كتب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في أحد مقالاته: “لا يجب أن تعتبر قيمنا قيماً أوروبية أو أمريكية فقط، بل هي قيم كونية ستصبح ملكاً للإنسان في كل مكان”.
لكن .. وبعد الممارسة والتجربة أثبت الواقع أن هذا الكلام غير قابل للتحقق، كونه جاء على غير بينة ووعي، لأن قيم الأفراد في داخل مجتمعاتهم محكومة بروابط قوية قديمة وثابتة، وهي كل ما يتعلق بالعرف والدين والعادات والتقاليد المتوارثة.
ويؤكد ذلك دراسة استقصائية أعدها أحد العلماء في عام 1998 على مرتكزات القيم وأساليب الحياة في مجموعة من الدول المتشابهة منها “الصين – اليابان”.
وخلصت دراسته أن هناك أربعة اتجاهات تحكم هذه القيم:
– تعزيز الموروث: أكدت الدراسة على ذلك بما يسمى في تلك الدول ظاهرة “خشوع الأبناء”، فطاعة الآباء والأمهات في هذه الدول لا يمكن أن تصارعها فكرة ليبرالية مهما قويت.
– صمود الموروث: كشفت الدراسة أن التمسك بالتقاليد قرار روحي وسلوكي في هذه الدول.
– تطويع الموروث: وهو محاولة أن يجعل الموروث يتكيف مع الليبرالية الحديثة، وهنا بينت الدراسة أنه حدث بشكل قليل جداً.
– أخيراً التخلي عن الموروث: وهذا ما أكدته الدراسة بأن حدوثه نادر جداً ولا يذكر.
في المجمل تؤكد الدراسة أن الأفكار الليبرالية التي تحدث عنها توني بلير باعتبارها “قيماً كونية” سقطت وفشلت أمام مجموعة قيم الأفراد داخل مجتمعاتهم.
وفي المقلب الأمريكي نجد واحد من صناع النموذج الليبرالي الحديث وأحد المبشرين به؛ وهو صاموئيل هانتنجتون، يشير إلى ضرورة تفكيك الكتلة الصلبة، إذا أراد الأمريكيون إنجاح هذا النموذج الليبرالي، وقصد بالكتلة الصلبة هنا مجموعة الدول التي تحكم مواطنيها قيم ثابتة، وهذا ينطبق على العالم الإسلامي والعربي، فقيم العروبة والدين هي قيم حاكمة.
وأيضا أشار هانتنجتون صراحة إلى الصين واليابان ومجموعة دول شرق آسيا، لأنها تشكل بالنسبة له كتلة صلبة تحكمها قيم واحدة.
ولنا في ذلك أدلة على أن الليبرالية الحديثة لن تجد في المجتمع العربي والآسيوي حاضنة شعبية تلتف حول أفكارها المدمرة، لأن الشعب العربي يتمسك كثيراً بالمبادئ والقيم التي تؤكد على هويته وثقافته وانتمائه وحضارته ووحدته، وهذا ما لم يجده في أفكار هؤلاء الليبراليون الجدد.
باختصار .. أن أي فكرة يروج لها أنصار النموذج الليبرالي الحديث ستتحطم أمام أصغر طفل يرى أنها تتعارض مع معتقداته أو تقاليد بلده.