ثورة شعب لم تكن في حسبان كثير ممن واكبها أن توقعوا نجاحها، وأن يروها رافعة لواء النصر، ولا كان العالم دولا وشعوبا، ينتظرون من آثارها أن يقام فوق أرضها، نظام إسلامي على مبدأ ولاية الفقيه العادل، صدمت بأفكارها الإسلامية الأصيلة، العلمانيين بمختلف اتجاهاتهم اليسارية واليمينية، والإسلاميين بمختلف مذاهبهم المعتدلة والمتطرفة، فوقف أغلبهم بين مصدوم منها، لا يدري ما يفعله تجاهها، وبين منحرف عنها، مستغرق في عداوتها يكيل لها من الدعاوى الباطلة، ما لا يتّفق ومبادئها، تشويها لها وتشهيرا بها، وهي بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف.
هي بشارة الوحي الإلهي، لمن غابت عنه إشاراته إليها، من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، ثورة إسلامية إيرانية، مثّلت مفاجأة للعالم، بقوة تحدّيها وتمام بنائها، الفكري والسياسي والإجتماعي والإقتصادي والأمني، وحُسن تفاعل مؤسسات حُكمها مع قضاياها الداخلية والخارجية، ونجاحاتها الكبرى التي حققتها بشأنها، وهؤلاء الذين ادّخرهم الله لإقامة أحكام دينه، هم قوم سلمان المحمّدي (الفارسي)، ومن لم يكن مطّلعا على هذا الإختيار، فليعد إلى أسباب نزول قوله تعالى: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) (1) في الكتب الروائية فإنه سيجد أمامه حقيقة دفعها بالهوى المتّبع (2).
لذلك فإن الإمام الخميني كان مؤمنا بأن انتصار ثورة شعبه، كان بدافع غيبي، فقال: (إن تقدم هكذا ثورة بيد خالية وانتصارها على هكذا نظام وحشي تحميه قوى الاستكبار إنما كان أمراً غيبياً فلا يصيبنا الغرور فنعتقد أننا نحن الذين أحرزناه).(3)
حقائق أخرى أشار اليها الإمام الخميني وأسهمت بدورها في انتصار الثورة الإسلامية، في تحديد هدفها الخالص، كما قال: (إن سر انتصارنا يكمن في أن ثورتنا لم تكن سياسية فقط، ولم تكن من أجل النفط، بل كان لثورتنا ناحية إسلامية ومعنوية محضة)(4)
ودون أدنى شك كان عامل القيادة الصالحة مهمّ في توجيه الجماهير نحو أهدافها، والاشراف على حظوظها، فقال: (إن علاقة علماء الإسلام بالبلاد والقوانين الإسلامية علاقة إلهية لازمة لا تنفك أبداً، فنحن مأمورون من الله تعالى بحفظ البلاد الإسلامية واستقلالها، ونعتبر أن السكوت أمام هذه الأخطار المتوقعة على الإسلام، وعلى استقلال الوطن، جريمة وذنب كبير، وموت أسود عريض، وإن إمامنا العظيم أمير المؤمنين عليه السلام لا يجيز السكوت مقابل الظلم ونحن كذلك، فوظيفتنا إرشاد الأمة والحكومات وجميع الأنظمة، ولن نمتنع عن القيام بهذه الوظيفة بعونه تعالى، فالسكوت على الظلم إعانة للظالمين في هذا الزمان).(5)
وكان لاجتماع كلمة الشعب الايراني حول قيادته وأهدافها المعلنة، عامل قوة أسهمت في نجاح الثورةو وتحقيق انتصارها، وقد أثنى الإمام الخميني على روحية ومعنويات شباب الثورة، وأشاد بروحيّتهم ورسوخ إيمانهم في مقارعة جلاوزة الشاه، كانت حماستهم واندفاعهم عاملين في تحقيق النصر المؤزر، فقال: (… فقد كان شبابنا كما كان المسلمون في صدر الإسلام يتمنون الشهادة ويستقبلونها، لقد كان شبابنا يعتبرون الشهادة سعادة، سر الانتصار يكمن في الاعتماد على القرآن والشهادة التي هي طريق مقدس ولذلك انتصر شبابنا في الوقت الذي كانوا يواجهون الدبابات بأيد خالية، لقد انتصرت القبضة على الرشاش).(6)
بهذه العوامل ثار الشعب الايراني، وحقق ما لم يحققه شعب آخر، بل أثبت بقيادته الحكيمة قوة وعزة، ليس من السهل أن يكتسبها شعب آخر، وباستعراض مختصر للأحداث التي حفت بالثورة قبل انتصارها وبعده، نستطيع أن نفهم ارتباطها الغيبي، تعلّقا بتمسّك ثوارها العميق والصادق بدينهم، وعملهم بإخلاص على احيائه، صحيح أنهم ثاروا على استبداد وظلم الشاه، ولكنهم بتوجيه قيادتهم اعتمدوا على الله في كل ذلك، قد تركّز فيهم عزم راسخ على اعتماد الإسلام منهج حياة وأداة حكم .
