بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني* |
الكيان الصهيوني وبالتحديد نتنياهو وضع إيران وقدراتها النووية والعلمية والتكنولوجيا على رأس أولوياته منذ أن خاض الحياة السياسية في هذا الكيان المسخ والمغتصب. وبالرغم من كل التهديدات التي اطلقها في اول حملة انتخابية له في مطلع تسعينات القرن الماضي وتخصيصه مئات ملايين الدولارات لبرامج عسكرية وخاصة الجوية منها للتدرب في مناطق ذات تضاريس جغرافية مشابهة لتلك التي في إيران في دول جنوب أوروبا وذلك لضرب المنشآت النووية الايرانية الا ان كل الادارات الامريكية لم تعطيه الضوء الاخضر في ذلك لانها كانت تدرك ان ذلك قد يؤدي الى حرب إقليمية التي إن بدات لم تنتهي بهذه الضربة. وعلى مدار السنوات كانت كل تحليلات الخبراء تؤكد ان نتنياهو أجبن من يأخذ قرارا أحاديا بتوجيه اية ضربة في الداخل الايراني دون ضمانة ان يقحم الولايات المتحدة في حربه الجنونية لتحقيق مآرب سياسية شخصية.
وعلى مدار سنوات خلت لجأ الموساد الاسرائيلي الى عمليات الاغتيالات للشخصيات التي يرتئي الكيان الصهيوني انها من علماء الذرة الايرانيين اللذين يلعبون دورا رئيسيا في تطوير القدرات العلمية لبرنامج إيران النووي على وجه التحديد. هذا بالرغم من أن إيران أعلنت مرارا وتكرارا ان برنامجها النووي غير موجه الى تصنيع قنابل ذرية وأن المرشد اصدر فتوى دينية يحرم تصنيع اسلحة الدمار الشامل. الى جانب ذلك تاكيد وكالة الطاقة العالمية التي كانت تقوم بالتفتيش ميدانيا من أن البرنامج النووي الايراني برنامجا سلميا. ولكن كل هذا لم يكن ليقنع الكيان الصهيوني ولا الولايات المتحدة التي خاضت حربا إقتصادية ودبلوماسية شعواء ضد الجمهورية الاسلامية منذ بداية الثورة في إيران التي اطاحت بحكم الشاه ونظامه السافاكي السادي.
وما بين عامي 2010 و 2012 تم إغتيال اربعة من علماء نووين إيرانيين. ويأتي الإغتيال الجديد لعالم الذرة زادة ضمن هذا المسلسل الاجرامي للموساد الاسرائيلي بالتعاون مع المخابرات المركزية الامريكي والادارة الامريكية. فالكيان الصهيوني اولا لا يمكن ان يقدم على مثل هذا العمل الإجرامي دون أن يعطى الضوء الاخضر من قبل الادارة الامريكية وثانيا إن القيام بمثل هذه العملية المعقدة تستدعي تعاون استخباراتي بين الموساد الاسرائيلي وأجهزة مخابرات غربية على رأسها المخابرات المركزية الامريكية وأدوات مرتزقة داخل إيران وتعاون استخباراتي خليجي أيضا.
وتوقيت العملية له دلالة كبيرة فهو يأتي ضمن إدارة أمريكية ليس فقط مؤيدة وحامية للكيان الصهيوني مثل الادارات السابقة بل إدارة خرجت وبشكل فظ وعلني عن كل الاطر والقرارات الدولية بما فيها مجلس الامن وضربت بعرض الحائط الاتفاقيات الدولية. فهي التي اطلقت العنان للكيان الصهيوني بضم مزيد من الاراضي الفلسطينية وأعترفت بالقدس العاصمة الموحدة للكيان الصهيوني وتم نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة وأطلقت “صفقة القرن” التي تتيح للكيان الصهيوني بضم الضفة الغربية وضربت بعرض الحائط فكرة إقامة دولة فلسطينية على الرغم من التنازلات السياسية الخيانية من جانب سلطة اوسلوا الفلسطينية.
