3 الى 1″ انظر مجلة شؤون فلسطينية آب 1978 العدوان 81 – 82 ص 181″.
لذا فان الموافقة على قرار التقسيم حتى انطلاقا من اعتبارات تكتيكية اي كنوع من المساومة الجائزة مبدئيا لم يكن من شأنه تجنيب شعبنا كارثة تشريده اذ ان المشروع المدعوم من القوى الكبرى كان في الميدان اقوى من كل الامكانات الذاتية للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية وكان سينجح في تحقيق اهدافه بالكيفية التي تمت سوءا وافقنا على القرار ام لم نوافق ناهيك عن ان الموافقة كانت ستشكل اقرارا او اعترافا ضمنيا مسبقا بشرعية ما تم وستضفي عليه شرعية لا جدال فبها بدون ان نجني اية فائدة اذا فان ما جرعلى شعبنا الويلات والمصائب والمعاناة ليس رفض التقسيم، فالقيادة التقليدية اصابت حينما رفضت القرار بل اختلال نسبة القوى على الارض وتخلف الانظمة العربية وعدم وجود القيادة التي كانت بامكانها الحؤول دون ضياع الوطن رغم التضحيات الهائلة التي قدمها الشعب الفلسطيني .
وفي التهاية نامل ان تكون هذه الدراسة قد حققت الاهداف المرجوة منها بما يساعدنا في تحديد مواقفنا من مشاريع الحلول السياسية المطروحة وتحديدا صفقة العصر بما يجنبنا الوقوع في مطبات تطيل من معاناتنا .