لذلك لاحظ العالم مدى قوى الثورة الاسلامية الايراني في سعيها لنيل حقوقها، واعتبر الامام الخميني بحكم التجربة التاريخية، التي ابتلي بها الشعب الايراني من قبل، أن وجود السفارة الامريكية في طهران يمثل خطرا على الثورة، وتهدد بمؤامرات أجهزتها الاستخبارية وعملاءها بإجهاضها، وثورة مصدّق (7) لا تزال احداثها ماثلة أمامه، فكان لا بد من اعطاء إيعاز للطلبة الثوريين، للتحرك في اتجاه السفارة الامريكية.
وما بين احتلال الطلبة الثوريين الإيرانيين للسفارة الأمريكية بطهران، واحتجاز طاقمها المؤلف من 52 فردا لمدة 444 يوما (4/11/1979) (8)، تحدّيا لوكر الجاسوسية، كما يفضل الإيرانيون تسميته، وعميلة مخلب النسر، التي نفذتها قوة أمريكية خاصة، أسقطتها عاصفة رملية في صحرا ء طبس، آمن الإيرانيون بأن إلى جانبهم قوة عظيمة، ليس بمقدور أحد أن يتحدّاها ويردّها، وهي قوة الله الذي وعد بنصر أوليائه، وقوله حق لا يمكن أن يخلفه، فكان ذلك حافزا لهم، على أن يستميتوا على حماية مكتسبات ثورتهم، بنظامها مؤسسات وأهداف.
أمريكا التي تلقت صفعة قاسية، لم تتوقعها من شعب مازال يبحث نظامه الجديد عن توازنه واستقراره، قامت بتحريض عملاء المنطقة عليه، فشنّ صدّام العراق عدوانا مفاجئا على إيران، بعد التطمينات التي تلقاها بدعمه ماليا وعسكريا، استمر ثماني سنوات استهلكت خسائر كبيرة في الأرواح والمادّيات، لو صرفت في الانجاز والبناء، لأعطى إيران قدرات إضافية لتحقيق التقدّم في شتى المجالات.
ومع فشل العدوان الصدّامي، بدأت حرب أخرى استهدفت النظام الإسلامي، لزعزعة مكانته في قلوب الشعب الايراني تمهيدا لإسقاطه، فكانت العقوبات الإقتصادية المتنوعة، والحصار المضروب على تصدير النفط والغاز، وتهديد الشركات والدول التي تتعامل مع إيران، بتسليط العقوبات عليها من طرف الخزانة الأمريكية، ومع الحرب السيبرانية في تخريب برامج التكنولوجيا الايرانية، بلغ العدوان على إيران مداه، لكن ذلك لم يغيّر شيئا من عزم النظام والشعب الإيراني، وبقي على عهد إمامه الراحل، بخصوص قضايا الإسلام والأمة الإسلامية، محافظا على مساعيه الحكيمة باتجاه تحقيقها.
محصّل الثورة الاسلامية اليوم بعد مرور 42 سنة على انتصارها، أنها أثبتت أصالتها الاسلامية، وبرهنت أنها شعبية، بما يعنيه الاسهام الشعبي الصادق والتلقائي، أسهم فيها الشعب الايراني بكافة طبقات مجتمعه، وخصوصا الفئات المستضعفة المسحوقة، التي مثلت أغلبية المساهمين في التقدم بها الى يوم النصر، وأعطت مثلا للعالم الاسلامي على الثورات الناجحة، قيادة وفكرا ومؤسسات، والحصيلة التي ظهرت للعالم متنوعة في البناء الحضاري، والتحصيل العلمي، وحسن أداء النظام الاسلامي في مواجهة جميع التحديات التي اعترضته، ايران بنظامها الاسلامي انطلقت بسرعة رغم كل العوائق، نحو استكمال تحقيق اهدافها وانجاح مشاريعها، وليس بمقدور أحد أن يوقفها في مسارها الناجح، بعد العقود الأربعة الفارطة من عمرها .
المراجع
1 – سورة الجمعة الآية 3
2 – جامع أحاديث البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة الجمعة ج6ص151ح4897/ مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل فارس ج7ص191ح2546/ سنن الترمذي أبواب تفسير القرآن باب ومن سورة الجمعة ج5ص337ح3310 وأبواب المناقب باب في فضل العجم ج6ص212ح3933/ مسند أحمد بن حنبل مسند أبي هريرة ج15ص237ح9406
3 – بمناسبة الذكري ال42 لانتصار الثورة الإسلامية؛ أسباب النصر عند الإمام الخميني (قدس سره)
https://www.awarenessyemen.com/5729/
4 – سر انتصار الثورة الإسلامية
https://www.jamaran.news12/1475030
5 – أسباب النصر عند الامام الخميني (قدس سره)
http://ar.imam-khomeini.ir/ar/n39896/-
6 –القرآن في نظر الإمام “قده
http://www.assobol.com/index.php/
7 – ثروة مصدّق معرفة https://www.marefa.org/
8 – أزمة رهائن طهران https://ar.wikipedia.org/wiki