اللجوء الى عمليات التصفيات الجسدية والاغتيالات الجبانة جاءت بعد ان تراجع ترامب عن توجيه ضربة للمنشآت النووية الايرانية على أثر النصائح التي قدمها له كبار مستشاريه والبنتاغون والخبراء العسكريين الذين حذروا ترامب من الإقدام على هكذا خطوة خشية من إندلاع حربا تشمل المنطقة برمتها قد تعرض أمن الكيان الصهيوني لخطر وجودي الى جانب ضرب المصالح الامريكية في المنطقة وارتدادات ذلك على الأمن القومي الامريكي وبما قد يحدثه هذا من أخطار على الدول الخليجية وأمن منطقة الخليج الذي تصدر أكثر من ثلث الاحتياجات العالمية من البترول والغاز. هذا بالاضافة الى أن الجبهة الداخلية الاسرائيلية وبحسب معلقين وخبراء اسرائيليين ليست في وضع لتحمل حربا من هذا القبيل التي ستكوت مكلفة للكيان الصهيوني.
وربما من هنا كانت الموافقة على عمليات أقل خطورة من تلك التي قد تؤدي الى حرب شاملة غير محسوبة النتائج. ومع هذا فما زال نتنياهو يسعى الى جر الولايات المتحدة الى حرب مع إيران وذلك قبل انتهاء الفترة الرئاسية لترامب وخروجه من البيت الابيض وهو العاجز عن القيام بذلك حتى بعد عملية التطبيع الكامل مع معظم الدول الخليجية التي لا تلعب اكثر من دور الادوات بفتح أجواءها واستعدادها لتمويل أي حرب على إيران لاخر جندي أمريكي أو صهيوني. وربما إرسال القاذفات الامريكية الحاملة للقنابل التي لها القدرة على ضرب المنشآت تحت الارض قد رفع من مستوى آمال نتنياهو ودول خليجية مثل السعودية ولكن تبقى التمنيات شيء والوقائع على الارض شيء آخر.
لا شك ان ألأيادي التي نفذت العملية هي أيادي إيرانية تدربت على أيدي الموساد وأجهزة مخابرات أجنبية وعلى رأسها المخابرات المركزية الامريكية. وهذه العملية ليست الاولى ولن تكون الاخيرة فمما لا شك فيه ان هنالك محاولات اخرى إذا ما سنحت لهذه المجموعات الارهابية الفرصة للقيام بذلك. وهذه الأيادي الإيرانية الداخلية لن تخرج عن كونها عناصر من مجاهدي خلق على ما يبدو التي تحولت الى مجموعة من المرتزقة تقوم بمثل هذه العمليات مقابل مبالغ من المال وخدمة لكل من يعادي إيران. هذه المجموعة سبق وأن قامت ببعض العمليات داخل الاراضي الإيرانية وتبين بالأدلة القاطعة ان بعض افرادها هم من قاموا بهذه العمليات بتوجيهات من المخابرات السعودية او الموساد الإسرائيل أو المخابرات المركزية الامريكية. ولقد تم تصفية بعض قيادي هذه العناصر في باريس مقرها الرسمي على أيدي ايرانية كرد انتقامي لما قامت به هذه المجموعة الارهابية. ومن الجدير بالذكر ان مجاهدي خلق كانت على موضوعة على قائمة المجموعات الارهابية في الدول الغربية ولكنها اسقطت من هذه القائمة بعدما أثبتت جدارتها بإرتكاب عمليات إرهابية في الداخل الإيراني وانهالت عليها المساعدات المالية وبرامج تدريب لعناصرها على التجسس لصالح المخابرات المركزية الامريكية وغيرها.
الرد الايراني آت لا محالة على هذه الجريمة البشعة ولكنه لن يأتي قبل الانتهاء من التحقيقات ولن يكون سريعا كما يظن البعض. فإيران لا تقدم على اي عمل قبل التأني في دراسته لتحديد طبيعة الرد وتعين الزمان والمكان المناسبين لعميلة الانتقام.
* كاتب وباحث أكاديمي